طبيب أمريكي: كورونا يستنزف الأنظمة الصحية.. والانترنت مهم لمواجهته
جو 24 :
كيف يمكننا استخدام المواقع الاجتماعية لمواجهة فيروس كورونا المستجد؟ وكيف يتعاون الأطباء عن طريقها لمساعدة بعضهم البعض عبر العالم؟ وكيف هو الوضع الطبي الحالي في البلدان المتقدمة؟ خبير غربي يتحدث لـDW عربية.
نيكولاس مارك، طبيب متخصص في الرعاية الرئوية الحرجة، ينشط بشكل كبير في مجال تطبيق التكنولوجيات الرقمية الحديثة للأغراض العلاجية، ولهذا الغرض أنشأ شركةً متخصصة في الصحة الرقمية بمدينة سياتل الأمريكية، أي إنشاء تطبيقات وبرامج معتمدة سريرياً للهواتف المحمولة ومكبرات الصوت، لأجل إدارة الأمراض المزمنة وتجنب ما يهدّد حياة المريض.
قام مؤخراً بإنشاء خطاطة مركزة خاصة بوحدات العناية المركزة للتعامل مع المصابين بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، ترجمها إلى عدة لغات، ونشرها على المواقع الاجتماعية، وكذلك على موقع onepagericu الذي أنشأه لغرض مشاركة خطاطات من النوع نفسه، صالحة للطباعة على صفحة واحدة.
DW عربية أجرت معه هذا الحوار حول فيروس كورونا المستجد، حيث تطرق إلى عدة محاور تهم القارئ، منها معدل انتشار الفيروس ومدى استعداد الحكومات له ومدى نجاعة الحجر الصحي وكذلك قوة المواقع الاجتماعية للتصدي له.
DW عربية: سبق لخبراء في مجال الصحة أن أعلنوا أن 80 في المئة ممّن يصابون بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، لا تظهر عليهم سوى أعراضٍ معتدلة، ويمكنهم التماثل للشفاء في غضون أسبوعين، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن معدل الوفاة بين المصابين لا يتجاوز 3.4 في المئة. في رأيكم، واستحضارا لكل هذه المعطيات، لماذا تستمر موجة الهلع من الفيروس بالشكل الحاصل حاليًا؟
نيكولاس مارك: من ناحيتي، سوف أنظر إلى النسبة المقابلة، أيّ الـ 20 في المئة من المصابين الذين قد تظهر عليهم أعراض متقدمة. حالياً، وبأرقام تقديرية، 10 في المئة من المصابين يحتاجون وحدات للعناية المركزة و5 في المئة يحتاجون لنظام التنفس الميكانيكي. أكثر من ذلك، نتوقع أن الفيروس قد يصيب ما بين 30 إلى 40 من السكان، وهو ما سيؤثر على العديد من الناس وسيدفع إلى استخدام الكثير من الموارد.
هذا الفيروس لديه القدرة على وضع ضغط هائل على أنظمة الرعاية الصحية، فبالاستناد إلى التقارير الواردة من إيطاليا، يظهر أن وحدات العناية المركزة قد تعرضت لإرباك كبير.
وفي الولايات المتحدة مثلًا، هناك حوالي 300 مليون نسمة وحوالي 160 ألف نظام للتنفس الميكانيكي. فإذا ما تعرّض فقط 10 في المئة من السكان للإصابة (أقل من 30 في المئة ممّا نتوقع) واحتاج منهم فقط 1 في المئة لهذه الأنظمة التنفسية، فحينها سنحتاج فقبط داخل الولايات المتحدة إلى 300 ألفًا منها، أي حوالي ضعف ما يوجد لدينا حالياً.
فضلًا عن ذلك، سنحتاج إلى الممرضين، وإلى معالجي الجهاز التنفسي البشري، والأطباء، لأجل مرافقة هؤلاء المرضى. وهؤلاء المهنيين بدورهم يعدّون مورداً ضئيلاً في البلد، وهم أنفسهم معرّضون للإصابة بالفيروس.
كيف تتوقع أن يستمر فيروس "كوفيد-19" خلال الأسابيع القادمة؟ ومتى تتوقع أن تنجح بلدان العالم في وقفه؟
نحن الآن لا نزال في المرحلة الأولى من الفيروس. بالاستناد إلى الأرقام المرتفعة المعلن عنها كل يوم، يظهر أن الأمور ستكون أكثر صعوبة خلال الأسابيع القادمة.وإذا ما كنا محظوظين كفايةً، فالفيروس قد يتلاشى مع وصول فصل الصيف، ولكن من المهم الإشارة إلى أن الأنفلونزا التي شهدها العالم عام 1918 (عُرفت كذلك باسم الانفلونزا الإسبانية) كانت أكثر سوءًا في فصلي الخريف والشتاء اللاحقين على ظهورها.
