jo24_banner
jo24_banner

المقدسية نورة أبو خضير.. كيف حولها السرطان لرائدة في العمل الخيري؟

المقدسية نورة أبو خضير.. كيف حولها السرطان لرائدة في العمل الخيري؟
جو 24 :

بسمُّو وشجاعة، تكمل الشابة المقدسية نورة أبو خضير طريقها الذي بدأته قبل خمسة أعوام غير آبهة بالأشواك والعثرات التي أعاقت -وما زالت- مشوار عملها الإنساني التطوعي.

كالصاعقة، نزل على قلبها خبر إصابة طفلها آدم (خمسة أعوام) بسرطان الدم (اللوكيميا) بمجرد دخولها وزوجها الطابق الخامس في مستشفى هداسا عين كارم (غربي القدس)، مطلع عام 2015، برفقة الطبيبة المسؤولة عن حالة آدم والاختصاصية الاجتماعية.

نبشت نورة ذاكرتها لسرد تفاصيل ذلك اليوم للجزيرة نت، وقالت إن الطبيبة كانت تتحدث إلى زوجها باللغة العبرية، وهو في حالة توتر شديدة، وكانت بين الفينة والأخرى تقاطعهما وتطلب أن تفهم باللغة العربية ما يدور بينهما، وبعد إلحاح منها التفت زوجها، وقال: آدم مصاب بسرطان الدم.

لم تتمالك الأم أعصابها، ودخلت في نوبة بكاء عميقة وعويل، فما كان من الاختصاصية الاجتماعية إلا أن سحبتها وهي تصرخ في الطبيبة قائلة "خذوا دمي وأعطوني دمه ليشفى".

 آدم نجيب نجل نورة يشارك في فعالية لمرضى السرطان في جمعية والدته التي أنشأتها بعد إصابته بالمرض(الجزيرة)
آدم نجيب نجل نورة يشارك في فعالية لمرضى السرطان في جمعية والدته التي أنشأتها بعد إصابته بالمرض(الجزيرة)

لم يكن الأمر بتلك البساطة كما اعتقدت الأم، التي كانت تبلغ من العمر حينها 28 عاما، ووجدت نفسها مضطرة لمواجهة المرض والتعايش معه في المستشفى لمدة ستة أشهر مكثتها مع آدم لتلقي العلاج الكيميائي.

موقف واحد حصل بالصدفة معها قلب حياتها رأسا على عقب، وكان ذلك خلال عيد الفصح اليهودي، حيث تتوافد الجمعيات اليهودية التطوعية المختلفة للعب مع الأطفال المرضى وتوزيع الهدايا عليهم، وفي اللحظة التي دخل فيها أفراد الجمعية غرفة آدم، كانت والدته في دورة المياه المجاورة للغرفة.

شرارة الانطلاقة
دخل المتطوعون اليهود فلعبوا معه وأعطوه لعبة، وفي اللحظة التي دخلت فيها الأم المحجبة، استعاد المتطوعون اللعبة من آدم وغادروا الغرفة.

"صُعقت من عنصريتهم حينها. ذلك لا ينطبق على جمعيات يهودية أخرى لا تفرق بين مريض سرطان عربي ويهودي. لم يكن سهلا عليّ تقبل الموقف وانطلقت فورا في مشروع تطوعي للأطفال العرب في المستشفى".

 نورة أبو خضير (يسار) خلال فعالية للأطفال مرضى السرطان (الجزيرة)
نورة أبو خضير(يسار)خلال فعالية للأطفال مرضى السرطان(الجزيرة)

استوردت نورة أزياء لشخصيات "ديزني"، وأنشأت صفحة على فيسبوك لجمع تبرعات لشراء هدايا للأطفال المرضى، وكانت باكورة فعالياتها خلال رمضان؛ "أتى معنا مسحراتي أيقظ الأطفال على إيقاع الطبل وحنجرته التي صدحت بالعبارات المعروفة، وكانت بانتظار الأطفال فعاليات مختلفة مع شخصيات ديزني، ووزعنا هدايا على الجميع".

