الكشف عن اكبر شبكة مراقبة لاسرار العالم.. عقيدة اوباما السايبرية
الحديث الذي قدمه الامريكي اداورد سنودين لمراسل صحيفة ‘الغارديان’ غلين غرينوولد من الفندق الذي التجأ اليه في هونغ عن اسباب كشفه عن برنامج ضخم للتجسس على الامريكيين تحت اسم ‘بريزم’ يكشف عن العقيدة السايبرية للرئيس الامريكي باراك اوباما، حيث تجاوزت ادارة ما فعلته ادارة بوش من التنصت على هواتف المواطنين الامريكيين في الايام التي تبعت هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2011.
وقد اكد سنودين في هذه المقابلة على ان اوباما يواصل سياسات سلفه بوش، وفي الوقت الذي عبر عن مخاوفه من ان شيئا لن يتغير نتيجة الكشف عن هذا البرنامج الضخم الذي يعطي الادارة الامريكية القدرة على مراقبة كل شيء، الهاتف، والحساب المصرفي ومراقب الحسابات والقاضي والقاصي والداني حيث قال ان شيئا لن يتغير في المجتمع الامريكي الذي تحاول الادارة الامريكية احكام السيطرة عليه وعلى خصوصياته حتى يملك الناس الشجاعة للمخاطرة واتخاذ الخطوات المناسبة لاجبار ممثليهم في الكونغرس كي يتصرفوا لخدمة المصالح العامة للناس.
وكان سنودين (29) عاما يعمل من في شركة بوزالين هاميلتون المتعاقدة مع وكالة الامن القومي، حيث اشارت صحيفة ‘الغارديان’ ان مدير الامن القومي جيمس كلابر كان موظفا سابقا في الشركة نفسها التي اشرفت على برنامج المراقبة.
جاسوس مختلف
وقالت الصحيفة ان سنودين سيدخل تاريخ الجاسوسية الى جانب برادلي مانينغ الذي كان مصدر تسريبات ويكيليكس ودانيال ايزليبرغ الذي كشف عن وثائق البنتاغون قبل اربعين عاما. وتنبع اهمية سنودين من انه كان مسؤولا عن تسريب ملفات اكثر وكالات الامن والاستخبارات سرية في العالم.
وقالت انه عندما قدم اليها اول مجموعة من الملفات قال انه متأكد من الوكالة ستعاني بسبب فعله ‘لكنني سأكون راضيا لو تم الكشف عن ملفات فدرالية القانون السري والتي تملك القوة التنفيذية التي تحكم العالم الذي احب ولو للحظة واحدة’.
وقالت ان سنودين وان رغب بالكشف عن اسرار وكالة الامن القومي الا انه رغب ان يظل بعيدا عن الاضواء حتى لا يكون التركيز عليه ‘ لا اريد ان تكون القصة عني، اريد ان تكون عما تفعله الولايات المتحدة’، معترفا ان الاعلام عادة ما يميل الى ‘شخصنة النقاش السياسي، ومن قيام الحكومة بشيطنته’، ويرى سنودين ان هدفه الاساسي ليس الشهرة ولكن ‘لتعريف المواطنين بما فعل باسمهم وما يفعل ضدهم’.
وتقول الصحيفة ان سنودين قام قبل ثلاثة اسابيع باخر عمل له قبل ان يقرر الكشف عن المعلومات السرية التي ادت الى فضيحة وضجة عالمية حيث قام من مركز عمله في هاواي حيث يتقاضى اجرا سنويا يصل الى 200 الف دولار سنويا، بنسخ اخر الملفات التي رغب بتسريبها. وقال انه طلب من مشرفه في الوكالة تغيبا عن العمل لعدة اسابيع كي يتعالج من مرض الصرع الذي اكتشف انه يعاني منه العام الماضي بعد سلسلة من النوبات التي حصلت له. واخبر كذلك صديقته مع انه كان غامضا في حديثه. وفي 20 ايار (مايو) ركب الطائرة المتجهة الى هونغ كونغ التي يقول ان لديها التزاما حقيقيا بحرية التعبير’.
