احتجاجات العراق تنهي "قطيعة كبيرة" بين جيلي الحروب والشباب
كاد علي لا يصدّق عندما أعلن صديقه فجأة أمام متظاهرين في بغداد خطوبته لفتاة تعرّف عليها خلال الاحتجاجات التي إن عجزت حتى الآن عن إحداث تغيير سياسي كبير، فإنها نجحت في كسر محرمات اجتماعية عدة.
ويرى علي خريبيط (28 عاما) الذي حضر حفل الخطوبة العفوي، أن المتظاهرين سجّلوا "هدفا واحدا" في مرمى السلطة مع استقالة حكومة عادل عبد المهدي، ورغم أنهتمّ تكليف شخصية من النظام نفسه بتشكيل حكومة جديدة، فإنه من الناحية الاجتماعية "حققنا الكثير".
وأحدثت مشاركة النساء إلى جانب الرجال في المظاهرات، وهتاف المحتجين ضد سياسيين بينهم مشايخ دين، صدمة بين العراقيين الذين لم يكن من الممكن أن يتصوّروا ذلك قبل احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وغصّت ساحات الاعتصام خلال الأشهر الماضية بنساء تظاهرن وأسعفن مصابين وكتبن على الجدران ورسمن وشوما على أكتاف وأذرع الشبان، وشاركن في حلقات نقاش وحلقات موسيقية.
وتردّدت عبارات "إلغاء الطبقية" و"إزالة الفوارق" على ألسنة المحتجين وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت صور الشبان والشابات من مختلف الفئات الاجتماعية وهم يسيرون جنبا إلى جنب ويذرفون الدموع معا بعد فقدان زملاء لهم في مواجهات قتل فيها المئات.
ويلخّص أحد مستخدمي تويتر واقع المظاهرات في بغداد بالقول "ساحة التحرير تجعلنا نحلم"،تعليقا على وقوع صديقه سائق عربة التوك التوك في حب مسعفة تنتمي إلى عائلة مرموقة.
غيبوبة العنف
واندلعت المظاهرات احتجاجا على الفساد والبطالة في بلد غني بالنفط ويعاني نحو 20% من سكانه من الفقر بعد عقود من الحروب والاضطرابات.
وبحسب أحمد الحداد (32 عاما)، فإنّ دوامة العنف في البلد أدخلت "الجيل الشاب في غيبوبة لسنوات طويلة، لكن الاستقرار فتح أعينهم على حقيقة أن هناك أكثر من وسيلة للنجاة من الموت، كالعيش بكرامة في مجتمع مدني، وكسر التزمت الاجتماعي، ووقف سطوة الأحزاب الدينية".
وفتحت المظاهرات الأخيرة الباب أمام ما يشبه الانقلاب الاجتماعي، خصوصا في مدن الجنوب.
في الديوانية (200 كلم جنوب بغداد)، لم تتخيّل المرشدة التربوية هيّام شايع طوال أعوامها الخمسين أن تكون قادرة يوما على الاختلاط والتعبير عن رأيها في مدينة قلّما تُشاهد فيها المرأة خارج المنزل.
وتقول شايع وهي تقف بالقرب من متظاهرين مرتدية عباءتها الجنوبية السوداء، "تغيرت قضايا اجتماعية كثيرة بشكل مفاجئ وكبير".
بالنسبة لها، فإن المتظاهرين الذين قتلوا في حملة قمع أودت بحياة 550 شخصا، ضحّوا "من أجل وطن متحضر ومدني".
ولم تأت هذه التغييرات دون مقاومة من سياسيين وحتى مواطنين هاجموا مسألة الاختلاط، واتّهموا المتظاهرين بتعاطي المخدرات وغير ذلك.
نظام المحاصّة
وشجّعت المظاهرات كذلك شخصيات على الدعوة إلى إنهاء نظام المحاصّة، ومن بينهم لاعب كرة القدم السابق عدنان درجال الذي طالب بعدم "اعتماد الطائفية والمناطقية" في اللعبة الأكثر شعبية.
ووفقا لخالد حمزة، وهو مدير مركز أبحاث في بغداد، فإن الاحتجاجات قادت أيضا إلى إنهاء "قطيعة كبيرة" بين جيل قديم عايش الحروب والحصار، وجيل شاب يستعجل التغيير والتقدّم في بلد تبلغ فيه نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة حوالي 60% من 40 مليون نسمة.
ويقول الرجل الستيني "نحن بصدد حراك تلقائي من شريحة من الشباب لم يُتوقع سابقا أن تنهض بهذه المسؤولية لتنجز مهام كانت أجيالنا غير قادرة على إنجازها".
أمّا هبة التي شاركت في مظاهرات البصرة في أقصى الجنوب، فتعتبر أنّ الاحتجاجات نقطة تحوّل اجتماعي.
وتقول الشابة وقد غطت نصف وجهها بوشاح خشية التعرّف عليها وملاحقتها، إن الحركة الاحتجاجية "قوّت شخصيتنا وجعلتنا نميّز بين الصح والخطأ ونطالب بحقوقنا".
ومع تراجع زخم المظاهرات في الأسابيع الأخيرة، يقف المحتجون عند مفترق طرق.
ويرى محمد العجيل أن الوقت الآن هو للعمل على تحقيق "الوحدة تحت مظلّة رؤية جديدة وخطة تستجيب لاحتياجات العراقيين"، وإنْ تطلب ذلك سنوات.
ويضيف "ما يحصل كبير جدا، لكنه في الوقت ذاته جديد علينا. لا يمكن أن نتوقع أن يحدث كل شيء بين ليلة وضحاها".