قصص الألم والأمل.. الأردنية غادة الحلو هزمت السرطان بالطب البديل
نحن لا نكتب أقدارنا، ولكن ربما نستطيع أن نصنع قصصا في حياتنا، في خضم الحياة ومعتركها قد يطرق أبوابنا زائر ثقيل لا نستطيع صده، لكننا نتكيف مع قدومه، فالحياة مليئة بالمنعطفات الجميلة أحيانا والقاسية أحيانا أخرى.
بين أيدينا قصة تحد كتبت فصولها الدكتورة الأردنية غادة الحلو التي أصيبت بالسرطان لكنها صبرت وتحملت وتحدت حتى كتب الله تعالى لها الشفاء.
الجزيرة نت التقت الدكتورة غادة في محل إقامتها في العاصمة الماليزية كوالالمبور لتحدثنا عن قصتها مع مرض السرطان وكيف تمكنت من التغلب عليه.
قصة تحد
بدأت قصتها مع المرض مع بداية شهر رمضان 1436هجري الموافق عام2015، كان مجرد ورم صغير في الجهة اليسرى من الرقبة، وصف الطبيب مضادات حيوية بسيطة ثم قوية، لكن الأمر تضاعف، وضاق مجرى التنفس، ثم تم تحويلها للمستشفى.
وهناك تبين أن الورمسرطان في الجهاز اللمفاوي، لكن لم يتم اكتشاف نوع السرطانبعد أخذ الخزعة، كان لا بد من اللجوء إلى عملية في الرقبة لاستئصال جزء من الورم وعمل زراعة لمعرفة نوعه، لكنها ترددت بسبب مضاعفات العملية، إذ قد تسبب التواء في الفم.
وتقول عن هذه المرحلة "كنت قد بدأت بحثي عن مرض السرطانحتى أفهم وضعي، للسير بوعي، فقررت رفض العملية بإعطاء نفسي وقتا لاختيار طريقي عن فهم ووعي وقناعة".
وعن شعورها حين تلقت خبر مرضها، تقول إنها كانت مفاجأة صاعقة "إذ إن السرطان معناه بالمفهوم اللاوعي الضيق معاناة حتى الموت".
الضغوط النفسية
في البداية عاشت أياما مريرة بين البحث المستمر عن حقيقة المرض، لدرجة الإعياء من المفاجآت، والتناقضات والمغالطات، وبين الضغوط النفسية ممن حولها لعدم تفهمهم حالتها ووضعها الصحي.
تفاعل معها الجميع عاطفيا بالدرجة الأولى خوفا وشفقة عليها، أما الأطفال فكانوا صغارا ولم يدركوا الحقيقة في البداية، لكن "ظرف المرض عمل حاجزا مقيتا بيني وبينهم، فلم أكن قادرة على فهم ردة فعلهم، لكن بعد مرور سنتين كان أولادي قد وعوا وفهموا حجم المعاناة، فأصبحوا عونا ماديا ونفسيا وعاطفيا كبيرا لي".
ربما تكون هذه من الفرص القليلة التي يتحدث فيها مريض بالسرطان عن مرضه ومشاعره، لذا طرحنا أسئلة تفصيلية للتعرف على رحلتها في العلاج، ويبدو أن طبيعة دراستها حيث تحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية انعكست على رحلتها مع المرض بحثا مكثفا وتقصيا دقيقا لمعرفة ماهية الطب الكيميائي والطب البديل الطبيعي، من حيث الأعراض وطريقة العلاج والنتائج، والفرق بينهما.
العنيدة والمجنونة
وتقول إنه بعد الموازنة "اخترت الطب البديل (الطبيعي) وتعالجت به، فهو منهج متكامل شامل، يعالج كل مكونات الإنسان الفكرية والروحية والنفسية والجسدية والاجتماعية، وها أنا بحمد الله متعافية من المرض بل متعافية من كل ما كان سابقا عندي من أمراض مثل قرحة المعدة وقصور الغدة الدرقية، وتعهدت أن أحافظ على الأمانة (صحتي) التي أعطانيها ربي بمنهج صحيح سليم على الأقل بالنسبة لقناعاتي المبرهنة".