هذه الانطلاقة حفّزت الأم المقدسية لإكمال طريقها بمبادرة فردية إلى أن انتهى علاج طفلها بالمستشفى وخرجت منه، وفكرت في ضرورة إنشاء مقر وتأسيس جمعية غير ربحية أطلقت عليها اسم "جمعية نبض الحياة لمرضى السرطان والأيتام".

في مقر الجمعية ببلدة شعفاط في القدس، شرحت نورة باسترسال مسيرة ابنها العلاجية ومسيرة جمعيتها التي تستقبل بها مرضى السرطان وأمهاتهم والأيتام وذويهم وتنظم لهم الفعاليات المجانية المختلفة.

بالإضافة إلى ورشات عمل توعوية حول مرض السرطان وأعراضه وكيفية تقبله، ومحاضرات مع اختصاصية للتغذية، وجلسات حجامة، وتنظيف بشرة ومساج مع خبيرة تجميل، كل هذا يقدم للأمهات دون مقابل مادي، أما الأطفال فيستمتعون بفعاليات ترفيهية مختلفة في بيئة معقمة لا تشكل خطرا على مناعتهم الضعيفة أثناء تلقي العلاج.

 طفلة تبرعت بشعرها لصالح مريضات السرطان بمبادرة من نورة أبو خضير(الجزيرة)
طفلة تبرعت بشعرها لصالح مريضات السرطان بمبادرة من نورة أبو خضير(الجزيرة)

لم تكن نورة تعلم أن تخصص الخدمة الاجتماعية الذي درسته على مقاعد الجامعة سيكون له الأثر الكبير في إكمال مسيرة قررت الانطلاق بها مع إصابة طفلها بالمرض، ورغم شفاء آدم واقتصار زياراته للمستشفى على المتابعة الروتينية، فإن والدته تأبى مغادرة أروقة أقسام الأطفال، وتحرص على تنظيم الفعاليات الميدانية فيها رغم وجود مقر للجمعية.

تجارب قاسية
تقول نورة للجزيرة نت إن هذه التجربة القاسية حولتها إلى امرأة أكثر جرأة ومثابرة، لا تتوانى في التردد على مختلف المؤسسات والأشخاص لجمع تبرعات لصالح الأيتام ومرضى السرطان، حتى إن قابلوها بالرفض، ولا تشعر بالخجل من معاودة طلب التبرعات منهم لشعورها بأن مسؤوليتها تجاه هذه الفئات لا تتوقف عند أي عائق بشري.

وقبل وصول آدم وشقيقه أنس من المدرسة، بدت الأم متماسكة ومفعمة بالحيوية في الحديث عن سرائها وضرائها، وتفاصيل أحدث فعالية نظمتها في الجمعية لصالح مرضى السرطان، التي تخللها تبرع بالشعر وورشات توعوية وفعاليات ترفيهية وموسيقية وثقافية.

 ضفائرتم التبرع بها لصالح مريضات السرطان(الجزيرة)
ضفائرتم التبرع بها لصالح مريضات السرطان(الجزيرة)

وبوصول الولدين، انتعشت الأم أكثر وطرحت عليهما الكثير من الأسئلة لتحفيز آدم على التفاعل. ورغم ردوده المقتضبة قال إن "الأطفال في قسم السرطان بالمستشفى الآن محظوظون أكثر مني لأن أمي تسعدهم وتسليهم أكثر بالفعاليات والهدايا، وتوفر لمرضى غزة والضفة الغربية ومرافقيهم ما ينقصهم من احتياجات".

وعن أبرز أمنياته يقول "أن يشفي الله كل مرضى السرطان". في الأثناء، يتدخل شقيقه أنس (ستة أعوام) فيقول "أنا أتبرع من مصروفي الشخصي في صندوق الزكاة بالمسجد الأقصى، وأقول في كل مرة اللهم اشف آدم شفاء لا يغادر سقما".

يبتسم ثلاثتهم بينما يتنقل شقيقهم الأصغر سراج بينهم غير مدرك لما يدور حوله من حديث، لكنه سيواظب -مثل شقيقيه- قريبا على التبرع بنصف مصروفه اليومي لمرضى السرطان والأيتام، كما عودتهم والدتهم نورة، التي غيّر مرض السرطان مسيرة حياتها إلى الأبد.

المصدر : الجزيرة

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير