حرب الأسعار بين السعودية وكبار منتجي النفط.. 20 سؤالا وجوابا
جو 24 :
1- ماذا تعني حرب أسعار النفط؟
حرب الأسعار لأي سلعة هي عرضها بأقل من أسعارها الحقيقية التي يعرب عنها ميزان العرض والطلب بالسوق، بهدف تحقيق أضرار بأحد المنتجين المؤثرين في السوق، من أجل حمله على إجراء اقتصادي أو سياسي معين، وعادة ما تكون في سلع إستراتيجية ومؤثرة، سواء بالنسبة للسوق أو المنتج الذي يراد التأثير في قراره، وتعرف هذه القضية في الأدبيات الاقتصادية بالإغراق، أو سياسة إفقار الجار، حيث لا يجد من توجه ضده هذه الحرب سوى الاستسلام لما يراد منه وإلا تكبد خسائر فادحة.
2- هل سبقتها حرب أخرى؟
انخفاض قيمة العملة الصينية أوضح مثال لحرب الأسعار، حيث تحرص بكين على عدم الاستجابة لأميركا والاتحاد الأوروبي برفع قيمة عملتها، لأن استمرار خفض قيمة العملة الصينية يؤدي إلى زيادة صادراتها.
وهو ما أدى إلى لجوء أميركا إلى ما يعرف بالتخلي عن سياسة الدولار القوي على مدار الفترة من 2000-2010، ونفس الشيء تمارسه أوروبا وأميركا من دعمهما لقطاع الزراعة، وطرح منتجاتهما في السوق الدولية بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، وترفضان مناقشة هذا الملف بمنظمة التجارة العالمية منذ نشأتها.
3- من يخوض هذه الحرب؟
بدأت السعودية حرب الأسعار بسوق النفط، بعد نحو أربع سنوات من التنسيق بين "أوبك" والمنتجين من خارجها وبخاصة روسيا، للوصول إلى سعر مرض للمنتجين، ولكن بعد أن رفضت الأخيرة طلب "أوبك" بالاستمرار في خفض الإنتاج، أعلنت الرياض طرح إنتاجها النفطي بالسوق الدولية عند سعر 33 دولارا للبرميل، بتخفيض نسبته 30%.
والظاهر أن المعركة بين الرياض وموسكو، ولكن الأمر يتعلق بلاعبين كبار في سوق النفط، السعودية ليست من بينهم، ولكنها أداة في أيديهم، وأميركا هي اللاعب الرئيس في سوق النفط.
4- لماذا..؟
الظاهر في هذه الحرب وجهتها اقتصادية، في حين هناك أمور أخرى لم يعلن عنها، على رأسها تصاعد الدور الروسي بمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك عدم تأثير العقوبات الاقتصادية -التي فرضتها أميركا والاتحاد الأوروبي على موسكو منذ عام 2014- بشكل كبير، يمكن معه ترويض الدب الروسي وفق أجندة أميركا، سواء في محيط روسيا الإقليمي، أو في إطار المشروع التوسعي لموسكو بالشرق الأوسط، وبخاصة أن أميركا اعتمدت -في ظل رئاسة ترامب- إدارة منطقة الشرق الأوسط عبر وكلائها، وعدم التضحية بأية خسائر بشرية أو مادية.
5- أين ستتجه الأسعار؟
بوصلة أسعار النفط في يد المستهلكين منذ إنشاء منظمة الطاقة الدولية، ولأميركا اليد الطولى في تحديد أسعار النفط بالسوق الدولية، فهي التي توجد المناخ الذي يبرر خريطتها للأسعار، وفي ضوء تراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي، لأسباب كثيرة من بينها أزمة "كورونا" يتوقع أن تستمر أسعار النفط بالسوق الدولية في مساحة ما بين 35 إلى أربعين دولارا للبرميل. فهناك شركات متعدية الجنسيات هي المستثمر الرئيس في سوق النفط، ولها مصالح، ولن تسمح بأن تكون أسعار النفط عند مستويات تتسبب في خسارتها.
