مركز فيروس كورونا.. ووهان مدينة حساسة من الناحية السياسية
جو 24 :
يتحدث عالم الأنثروبولوجيا فريدريك كيك -في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية- عن الخصوصية التاريخية والصحية الفريدة لمدينة ووهان، ثاني أكبر مدينة في وسط الصين، حيث ظهر فيروس كورونا عام 2019.
وفي المقابلة التي أجرتها كاثرين فنسان، قال مدير البحث في المركز الفرنسي للبحث العالمي الذي يرأس مختبر الأنثروبولوجيا الاجتماعية في باريس، إن الحكومة الصينية أرادت أن تُظهر -منذ بداية الأزمة في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي- استعدادها لمواجهة وباء جديد، بعد الانتقادات التي تلقتها خلال أزمة سارس الحادة عام 2003.
وهذا هو السبب في أن حكومة الصين -بحسب الباحث- أبلغت العالم بسرعة بشأن تسلسل الفيروس الجديد، وأوقفت حركة السكان بين المدن، وبنت مستشفيات مخصصة لأمراض الجهاز التنفسي، وهو ما يظهر إرادة رائعة من جانب الصين لوضع نفسها في قلب العالم، وضعفا مذهلا للاقتصاد العالمي الذي تضعضع لمجرد أن فيروسا قتل مئة شخص في الصين.
ظهر الفيروس في مدينة ووهان، في وقت كثافة حركة الأشخاص والبضائع مع مطلع السنة الصينية الجديدة، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة مع تطور صناعي وتكنولوجي قوي، وربما يفسر ذلك السرعة التي تناولت بها السلطات الصينية المشكلة.
وقد تلاقى هذا الحادث البيولوجي الفريد مع تاريخ ثقافي خاص، محدثا آثارا سياسية استثنائية بحسب الكاتب، لأن ووهان -التي كانت بمثابة عاصمة النظام القومي خلال الحرب الصينية اليابانية بين 1937 و1945- هي نتيجة اندماج ثلاثة مراكز تجارية طورها الغربيون في القرن التاسع عشر على نهر يانغ تسي كيانغ.
وهذه المدينة أيضا هي نقطة انطلاق ثورة 1911 التي تسببت في سقوط الإمبراطورية، وهي بالتالي مكان حساس للغاية في التاريخ الصيني الحديث، إذ إنها مركز لإمبراطورية تيانشيا، "كل شيء تحت السماء".
بديل صحي لهونغ كونغ
وقال الباحث إن المسؤولين الصحيين في الصين كانوا يستعدون لظهور فيروس جديد في هذه المنطقة، بعد أن أظهرت الدراسات أن الفيروس التاجي المسؤول عن سارس يأتي من الخفافيش في وسط الصين، ولذلك فإن أكاديمية العلوم في الصين قد طورت مختبرا للسلامة الأحيائية من المستوى الرابع، يعادل معهد باستور الفرنسي، يتيح التعامل مع الفيروسات الخطيرة للغاية كإيبولا وسارس وإنفلونزا الخنازير.
ونظرا لأن هذا هو المختبر الوحيد من الدرجة الرابعة في آسيا، فهو مكان حساس للغاية من الناحية السياسية، وقد اختيرت ووهان موقعا له، واليوم تنتشر نظريات المؤامرة على الإنترنت بأن هذا المختبر ربما يكون قد سرب فيروس كورونا الجديد، أو صنعه لطلب المزيد من الاستثمار.
وذكر الباحث أن هونغ كونغ التي بنى فيها علماء الأحياء المجهرية الأستراليون مختبرا لمراقبة طفرات فيروس الإنفلونزا في جنوب الصين، لعبت دورا رئيسيا في مراقبة الأمراض الناشئة في الصين، مشيرا إلى أن ووهان ربما ستتجاوزها في المستقبل القريب.
وكان اختيار هونغ كونغ يعود إلى الاعتقاد بأن وباء الإنفلونزا القادم سيأتي من هذا النظام البيئي في الصين، كما حدث في عامي 1957 و1968. وقد تحقق هذا السيناريو الكارثي عام 1997، مع تسليم المستعمرة البريطانية للصين بظهور فيروس إنفلونزا الطيور، ووجدت هونغ كونغ هوية جديدة في نظام "دولة واحدة ونظامان"، وظلت تلعب دور الحارس لتنبيه بقية العالم إلى الأوبئة التي تنطلق من الصين.
أما اليوم فالوضع مختلف بحسب الباحث، لأن الأزمة الصحية تواجهها الصين بعد عشرة أشهر من الاحتجاجات في هونغ كونغ، مما يغري بأن تحل ووهان كحارس صحي محل هونغ كونغ، بنفس الطريقة التي تسعى فيها شانغهاي إلى الحلول مكان هونغ كونغ كمركز مالي.
مصدر الفيروس
وقال الباحث إن "الأسواق الرطبة" في وسط مدينة ووهان ترتبط بالتقاليد الصينية المتمثلة في استهلاك الحيوانات الطازجة، وقد تباع فيها "أنواع غريبة" كالثعالب والعقارب والتماسيح، إلا أنه ليس من المؤكد أن الحالة الأولى من وباء فيروس كورونا جاءت من سوق حيواني.
والأمر المؤكد وفقا للتحليل التطوري للفيروس هو أنه يأتي من الخفافيش التي تشكل المستودع الحيواني لفيروسات كورونا، كسارس والعديد من الفيروسات الناشئة وخاصة فيروس إيبولا، لأن الخفافيش تتمتع بنظام مناعة يسمح لها بإيواء عدد كبير من الفيروسات دون الإصابة بها، وهي اليوم تقترب من المناطق الحضرية بسبب إزالة الغابات.
وأشار الباحث الأنثروبولوجي إلى أن الأنثروبولوجيا الاجتماعية تتعامل مع الأزمات الصحية والسياسية بنظرة مقارنة مع المجتمعات البعيدة في الزمان والمكان، كما فعل عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس أيام أزمة جنون البقر عام 1996.
وقال إن هذه النظرة البعيدة تساعد على تخفيف الشعور بالإلحاح الذي يسيطر على السلطات عند حدوث الأزمات، مشيرا إلى أنه درس الأزمات الصحية في أوروبا والصين من خلال وصفه لتجارب مربي الدواجن المحليين ومحبي الطيور البرية.
المصدر : لوموند