لنحارب الجيل الجديد من الأوبئة.. هل يغير كورونا أسلوب حياتنا؟
جو 24 :
تعرض أجانتس سيملفيس في القرن التاسع عشر، للنبذ وتعرضت سمعته للتشويه حين حاول إجبار الأطباء على غسل أيديهم بعد إجراء عمليات تشريح لجثث النساء اللاتي توفين جراء حمى النفاس قبل التوجه إلى الطابق العلوي لتوليد مزيد من الأطفال.
وقال الكاتب مات ريدلي في تقرير نشرته صحيفة التلغراف البريطانية، إن العلم قطع شوطا هائلا منذ ذلك الحين في الصحة العامة، لكن لا يزال بوسعنا القيام بالمزيد.
وحاليا ينبغي أن يجعلنا فيروس كورونا "كوفيد ـ 19" نغير الطريقة التي نعيش بها، سواء أدى هذا الفيروس لوفاة الملايين أم لا.
وتشير سرعة تأثر أسواق البورصة العالمية وقطاع السياحة والرياضة الدولية والتجارة العالمية، حتى قبل حدوث هذا الوباء، إلى أن المجتمع العالمي، على الرغم من الاكتشافات والمعرفة الواسعة في مجال الطب، معرض للخطر.
تغيير ثقافتنا وطريقة عيشنا
إذا كان الدرس الذي تعلمناه هو أنه ينبغي اللجوء للاستبداد في التعامل مع هذا المرض، فذلك خطأ، إذ بوسعنا تغيير ثقافتنا وطريقة عيشنا دون وجود سلطة عليا تحدد أفعالنا.
ورغم إمكانية تلاشي فيروس كورونا، فإن الأمر قد لا يحدث بعد انتشاره في إيطاليا وإيران وغيرهما.
وهذا الفيروس يؤدي بشكل أساسي إلى وفاة كبار السن، وقد لا يكون معدل الوفيات والإصابة به أعلى مقارنة بالإنفلونزا في نهاية المطاف، ولكن هذا أمر غير مطمئن.
وفي الحقيقة تتسبب الإنفلونزا بوفاة الآلاف كل عام. ومع ذلك، نتعامل مع عدوى الجهاز التنفسي على أنه خطر لا يمكن تجنبه، مثلما كان يعتقد أسلافنا حول مرض السل أو الجدري. والأمر ليس كذلك، إذ بإمكاننا القيام بالكثير لوقف انتشار هذه الفيروسات.
أسلوب الصين في السيطرة على كورونا
يبدو أن الصين تمكنت من السيطرة على فيروس كورونا باتباع إجراءات صارمة ومشددة، بما في ذلك استخدام طائرات دون طيار للصراخ على الناس في الشوارع، والقيام بحملات عزل واسعة، فضلا عن فرض حظر كامل على السفر.
واكتسبت طرق تعامل الصين مع هذا الفيروس إعجاب محبي النزعة الاستبدادية. وحيال هذا الشأن، أعلنت منظمة الصحة العالمية خلال هذا الأسبوع، "تقدم الإجراءات الصارمة التي تتبعها الصين لاحتواء فيروس كورونا، والمتمثلة باتباع التدابير غير الدوائية في بيئات عديدة، دروسا بالغة الأهمية للاستجابة العالمية".
ومع ذلك، يجب اتخاذ تدابير للسيطرة على العديد من السلبيات أيضا، حيث يسمح الافتقار إلى وجود تحد من جانب المجتمع المدني لعدم بيع الحيوانات الحية البرية في الأسواق الصينية، وهو ما من شأنه أن يوفر وسيلة للفيروسات الجديدة للانتقال إلى البشر.
لن ينجح استعمال العنف في مجال الصحة العامة في مواجهة التحديات القانونية والسياسية في الصين، ويمكن أن يفضي إلى نتائج عكسية. ولا ينبغي أن يكون الأمر ضروريا على أي حال، حيث إن المجتمع يتفاعل مع ما يحدث، فقد تم إلغاء المؤتمرات والمباريات والقيام بالعزل الذاتي الطوعي.
تغيير عاداتنا للقضاء على الأمراض
أعرب الكاتب عن أمله في أن تسهم الأحداث بتحول ثقافي لتغيير عاداتنا للقضاء لا على الأمراض المميتة فحسب، بل أيضا على الأمراض غير الضارة مثل الزكام في المستقبل.
ومن الفظيع أن نتعامل مع الفيروسات كأنه قضاء مقدر من الله ينبغي التعامل معه بالصبر، ونسخر من أولئك الذين يظلون في المنزل.
وبين الكاتب أنه من الجنون إرسال أطفالنا وهم مرضى إلى دور الحضانة حيث يزيدون من انتشار العدوى. ومن الغباء أن يصر الكثيرون على الاعتقاد بأنك مصاب بزكام، لأنك "مرهق" كما لو أن لويس باستور لم يعش قط وأن نظرية جرثومية المرض ما زالت مطروحة للنقاش.
ومن السخف أن يذهب الأشخاص المصابون بالزكام إلى الحفلات، ولا يصافحون الموجودين فحسب، بل يميلون إلى تقبيل الغرباء أيضا حتى في اللقاء الأول معهم.
وذكر الكاتب أنه منذ بضعة أسابيع، أصيب بزكام، مما اضطره إلى تأجيل رحلته المقررة إلى لندن، ورفض مصافحة أي شخص لمدة عشرة أيام.
كان الأمر صعبا عليه، إذ ظل الأشخاص يقولون له أشياء من قبيل "أنا لا أصاب بالزكام لأنني أتناول الفيتامينات"، أو "لقد سبق وأن أُصبت بالزكام"، في الوقت الذي توجد فيه مئتا نوع من الفيروسات التي تسبب الزكام، وغالبا تكون المناعة ضد هذه الأمراض مؤقتة.
واقترح أن يصبح ارتداء الأقنعة عند الإصابة بالزكام أو الإنفلونزا القاعدة الأساسية التي ينبغي اتباعها مثلما هي الحال في اليابان.
هذا الوباء وسيلة لتغيير عاداتنا
شدد الكاتب على ضرورة جعل هذا المرض "كورونا"، ومهما كان سيئا، وسيلة لتغيير عاداتنا ليس بشكل مؤقت فحسب، ولكن بشكل دائم.
وفي ظل وجود 7.7 مليارات شخص يعيشون على هذا الكوكب، يعتبر هذا العدد الهائل هدفا مغريا للفيروسات الجديدة.
ورغم السيطرة على العديد من الوسائل التي تسمح بانتشار هذه الفيروسات، والخبرة الجيدة في صنع اللقاحات، فإننا ما زلنا عرضة للكثير من الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي، والتي يمكن أن تؤدي إلى وفاة الكثيرين من حين لآخر وتكون مصدرا لإزعاج دائم.
ويختم الكاتب بأننا لا نحتاج إلى سلطة عليا لفرض التغيير الثقافي علينا، بل من الأفضل لنا أن نقوم بذلك طواعية.
المصدر : الصحافة البريطانية