وقد رد سنودين عن الاتهامات التي قالت انه يرغب بالانشقاق الى الصين التي تعتبر عدوا لامريكا مؤكدا انه لا يوجد عداء بين البلدين بل تنافس، كما يتعاون السكان بين البلدين في التجارة وشؤون اخرى.
بدأت الحكاية من جنيف
وتظهر قصة حياة سنودين انها عادية كأي امريكي حيث لم يكن معارضا للحكومة او القيم السياسية، فهو المولود في مدينة اليزابيث في نورث كارولينا، حيث انتقلت عائلته لاحقا الى ميرلاند قرب مقر وكالة الامن القومي في ‘فورت ميد’.
وفي عام 2003 انضم للجيش الامريكي للتدرب في صفوف القوات الخاصةـ وكي يذهب للقتال في العراق ‘ اردت القتال في العراق، لانني شعرت بان علي واجب كانسان المساعدة في تحرير الشعب من الاضطهاد’، ولكن شعوره هذا سرعان ما تبخر لان كل من كانوا معه في معسكر التدريب كانوا يريدون الذهاب للعراق ‘لقتل العرب وليس مساعدة اي احد’.
وبعد ذلك حصل على اول وظيفة له كحارس على واحدة من منشآت وكالة الامن القومي في جامعة ميرلاند، ومنها ذهب الى وكالة الاستخبارات الامريكية للعمل في مجال امن المعلومات. وكشخص لم يكن مجتهدا في الدراسة باعترافه، فهو لم ينه امتحانات المدرسة الثانوية لكنه استطاع التقدم وبسرعة في داخل المؤسسة وكل هذا بسبب معرفته بالانترنت وبرامج الكمبيوتر.
وفي عام 2007 ارسلته سي اي ايه الى جنيف، تحت غطاء دبلوماسي، وكان مسؤولا عن شبكة كمبيوتر للتجسس، وكان بامكانه الوصول الى كم هائل من الوثائق السرية. ومن هنا فخبرته هذه وعمله لمدة ثلاثة اعوام في سي اي ايه قادته للتفكير في صواب ما يقوم بعمله. ويصف حادثا اثر فيه عندما حاول عملاء سي اي ايه تجنيد مصرفي سويسري كي يقدم لهم ملفات سرية.
وقال انهم نجحوا عندما جعلوه يشرب الخمر حتى الثمالة. وشجعوه على قيادة السيارة وهو في هذه الحالة، حيث القت الشرطة القبض عليه وعندها جاء العميل الذي تظاهر بانه يريد مساعدته وعرض خدمته وبالتالي نجح في تجنيده.
اوباما قتل الامل
ويقول سنودين ان ما شاهده في جنيف اصابه بخيبة حول الطريقة التي تتصرف فيها الحكومة، ‘وشعرت انني جزء من نظام يسبب الضرر اكثر من النفع′. وفي اثناء عمله بجنيف فكر لاول مرة بفضح ممارسات الحكومة ولكنه لم يفعل لان الاسرار التي كان يملكها هي عن اشخاص وليس عن آلة او نظام حكم. اضافة الى ان انتخاب اوباما عام 2008 اعطاه نوعا من الامل، مع انه لم ينتخبه، مما جعل من فضح المعلومات امرا غير مهم. وبعد تركه العمل في سي اي ايه تعاقد مع شركة ارسلته للعمل في مركز لوكالة الامن القومي في اليابان وهناك راقب اوباما وهو يواصل نفس سياسات سلفه بوش.
وخلال الثلاث سنوات التي عمل فيها مع الشركة راقب نظام الرقابة في وكالة الامن القومي ورغبته في ‘الاستماع لكل محادثة ومعرفة كل تصرف في العالم’. ويصف الانترنت بانه ‘اكبر تدخل في التاريخ الانساني’، ولكنه يعتقد ان قيمة الانترنت والخصوصية الانسانية تعرضت للضرر بسبب الرقابة ‘لا انظر لنفسي كبطل، لان ما افعله هو اهتمام خاص ولانني لا اريد العيش في عالم لا خصوصية فيه ولا مكان فيه للاستكشاف والابداع الفكري’.