يمكن أن نقوم بعدة إجراءات للمساعدة على الحد من الفيروس، فاتخاذ مسافات اجتماعية أمر مهم للغاية، ولكن ليس تكديس الموارد الأساسية، وخاصة الموارد الطبية كأقنعة الجراحة والأقنعة التنفسية N95s.
لكن بعض الدول في آسيا نجحت في تقليل انتشار الفيروس، كالصين وتايوان وكوريا الجنوبية، ما هي أسرار هذا النجاح حسب نظرك؟
النجاح في تايوان مثلا جاء، حسب ما اطلعته عليه مؤخرا، من عدة عوامل، منها الاعتراف أن الوضع هو بالفعل حالة طوارئ ويجب بالتالي اتخاذ خطوات مسبقة، ومن ذلك وقف الرحلات والأعمال التجارية. كما استفادت تايوان من نظامها الرقمي للبيانات الخاص بالصحة حتى تحدد الأشخاص الذين يوجدون في خطر داهم، وبالتالي مساعدتهم، أما كوريا مثلًا فقد كانت جد استباقية في القيام بالتحاليل، بل واستطاعت قياس تحاليل الفيروس بشكل سريع.
أعتقد كذلك أن حسن الاستفادة وتدبير الموارد الموجودة في البلاد أمر مهم للغاية، فالصين عبأت رقما كبيرا من الأطباء والممرضين والمعدات الطبية، كما بنت مستشفيات لأجل رعاية الناس، خاصةً في إقليم ووهان.
في الوقت ذاته، هناك مخاوف من أن الحجر الصحي قد يطول في البلدان المتضررة، وبالتالي قد لا يستطيع السكان البقاء في منازلهم مدة طويلة، فهل تتوقع أن ينجح الحجر الصحي؟
لست خبيرًا في الصحة العمومية، ولذلك سأقول إنني أتمنى أن ينجح. لقد رأينا نجاحًا في البلدان التي عملت بمنطق استباقي في مجال يتعلّق بالتحاليل والاحتواء والحجر الصحي. لذلك أتمنى ألا يكون الوقت قد تأخر بالنسبة لهذه الإجراءات للبلدان التي أعلنت عنها مؤخرًا. المهم أن هناك عدة طرق التي يمكن من خلالها تقديم الخدمات الأساسية للناس حتى لا يكون ضروريًا لهم مغادرة منازلهم.
في رأيك، هل يمكن لفيروس "كوفيد-19"، أن يغيّر من الإجراءات المتعلّقة بالصحة عبر العالم مستقبلًا؟ بمعنى، هل سيدفع هذا الفيروس بالحكومات إلى التعامل مع الأوبئة بشكل استباقي، أم أننا سنرى مستقبلاً أوبئة وجائحات أكثر خطورة؟
أظن أن الفيروس بيّن لنا أهمية اليقظة لأيّ عدوى مستجدة، وكذلك ضرورة التعاون الدولي لاحتواء أيّ وباء ناشئ. هذه كذلك فرصة لأجل تحسين طرق تقديم الرعاية الصحية للسكان في منازلهم، باستخدام التكنولوجيات الحديثة كالتطبيب عن بعد ومراقبة الصحة المنزلية. أتمنى أن تتعلّم الحكومات الدرس، وأن تعي أن تمويل الصحة العمومية وتطوير الطرق الجديدة للفحص والعلاج أمران ضروريان.
باعتبارك طبيبًا نشيطًا في العالم الرقمي، كيف يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تساهم في ربح المعركة ضد فيروس كورونا المستجد؟
هناك موارد كبيرة من المتخصصين في مجال الرعاية الصحية عبر العالم الراغبين في المساعدة. مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة لأجل مشاركة الأفكار وللحشد الجماهيري. لقد كان أمرًا مفرحًا أن ما كتبته في مدينة سياتل الأمريكية حول الفيروس تمت مشاركته عبر العالم. الناس عبر العالم يتعاونون لأجال تطوير والمساهمة في ترجمة الخطاطة التي كتبتها إلى عدة لغات.
صحيح أن الفيروس ينتشر بسرعة، ولكن مع وسائل التواصل الاجتماعي، نحن قادرون على مشاركة المعلومة بشكل أسرع، وكذلك نحن قادرون على التخلص من المعلومات المشوشة والكاذبة كذلك.
كذلك يمكن القول، إننا في الوقت الذي نحاول فيه أن نكون أكثر مسؤولية في مجتمعاتنا عبر اتخاذ مسافات متباعدة بيننا، مع ما يتضمنه ذلك من إحساس بالعزلة، تساعدنا المواقع الاجتماعية على أن نبقى مرتبطين مع الأصدقاء والعائلة، وهذا الأمر يساهم في تقديم المساعدة. فهو أمر مفيد للغاية أنه توجد حاليًا أمة عالمية تساعد بعضها بعضا عبر هذه المواقع.