6- من الرابحون؟
الرابحون هم المضاربون، وبخاصة أولئك الذين لديهم قدرات تخزينية عالية، حيث ستتيح لهم فرصة للاستحواذ على كميات كبيرة، عند الأسعار المتدنية، ومع أقرب صعود في سوق النفط، سوف يجنون أرباحا كبيرة، وبخاصة أن معدل انخفاض الأسعار كبير، وإمكانية تحريك الأسعار للأفضل عن أسعار 9 مارس/ آذار 2020، واردة وبنسبة كبيرة، وبخاصة أن مناشدات من دول كبرى بدأت في توجيه رسائلها للسعودية، بضرورة التنسيق فيما يخص الأسعار، حتى لا تتضرر اقتصاديات دول أخرى، وهو ما نشرته رويترز مؤخرًا على لسان وزير المالية الفرنسي برونو لو مير.
7- .. والخاسرون؟
الخاسرون هم الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وبخاصة تلك التي تعتمد على النفط كمورد وحيد لاقتصادها، وينطبق ذلك على الدول العربية المنتجة حيث يعني هبوط أسعار النفط إلى 33 دولارا للبرميل مزيدا من العجز في ميزانياتها، وكذلك زيادة دينها العام، ولجؤوها إلى الخارج للاستدانة بمعدلات أعلى عما هو مخطط له، فضلا عن خلل هياكلها الاقتصادية، من عجز بميزان المدفوعات، وتراجع الاستثمارات والصادرات، وبخاصة تلك الدول التي يمثل فيها النفط المكون الرئيس للصادرات، كما هو الحال بدول الخليج، والدول النفطية العربية الأخرى.
8- كلفة إنتاج البرميل بالسعودية وروسيا؟
تشير التقديرات إلى أن تكلفة إنتاج برميل النفط في السعودية حوالي عشرة دولارات تقريبا، وفي روسيا تزيد على 17 دولارا، وهو ما يعني أن الأسعار المتدنية عند 33 دولارا لازالت تغطي التكلفة بشقيها (الاستثماري + التشغيلي) وتزيد، ولكن الأمور لا تقف عن هذا الحد، فهناك اقتصاديات أخرى تعتمد على عوائد النفط، والتفريط بهذه العوائد يصيب الاقتصاديات بالشلل، وإن كان هذا البند في صالح السعودية، فقد لا تنجرف روسيا إلى مواصلة الحرب لنهايتها، فثروتها في الغاز أكثر من النفط.
9- من يستسلم أولا الرياض أم موسكو؟
تستطيع روسيا التعايش مع هذه الحرب في الأجل المتوسط، بعد خبراتها في التعامل مع العقوبات الاقتصادية، كما أن لديها أوراق ضغط تتمثل في إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي.
ولدى روسيا اقتصاد متنوع يعتمد على الزراعة وإنتاج وتصدير السلاح، لكن السعودية ليس لديها أدوات في هذه الحرب سوى الرهان على احتياطياتها المالية والنفطية، وهي بذلك تغامر في معركة خاسرة، والحسابات الاقتصادية تذهب لأن تستسلم الرياض أولا، في ظل معاناتها من أزمة تمويلية ولجوئها للاستدانة، وقد تعطل هذه الحرب مشروعات رؤيتها لعام 2030.
10- ماذا عن عجز الموازنة بالسعودية وروسيا؟
العجز بالموازنة السعودية لعام 2020 قدر بنحو 49.8 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي روسيا قدرت ميزانياتها لعام 2020 وجود فائض بنحو 13.6 مليار. كما أن السعودية قدرت ميزانياتها عند سعر برميل النفط بحدود 55 دولارا، في حين بنت روسيا ميزانياتها على سعر برميل النفط 42.4 دولارا، وهو ما يعني أن الأضرار المترتبة على حرب الأسعار بسوق النفط ستكون أشد على اقتصاد السعودية منها على روسيا، وإن كان الضرر سيلحق بالطرفين.
11- ما تأثير هذه الحرب على البورصات؟
في رد فعل سريع تأثرت البورصات العالمية والإقليمية بما حدث في سوق النفط، من حرب الأسعار، حيث أدت هذه الحرب إلى انهيار البورصات، لعدة أسباب على رأسها أن النفط لا يزال يمثل عصب الحضارة الحالية، ولم تنجح الطاقة البديلة أن تحل محله.
الأمر الثاني أن تكلفة الوقود كسلعة وسيطة في العديد من المنتجات والخدمات لها دورها الذي لا يمكن أن يهمله أحد، كما أضافت حرب الأسعار بعدا جديدا لحالة التشاؤم فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد العالمي، واستبعاد التعافي بالأجل القصير.
12- ما تأثيرها على العملات؟
تأثرت عملات كل من السعودية وروسيا سلبيا بما حدث في سوق النفط، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض إذا ما امتدت هذه الحرب، وبخاصة أن كلتا العملتين خارج نطاق العملات الرئيسة بسوق النقد، وكون السلعة الإستراتيجية لكلا البلدين تشهد هذا التراجع الشديد، فلابد أن يؤثر ذلك بشكل كبير على قوة كل من الريال والروبل، حيث سيكون غطاؤهما من النقد الأجنبي بقيم محدودة وضعيفة في ظل الأسعار المتدنية للنفط بالسوق الدولية، ولكن هذا مرتبط بالمدى الزمني للأزمة.
13- كم يبلغ حجم الإنتاج السعودي والروسي؟
تقترب حصة كل من السعودية وروسيا من بعضهما من حيث الإنتاج اليومي من النفط، فروسيا تنتج نحو 11.3 مليون برميل يوميا، والسعودية بحدود 10.5 ملايين. ولكن العبرة هنا أن علينا أن نأخذ احتياطي البلدين من النفط والغاز الطبيعي في الاعتبار، فالسعودية لديها احتياطيات نفطية تصل إلى 266 مليار برميل، لكن روسيا لديها احتياطي نفطي نحو ثمانين مليار فقط، وتنقلب المعادلة في احتياطيات الغاز، فالسعودية لديها منه 8.6 تريليون م3 في حين روسيا لديها 47.2 تريليون م3.
14- ما تأثير الأزمة على الدول النفطية العربية؟
في الأجلين القصير والمتوسط، سيكون لحرب الأسعار بسوق النفط آثار سلبية على الدول النفطية العربية، وبخاصة أنه ليس لديها بديل لعوائد النفط، وهناك تراجع في أدائها الاقتصادي منذ انخفاض الأسعار عام 2014، وأكد افتقادها لمشروع تنموي يمكنها من إيجاد اقتصاد متنوع.
وسوف تنضم غالبية الدول النفطية العربية إلى الدول المدينة، سواء كانت تلك المديونية محلية أو خارجية، وهو ما يعني تراجع النمو الاقتصادي بهذه البلدان، وزيادة معدلات البطالة، ومن المتوقع أن تشهد اضطرابات سياسية بسبب ما ستعيشه من أزمة مالية.
15- ما انعكاسها على الدول العربية غير النفطية؟
قد تكون هذه الأزمة فرصة للدول العربية غير النفطية لتخفيض فاتورة الطاقة التي تعتمد على استيرادها من الخارج، ولكن هذه الاستفادة ستكون مرتبطة بوجود بنية أساسية تمكن هذه الدول من بناء مخزون إستراتيجي للنفط الرخيص، وهو محل شك.
فغالبية هذه الدول تعاني من عجز التمويل، وغياب البنية الأساسية، وسوف تتأثر سلبيا بسبب ما سيحل بالدول النفطية العربية من أزمات، من خلال توقف الدول النفطية عن استقبال العمالة الوافدة، كما ستتقلص برامج المساعدات المالية التي تقدمها الدول النفطية.