ولم ينتظر طويلا حتى اكتشف ان ما تفعله وكالة الامن القومي يمثل ‘تهديدا وجوديا على الديمقراطية’. وتتساءل الصحيفة عن السبب الذي دعاه كي يكشف عن المعلومات، فقد كان بامكانه بيعها لاعداء امريكا مثل روسيا التي لا تمانع بالحصول على هذه المعلومات لكن ما دفعه هو المبدأ حيث يرى ان الحكومة الامريكية اعطت لنفسها سلطة لا تستحقها.
يهمه حقوق الانسان
ووصفت الصحيفة في افتتاحيتها سنودين بالجاسوس المعاصر الذي لا يشبه الجواسيس الذين نعرفهم ممن يحملون المسدسات ولا الشرير الذي يراقب بهدوء لانه جاسوس مهتم بحقوق الانسان، وكل ما يملكه هو كمبيوتر ومكتب يجلس عليه يتجسس على من يريد وفي اي مكان، وهناك الكثيرون من امثاله وهم مخيفون ‘لدي السلطة لمراقبة اي شخص، انت، القاضي الفدرالي وحتى الرئيس ان كان بحوزتي بريده الالكتروني’.
وتقول ان سنودين وصف بنية ‘مثيرة للرعب’ حيث كان بامكانه وزملائه التنصت على اي مكالمة او اتصال يقوم به اي شخص حول العالم.
والان خرج سنودين من الظل وكشف عن نفسه واعترف انه مصدر المعلومات التي نشرتها الصحيفة خلال الايام الماضية.
وتتساءل الصحيفة عما سيحدث لسنودين وقد خرق القانون وكشف عن نفسه كجاسوس يختلف عن الاخرين. فالحكومة الامريكية لن تسكت عليه وستلاحقه لابعد مكان في الارض مع انه يقيم في هونغ كونغ الان.
وفي الوقت نفسه اصطف المسؤولون والنواب يطالبون بالانتقام منه والتحقيق ايضا، مع ان لا حاجة للتحقيق لان المصدر اعترف وكشف عن نفسه. وما يجعل موقف سنودين مختلفا عن مصير برادلي الذي قضى الف يوم في السجن ومعظمها في زنزانة انفرادية ان الادارة لا تستطيع في حالة سنودين اعتقاله بسهولة او ترحيله قسريا او وضعه في الحجز الانفرادي لكن هذا لا يعني وقف الجهود الدبلوماسية والقانونية لترحيله الى الولايات المتحدة.
وتعتقد ‘الغارديان’ ان المقارنة بين سنودين وايزلبيرغ الذي كشف عن نفسه كمسرب وثائق البنتاغون قبل اربعين عاما حيث رفضت المحكمة القضية على خلفية سوء تصرف الحكومة. وتقول ان الكونغرس والحكومة الامريكية يجب ان تكون مهتمة بما سيقوله سنودين الذي قالت انه ليس لصا لكنه رافضا ذو ضمير.
عقيدة اوباما الجديدة
وعلى الرغم من الجدل الذي اثاره سنودين في امريكا الا ان التعامل مع المعلومات لم يثر اهتماما كبيرا في العالم.
وتقول صحيفة ‘واشنطن بوست’ ان الاهتمام الاجنبي بالقضية جاء من زاوية قيام اجهزة التجسس الامريكية الحصول على حسابات الاجانب الذين يستخدمون خدمات الانترنت الامريكية ووسائل التواصل الاجتماعي في امريكا. ويقول ماكس فيشر كاتب التقرير ان اخبارا كهذه عادة ما تثير الاهتمام لكن هناك نوعا من الصمت غير العادي حول ما كشفه سنودين.
