هذا ما حدث ذات يوم في الاتحاد السوفيتي
عاد إلى موسكو عشية رأس السنة 1960 الرسام السوفيتي الشهير، أليكسي كوكوريكين، الفائز مرتين بجائزة ستالين قادما من الهند، ولكنه توفي بسبب مرض غامض بعد عودته بيومين.
قبل 60 سنة وفي الصباح الباكر عشية رأس سنة 1960هبطت طائرة قادمة من الهند وعلى متنها الرسام أليكسي كوكوريكين، وبعد أن أنهى إجراءات عبور الحدود، ذهب إلى حبيبته، وكان يعاني من سعال خفيف، لم يثر اهتمام أحد في فصل الشتاء.
وذهب الرسام في اليوم التالي إلى أهله ليحتفل معهم بحلول السنة الجديدة، ووزع عليهم الهدايا التي جلبها لهم، ولكن السعال اشتد وارتفعت درجة حرارته، فاضطر لمراجعة الأطباء، الذين أدخلوه المستشفى، ثم ساءت حالته كثيرا وتوفي في المساء.
وقد كشف تشريح الجثة بحضور خبير بعلم التشريح، الذي أعلن فورا أن الرسام مصاب بمرض variola vera- الجدري. كان هذا المرض يحصد الأرواح في القرون الوسطى فعلا، ولكن في الاتحاد السوفيتي لم يبق له أثر. لأنه تم القضاء عليه بالتلقيح الشامل عام 1936. ولكنه ما زال موجودا في الهند، وهناك أصيب الرسام به، خلال مراسم حرق شخص مات بالجدري.
وبعد تشخيص سبب الوفاة، اكتشف الأطباء إصابة الممرضة والطبيب الذي فحص الرسام في المستشفى ومريض آخر في إحدى ردهات الطابق الأسفل، وكذلك أحد عمال المستشفى. وبعد مضي أسبوعين ظهرت لديهم جميعا أعراض شبيهة بأعراض الرسام (حمى وسعال وطفح جلدي). وقد اكتشف فيروس الجدري في عينة أخذت من جلد أحد المرضى. ما يشير إلى أن الوباء الذي لا علاج له سيعصف بموسكو وكامل الاتحاد السوفيتي.
ولذلك اتخذت في اجتماع طارئ عقد في نفس اليوم بحضور خروشوف، تدابير وإجراءات شاملة لمنع انتشار الوباء.
وقد أنيط بأفراد الشرطة ولجنة أمن الدولة كشف جميع المصابين وبأسرع وقت، بداية من لحظة هبوط الطائرة التي كانت تقل الرسام المريض. أي أن هذا يشمل جميع ركاب الطائرة وطاقمها والعاملين في المطار كما يشمل زملاءه وأقرباءه وأصدقاءه وحبيبته أيضا. وقد تمكن جهاز الشرطة ولجنة أمن الدولة ووزارة الصحة من جمعهم كلهم وعزلهم تماما وكل من اتصل بالرسام وبهم خلال هذه الفترة.
كما شمل العزل حتى العاملين في المتاجر والمرافق الخدمية الأخرى الذين كانوا على اتصال مع أقارب الرسام وحبيبته وتم عزلهم أيضا، وأحرقت جميع الهدايا والملابس التي جلبها الرسام من الهند.
ومن الاجراءات التي اتخذت لمنع انتشار الوباء، غلق موسكو وعزلها تماما وفق قوانين زمن الحرب، وتوقفت جميع الرحلات الجوية وحركة القطارات والسيارات، وكانت الفرق الطبية تعمل ليل نهار وكانوا يعزلون كل مشتبه به في المستشفى، حيث بلغ عددهم بعد أسبوع 10 آلاف شخص كان لهم اتصال بشكل ما بركاب الطائرة القادمة من الهند.
وفي نفس الوقت بدأت حملة تلقيح السكان بلقاح مضاد للجدري في البلاد، حيث خلال ثلاثة أيام استلمت المؤسسات الصحية في موسكو 10 ملايين لقاح مضاد للجدري من معهدي تومسك وطشقند للقاحات والأمصال ومحطة كراسنودار الصحية الإقليمية والوبائية، حيث خضع للتلقيح جميع سكان موسكو وضيوفها.
واتضح في النهاية، أن 7 من أقارب كوكوريكين و9 من العاملين في المستشفى و3 مرضى في المستشفى أصيبوا بالجدري فقط، وهؤلاء كانوا السبب في إصابة 23 شخصا توفي منهم ثلاثة فقط.
وقد تم خلال هذه الحملة الوقائية، تلقيح 7 ملايين شخص من سكان موسكو وضيوفها. وقام بهذه الحملة 10 آلاف فرقة طبية ضمت إضافة إلى الأطباء والممرضات طلاب المعاهد الطبية.
لقد تمكنت السلطات الصحية خلال شهر واحد، من القضاء على الجدري تماما. ولكن هذا جرى في بلد آخر لم يعد موجودا! ترى هل تتمكن الدول اليوم من حصار وباء كورونا كما فعل الاتحاد السوفيتي في ذلك الزمان؟
المصدر:aurora.network