16- ما تأثيرها على الأجهزة المصرفية؟
سيكون للأزمة أثر سلبي على كافة الأجهزة المصرفية، فمن ناحية ستقل ودائع الدول المصدرة للنفط بالمصارف، وهو ما سيحد من قدرة البنوك على ممارسة نشاطها في الإقراض، وتدوير عمليات الائتمان.
اعلان
ومن ناحية أخرى ستضطر المصارف إلى تخفيض أسعار الفائدة، تأثرا بالتداعيات السلبية للأزمة، وانتشار حالة الركود. وقد ترتفع حالة التعثر للمدينين للمصارف خلال الفترة المقبلة، بسبب استغناء الشركات المرتبطة بقطاع النفط عن العمالة، وتوقف الرواتب وتأثر الدخول، ولا يستبعد إفلاس بعض الشركات المرتبطة بقطاع النفط، وبخاصة العاملة بالخدمات النفطية.
17- وماذا عن الدور السياسي للإمارات؟
تتجه الإمارات لنشاط التجارة والخدمات، كبديل للنفط في الجانب الاقتصادي، إلا أن النفط لا يزال يمثل عصب اقتصادها، وكانت التقديرات لتعادل الميزانية في الإمارات بأن يكون سعر برميل النفط 60 دولار.
أما وأن الأسعار تتجه لتحقق نسبة 50% مما هو مطلوب لتعادل الميزانية، إذا سيكون هناك خلل كبير في الوضع المالي للإمارات، وبلا شك سيكون لذلك أثر في تراجع تمويل الإمارات لممارسات عدم استقرار المنطقة، وإن كانت أرصدتها بصناديقها السيادية قد تسمح لها في الأجل القصير بممارسة دورها السلبي بالمنطقة.
18- هل ستؤثر على استمرار الأزمة اليمنية؟
بلا شك، الإيرادات النفطية السعودية سوف تتأثر بنحو 30%، وهي نسبة التخفيض التي شهدتها أسعار النفط بالسوق الدولية، وقد قدرت الإيرادات النفطية بالميزانية السعودية لعام 2020 بنحو 168 مليار دولار، وبلا شك تأثر هذه الإيرادات بسبب أزمة حرب الأسعار التي بدأت مبكرا عام 2020، مما قد يؤثر بشكل كبير في الحرب المفتوحة التي تخوضها السعودية منذ مارس/آذار 2015 في اليمن، وقد يدفع تجاه تبني الحل السياسي، وإلا ستورط السعودية نفسها في أزمة مالية تمتد لعقود.
19- .. وإنفاق طرفي الأزمة على التسليح؟
حسب بيانات معهد استكهولم للسلام عام 2019، حلت السعودية ثالثة عالميا من حيث قيمة الإنفاق على التسليح بنحو 67.6 مليار دولار، في حين جاءت روسيا في المرتبة السادسة بإنفاق قيمته نحو 61.4 مليارا، وبلا شك سيكون لطرفي حرب الأسعار في سوق النفط حسابات الجديدة في ظل تهاوي الأسعار.
وإن كان موقف الرياض سيكون أضعف لأنها لا تنتج السلاح ولا تصدره، وقد تضطر للاستمرار في الإنفاق على التسليح، فإنه على العكس في روسيا التي تنتج السلاح وتصدره.
اعلان
20- ما مستقبل أوبك بعد تفرد الرياض بالقرار بسوق النفط؟
ظلت السعودية حريصة طول الفترات الماضية على أن تظهر بصورة أنها مجرد عضو في أوبك وأنها كأحد كبار المنتجين تلعب دور المرجح لسياسات السوق وأنها تحرص على توازن المصالح بين المنتجين والمستهلكين. ولكن بعد 9 مارس/آذار الجاري وتفردها بقرار تخفيض الأسعار، سيكون له ما بعده، فباقي البلاد سوف تدير أمورها فيما بعد في ضوء مصالحها.
ختاما، يمكن القول إن السعودية انهت بالفعل دور أوبك ولن يكون لها قرار واحد فيما بعد، وسيكون دور الرياض بالسوق له حساباته السياسية بجوار الاعتبارات الاقتصادية.
المصدر : الجزيرة