كورونا الصين وطاعون أثينا.. دروس التاريخ ومصائر البشر
جو 24 :
نصح خبير أميركي الصين بأن تأخذ حذرها من تفشي وباء كورونا القاتل، وأن تستقي العظة والعبرة من داء الطاعون الذي فتك بأثينا القديمة.
وذكَّر جيمس هولمز، أستاذ كرسي الإستراتيجية البحرية بكلية الحرب البحرية الأميركية؛ الصين بما آلت إليه الحال في أثينا، التي كانت مدينة قوية في العصور القديمة.
فعندما استشرى الطاعون في ذلك الوقت انهارت القيم والضوابط الأخلاقية؛ فكان أن أطلق الأثينيون العنان لأحط نزواتهم وغرائزهم، وانغمسوا في ملذات الحياة بكل صخبها وخلاعتها. فإذا كان ذلك حال أثينا القديمة، فهل تحذو الصين حذوها بعد انتشار فيروس كورونا؟
هذا هو السؤال الذي طرحه هولمز في مقاله بمجلة ناشونال إنترست، وحاول الإجابة عنه بالتحليل واستقراء التاريخ، ليبين ما قد يترتب على سلوك القادة الصينيين من تبعات، ليس على دولتهم فحسب، بل على المنطقة من حولهم كذلك.
تشغيل الفيديو
أسوأ النوازل
وفي مدخل لمقاله، يشير الكاتب إلى أن الأوبئة من أسوأ النوازل التي يمكن أن تحل بمجتمع من المجتمعات، ذلك أن تأثيرها يتجاوز الخسائر في الأرواح البشرية، كما أن المرض قد يُحدث تحولا في مصائر البشر إلى الأسوأ.
يقول هولمز –وهو مؤلف كتاب بعنوان "الدليل الموجز للإستراتيجية البحرية"- إن الصين تشهد حاليا إرهاصات آخر الزمان، متمثلة في "محنة" فيروس كورونا المستجد، التي طفت على السطح أول مرة في مدينة ووهان (وسط البلاد) أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
واضطرت سلطات الصحة العامة إلى فرض حجر صحي أحال ووهان بسكانها -البالغ عددهم 11 مليون نسمة- إلى "مدينة أشباح".
على أن الحجر الصحي إجراء لا يخلو من عيب، لا سيما في حالة الصين؛ فالحزب الشيوعي الصيني لم يحسن التعامل مع الوباء في بادئ الأمر؛ عندما سعى لإسكات الطبيب "لي وينليانغ"، وهو أول من كشف عن فيروس كورونا على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب زعمهم بإدلائه "بتصريحات ملفقة" و"بث إشاعات".
عدوى الطاعون
ويعود هولمز مرة أخرى للتاريخ، فيقول إن عدوى الطاعون أصابت سكان أثينا القديمة في السنة الثانية من الحرب البيلوبونيزية ضد غريمتها مدينة إسبرطة في اليونان القديمة، والتي استمرت 27 سنة، بين عامي 431 ق.م و404 ق.م.
ففي ذلك الحين، أحالت الإستراتيجية العسكرية التي انتهجها بريكليس (أحد أشهر السياسيين اليونانيين القدماء) أثينا إلى حاضنة للمرض عندما أقنع مجلسها الشعبي بالتخلي عن المناطق الريفية المحيطة لصالح كتائب المشاة الإسبرطيين، ونقل سكانها إلى داخل أسوار المدينة، وأرسل البحرية الأثينية لغزو السواحل البيلوبونيزية أملا في حمل القيادة الإسبرطية على وضع حد للحرب.
ولم يكن منطق بييركليس الإستراتيجي تشوبه شائبة –حسب رأي مقال ناشونال إنترست- إذ إن تجنب وطأة جبروت العدو واستغلال المزايا بما يفضي إلى نتائج مثمرة هو في حد ذاته ضرب من الإستراتيجية.
غير أن الاختباء خلف الأسوار العالية التي تحيط بأثينا وميناء بيرايوس الواقع في منطقة أتيكا الإدارية على بعد تسعة كيلومترات باتجاه الجنوب، أفضى إلى عواقب وخيمة في غاية الأهمية، كما يرى هولمز.
"انتقام رباني"
فوباء الطاعون انتقل عبر البحر الأبيض المتوسط إلى بحر إيجة من شمال أفريقيا بواسطة بحارة على متن سفينة تجارية كانوا قد أُصيبوا بالعدوى. وما أن اجتاح الوباء مدينة بيرايوس حتى انتقل من جماعة من الناس إلى أخرى داخل المدينة المكتظة بالسكان.
وحسب تقديرات المؤرخ دونالد كيغان، فإن ثلث سكان بيرايوس أصيبوا بالمرض. ولك أن تتخيل –كما يقول جيمس هولمز- أن ما يتجاوز أربعمئة مليون هلكوا من فيروس كورونا بحلول عام 2022، وهو عدد يناهز مئة مليون أميركي بالتناسب مع تعداد سكان الولايات المتحدة.
ومع أن طبيعة المرض الدقيقة ما تزال لغزا رغم مرور أكثر من ألفي سنة على تفشيه، فإن بعض مواطني اليونان القديمة اعتبروه "انتقاما ربانيا" بسبب خطايا الأثينيين.
وبإسقاطه الحادثة التاريخية على صين اليوم، يرى هولمز أن الرئيس الصيني تشي جين بينغ قد يواجه رد فعل عنيفا داخل الحزب الشيوعي الحاكم، ينتهي بإقصائه من منصبه. وربما يشن حملة قمع لتوطيد أركان حكمه، أو أن تأخذ الأحداث مسارا غير منظور.
وليس ثمة ضمان –في رأي كاتب المقال- أن تجنح الصين التي تكافح فيروس كورونا نحو تدبر ما حدث، أو أن تتوخى الحذر إزاء الأمور العسكرية.
تهور وتنافر
وربما تتجه الصين نحو المغامرة، إن لم يكن تبني سياسات متهورة استنادا إلى المسار الذي تتخذه السياسة الداخلية.
على أن هولمز يشدد على ضرورة عدم المبالغة في إيجاد أوجه شبه بين الماضي والحاضر؛ فالصين تعاملت مع أزمتها بشكل أفضل من أثينا القديمة، إذ لم تظهر نذر للحرب في شرق آسيا، ولن تظهر ما لم تنزع بكين نحو خيار الهجوم.
ومن وجهة نظر الكاتب، فإن بمقدور الصين أن تُجنّب نفسها مصير أثينا القديمة. وثمة فارق كبير بين المجتمعين؛ فأثينا تبنت الديمقراطية المباشرة الصاخبة، وكانت حبيسة قطعة أرض صغيرة وصخرية، لكن الصين دولة بمساحة قارة، وذات نظام استبدادي أوتوقراطي.
وفي الصين، يتحكم الرئيس في جهاز الدولة، بما يملكه من سلطة مادية تُمكِّنه من تنظيم التنافر الطائفي في بلده. أما بيركيليس، فرغم أنه ربما كان "المواطن الأول" في أثينا القديمة، فإنه لم يكن ليدور بخلده قط أن بإمكانه إحكام قبضته على السلطة مثلما يفعل تشي جين بينع في الصين.
المصدر : ناشونال إنترست,الجزيرة