كان للمرض بلا شك أثر كبير على حالتها النفسية فقد"أنهكني المرض نفسيا على المستوى الشخصي، إذ المرض حقا كما سماه القران الكريم (ضرّ) لأنه يؤثر في كل مكونات الجسم فيعيش الإنسان صراعا بين ضعف الجسد والنفسية وقوة القصد والإرادة".
وحتى على المستوى العائلي "أنهكني نفسيا، إذ إن وقوفي ضد التيار في اختيار العلاج الطبيعي أدى إلى أن عشتُ صراعا نفسيا متعبا".
وعن تأثير المرض على دورها كأم فقد مرت بها لحظات شعرت فيها أنها عاجزة عن تربية أولادها حتى عاطفيا "فكنت مشفقة على أولادي، وخصوصا أنهم على أعتاب البلوغ، وفي ذات الوقت كنت مشفقة على والديّ فلم أخبرهما بمرضي".
وعن أهم الصعوبات التي تعرضت لها خلال فترة المرض، كان وقوفها ضد التيار على المستوى العائلي "فعيرتُ بالعنيدة، وعلى المستوى الطبي فعُيرتُ بالمجنونة".
أما الأمور التي زادت من ثقتها بنفسها لمواجهة المرض، فتقول "تيقنتُ بعظمة ربي المربي، وزادت ثقتي به أولا واخيرا، فتعمقت بأسمائه وصفاته، وأكثر ما أثر فيّ اسمه الصمد العظيم في كل شيء، فتعلمت من تجربتي ألا أثق بقدرة أحد بل فقط بربي".
تتحدث عن لحظات يأس مرت بها خلال فترة المرض، كان سببها الرئيسي التأثر بمن حولها "ولقد قاومت هذه اللحظات مرارا باللجوء إلى الله، فأرمي حملي على الله، وأُحيلحولي وقوتي إلى حول ربي وقوته".
رحلة العلاج
أما رحلة العلاج، فقد سافرت لمصحة في أوروبا تتعامل بالمنهج البديل (الطبيعي) وتعلمت هناك المنهج تنظيرا وتطبيقا بكل تفاصيله، ثم عادت واكملت التجربة وحدها.
اتبعتنظاما بديلا (طبيعيا) تحت اسم (غيرسون ثيربي Gerson therapy) نسبة للطبيب غيرسون الذي اكتشف النظام، وهو قائم على ركنيين، الأول رفع نسبة العناصر والفيتامينات الناقصة بالجسم، والثاني طرد كمية السمية بالجسم. استمرت تجربتهاأربع سنوات، وكان البرنامج المخطط أن يتم الشفاء بعد سنتين.
خلال رحلة العلاج قامت د. غادة بتأليف كتاب (تحت الطبع حاليا) بعنوان "مرض السرطان بين الحقيقة والوهم" من خلال تجربتها الشخصية، وجعلته سهلا بسيطا في متناول الجميع.
وكان دافعها في الكتابة هو نشر الوعي حول هذا المرض بالدرجة الأولى، إذ يقدم تجربة حقيقية بمنهجية بحثية علمية، يتبين منها مفهوم المرض، وأعراضه وأسبابه، ويشرح منهج العلاج البديل (الطبيعي) وطبيعته من خلال التجربة والتطبيق.
كمايوضح الفرق بين العلاج (الكيميائي) والعلاج البديل (الطبيعي) وقد تمت الإشارة لنتائج البحث، مدعومة بالأدلة العملية من خلال الفحوصات التي كانت تجريها. وفي نهاية الكتاب قدمت التوصيات ليتشكل للقارئ منهجواضح في مواجهة المرض.
وتختم د. غادة حديثها للجزيرة نت بقولها "تعلمت من فترة المرض أن أؤمن باختياري ما دام عن إدراك وفهم وقناعة، وأعدتُ فيها ترتيب أولوياتي بطريقة صحيحة، وقررت أن أتخلص من كل ما يبعث السلبية والفوضى في حياتي للسير في الطريق الصحيح الذي أراده الله مني".