وقد يكون هذا الموقف معقدا لان القضية محلية امريكية ولها علاقة بحساسية الامريكيين لانتهاك الحرية الشخصية من الحكومة وهو ما يفسر لامبالاة الاعلام الاجنبي منها. وباستثناء بريطانيا وكندا اللتين لاحقتا القصة بتفاصيلها اما الدول الاخرى الغربية لم تعط ذلك الاهتمام الكبير لها من ضمن القضايا التي غطتها. ففي الشرق الاوسط ركزت الصحف على اخبار التظاهرات في تركيا والحرب الاهلية في سورية. ويقول فيشر انه عندما انتبهت الصحافة للقصة كان للتعبير عن مخاوف حصول وكالة الامن القومي على معلومات المشتركين الشخصية في كل من غوغل وفيسبوك التي تعتبر جزءا من برنامج ‘بريزم’ وهو ما ركزت عليه صحف فرنسية وهولندية.
ولاحظ التقرير قلة اهتمام بالخبر في الاعلام الروسي والايراني الذي يجد متعة في عرض هذه القضاياـ ففي ايران جاء التركيز عليها ليس من خلال المؤسسات الاعلامية الرسمية ولكن من خلال ‘بي بي سي’ الناطقة بالفارسية.
ويعتقد فيشر في مقال اخر له ان التقارير التي كشفت عنها ‘الغارديان’ والتي تحدثت عن قيام الرئيس اوباما بالطلب من كبار المسؤولين في وكالة الامن القومي بتجهيز قائمة للاهداف السايبرية الخارجية كي تهاجمها الولايات المتحدة. وتقدم القائمة نظرة نادرة عن خطط الرئيس اوباما وامكانية استخدامها وعدم استخدامها. وتظهر التقارير ادارة اوباما كطرف مستعد للهجوم على اهداف اجنبية في عمليات وقائية ضد تهديدات محتملة على امريكا. فبحسب الخطط فالهجوم على دول اجنبية بدون موافقة منها مسموح به خاصة عندما تتعرض فيها ‘مصالحها ومبادئها’ للتهديد.
وكشفت تقارير ‘الغارديان’ عن هجمات وقدرات سايبرية للولايات المتحدة- الجيش والحكومة والتي يمكن شنها بالتزامن مع ادوات اخرى لحماية البلاد من الخطر المفترض او الحقيقي.
حماية الحلفاء
ويرتبط بهذا الجدل حقيقة قيام الولايات المتحدة بدعم قدرات حلفائها السايبرية لمواجهة الهاكرز الايرانيين. فقد اوردت صحيفة ‘نيويورك تايمز′ ان ادارة اوباما بدأت جهودا لبناء دفاعات دول شرق اوسطية من اجل مواجهة الترسانة الايرانية المتقدمة في مجال الانترنت او الحروب السايبرية، فيما ستوسعها الى الدول الاسيوية لمحاولة احتواء الهجمات القادمة من كوريا الشمالية.
ومع ان المسؤولين الامريكيين لم يكشفوا عن اسماء دول الخليج التي طلبت مساعدة من الولايات المتحدة الا انهم قالوا انها تشمل الدول التي تنشط في اعتراض شحنات الاسلحة الايرانية المارة عبر موانئها والتي وفرت معلومات استخباراتية عن الافعال الايرانية، والدول الاكثر نشاطا في هذا الاتجاه ثلاث هي الامارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية. اما في جنوب شرق آسيا فالدول الناشطة ضد كوريا الشمالية فهي الجارة الجنوبية واليابان.
وتقول الصحيفة ان الجهود هذه في منطقة الخليج تشبه ما قامت به ادارة اوباما بنصب نظام صاروخي دفاعي للانذار المبكر في منطقة الخليج لمواجهة الخطر الايراني، ونظام اخر في آسيا للرد على الخطر الكوري الشمالي.
وفي الوقت الذي تجري فيه البنتاغون مناورات عسكرية لحماية مضيق هرمز فستنظم مناورات سايبرية والعاب كمبيوترية.
(القدس العربي)