نيويورك تايمز: لهذا السبب أصبحت الدول الإسكندنافية عظيمة
تعد الدول الإسكندنافية ضمن أنجح دول العالم نظرا لما تنعم به شعوبها من رفاه ورخاء اقتصادي ومساواة اجتماعية، مما انعكس إيجابا على منسوب السعادة الفردية في تلك الدول، فماالسرخلفالنقلة التيحوّلتها من درك الفقر إلى معالي العظمة؟
الكاتب الصحفي ديفد بروكس حاول الإجابة على هذا السؤال في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز،حيثتناولنهضة الدول الإسكندنافية (السويد والدانمارك والنرويج وفنلندا) وأورد وجهات النظر المختلفة بشأن أسبابها.
يرى بروكس أن محاولات فهم أسباب نهضة الدول الإسكندنافية لم توفق بسبب طغيان الخلفية الفكرية للساعين لتقييم التجربة واستخلاص الدروس منها على نظرتهم للموضوع.
ففي حين يرى التقدميون أن أسباب نهضة تلك الدول تعود إلى الرفاهية التي توفرها لمواطنيها، يرى دعاة التحرر أن ذلك نتيجة للانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة التي يقوم عليها اقتصاد تلك الدول، في حين يشير مناهضو الهجرة إلى أن تلك المجتمعات ظلت متجانسة عرقيا إلى وقت قريب، الأمر الذي ساعد في نهضتها.
ولكن تلك النظريات لا تصمد أمام معطيات الواقع، فالدول الإسكندنافية كانت تتسم بالتجانس العرقي في مطلع القرن الثامن عشر، ورغم ذلك ظلت في فقر مدقع، كما أن نموها الاقتصادي بدأ في العام 1870 بوقت طويل قبل حالة الرخاء التي تعيشها تلك البلدان بكثير.
السر في التعليم
يرى بروكس أن ما قاد إلى ازدهار المجتمعات الإسكندنافية حقا هو نظرتها المختلفة للتعليم، والمنظومة التعليمية الفريدة التي اعتمدت عليها لتخريج أجيال تتحلى بالوطنية والمسؤولية والوعي، إلى جانب العلم.
وقال إن النخبة في تلك البلدان أدركت خلال القرن التاسع عشر أهمية التعليم في نهضة الأمم، كما أدركت أن نهضة تلك البلدان تتطلب إنشاء مدارس شعبية تعنى بالفئات الأقل تعليما وجعل التعليم مدى الحياة جزءًا من النسيج الطبيعي للمجتمع.
وأوضح بروكس أن المقاربة الفردية التي تبناها الإسكندنافيون للتعليم، واختاروا لوصفها كلمة ألمانية شاملة لا يوجد لها مقابل في لغات كثيرة من بينها الإنجليزية، لا تركز على تسليح الطالب بالمعلومات فحسب، وإنما تهتم بالجانب الأخلاقي والعاطفي والفكري والمدني للطالب وتسعى لتهيئته للمساهمة الفعالة في المجتمع وفهم تعقيدات الحياة المعاصرة.
ووفقا لبروكس فإن المنظومة التعليمية في الدول الإسكندنافية تقوم على زرع مجموعة من القيم في نفوس الطلاب على رأسها زرع روح الانتماء للأسرة والوطن والاعتزاز بالهوية في نفوس الطلاب، وتحمل المسؤولية والوعي وإشاعة الثقة بين مكونات المجتمع.
وقد انعكست تلك التربية على سلوك الناس في تلك المجتمعات، فالإسكندنافيون يتمتعون بمستوى عال من الحس بالمسؤولية، كما أن معدل الفساد في تلك الدول هو الأدنى في العالم.
وخلص الكاتبإلى أن المقاربة الفريدة التي انتهجها الإسكندنافيون في التعليم تجعل المرء يدرك الخلل في المنظومات التعليمية في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة التي لا تزرع في الطالب الوعي الذي يحتاجه للنمو في مجتمع تعددي معقد.