الاتجار بالبشر في ظلّ غياب الرقابة الرسمية
جو 24 : جاءت كوماري السيريلانكية من بلادها قبل عدة سنوات لتعمل خادمة في المنازل، إلا أنها تفاجأت بأن فرصة العمل التي انتظرتها كانت في مركز للعناية بالبشرة والتجميل للسيدات وليس في منزل، رغم أن تصريح العمل الذي حضرت بموجبه للمملكة كان ينص على أنها "خادمة منازل".
ويجد أصحاب العمل في التسهيلات التي تخص استقدام خدم المنازل، طريقا "يلتفّون بواسطتها على القانون" لاستقدام عمال وافدين لمحالهم بأجر أقل من الحد الأدنى البالغ 190 دينارا بعيدا عن أعين مفتشي وزارة العمل الذين لا يسمح لهم قانون العمل بالتفتيش على الخدم في المنازل للتأكد من التزام مخدوميهم بنصوص القانون إلا في حال ورود شكوى للوزارة.
لكن خدم المنازل من الوافدين يخشون في المقابل التقدم بشكوى خوفا من تسفيرهم إلى بلادهم، مفضلين بالتالي القبول بما تيسر بدلا من خسارة فرصة عمل قد لا تتكرر. وتذهب مخاوف هؤلاء بهم بعيدا إلى حد أنهم طلبوا عدم نشر أسمائهم الحقيقية أو تحديد أماكن عملهم خشية التعرف إليهم.
وهذا ما تؤكده تباريك الأندونيسية، التي تعمل في ناد رياضي خاص بالسيدات، فهي ترفض التقدم بشكوى بحق مخدومتها التي استقدمتها للعمل كخادمة في منزلها.
وترجع تباريك موقفها إلى خشيتها من تسفيرها لتخسر بالتالي وظيفة تؤمن من خلالها دخلا لذويها في أندونيسيا، إذ إنها تعيل 6 أفراد هم والداها وشقيقان وشقيقتان.
ويقول مدير مديرية استقدام واستخدام خدم المنازل في وزارة العمل علي الشوابكة إن مسؤولية مديريته تنحصر في إصدار تصاريح العمل، بينما تتولى مديرية التفتيش في الوزارة متابعة العمال الوافدين في المملكة والتفتيش على مدى التزام أصحاب العمل بشروط استقدامهم.
بيد أن مدير مديرية التفتيش والسلامة والصحة المهنية في الوزارة عدنان ربابعة يؤكد أن صلاحية فرق المديرية التفتيشية لا تمنحها الحق بمتابعة أوضاع خدم المنازل الوافدين إلا في حال ورود شكوى باعتبار أنهم "مستثنون من أحكام قانون العمل".
ويؤكد ربابعة أن القانون يخالف صاحب العمل إذا ثبت أنه استخدم العامل الوافد في مهنة مغايرة لتصريح استقدامه، لكنه ينص في الوقت ذاته على تسفير العامل في مثل هذه الحالة.
ويقدر عدد العاملون في المنازل 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، منهم 70 الف يعملون في الاردن لغاية عام 2011.
ويشار إلى أن 83% من العاملين في المنازل، وفقا لأرقام منظمة العمل الدولية هم من النساء، وكثير منهم لا تحميهم قوانين العمل، كما انهن لا يخضعن لاي شكل من أشكال الضمان الاجتماعي.
وتبين الأرقام كذلك أن الكثيرات غير قادرات على الانضمام إلى النقابات العمالية، مما يتركهن عرضة للاستغلال وسوء المعاملة العنصرية والتحيز الجنسي والضرب والحرمان من النوم والطعام، والعمل القسري، والاتجار والاغتصاب وحتى القتل.
وتشير تقارير المنظمة كذلك، إلى ان معظمة العاملات لا يتقاضين أجورا، بحيث اصبحن خاضعات لظروف هي أكثر قليلا من العبودية في العصر الحديث.
ووفق ليندا كلش، مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، فإن مكاتب التوظيف في الأردن واندونيسيا تتجاهل حظر استقدام عاملات اندونيسيات إلى الأردن، عن طريق إصدار تأشيرات سياحية لعاملات المنازل اللاتي ينتقلن إلى بلد ثالث مثل ماليزيا أو الإمارات قبل مجيئهن للعمل في الأردن.
كلش تؤكد أن هذه الممارسة تدخل ضمن مفهوم الاتجار بالبشر بموجب القانون الأردني.
وتلقي باللائمة على ما يجري حاليا على مختلف الجهات الفاعلة، قائلة إن "مكاتب الاستقدام في إندونيسيا تقدم جوازات سفر مزورة، ومسؤولي الحدود يفشلون في اكتشاف حقيقة أن الشخص الذي من المفترض أن يكون في سن العشرين عاما، يبدون في كثير من الأحيان أصغر من ذلك بكثير، وأيضا الأطباء الذين يصدرون الشهادات للخادمات عند الوصول".
ولكن حتى يتم تنفيذ القوانين وفرضها لحماية هؤلاء النساء الضعيفة، فإن استغلالهم من المرجح أن يستمر، وفق كلش.
وتنص المادة الثامنة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أنه "لا يجوز استرقاق أحد، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما، كما لا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي".
ويؤكد أمين عام وزارة العمل حمادة أبو نجمة ان الوزارة وبالتعاون مع نقابة مكاتب الاستقدام، وضعت حديثا خطة، فيها حل للكثير من الاشكاليات.
وتتضمن تلك الخطة اتفاقا بين الوزارة مع البنوك على تفعيل قرارها بالزام اصحاب المنازل بفتح حساب بنكي لعاملات المنازل، الذي سبق واتخذته في مطلع تموز (يوليو) عام 2011، رافقه قرار آخر تمثل بعدم استيفاء اية مبالغ مالية من صاحب العمل قبل وصول العاملة، باستثناء رسوم تصاريح العمل.
ويشدد ابو نجمة على ان هذا القرار "سيحمي حقوق العاملة"، حيث ان الوزارة تردها شكاوى تتعلق بعدم تقاضيهن اجورهن، كما سيترتب على تفعيله حماية لحقوق صاحب المنزل بحال هروب العاملة حيث يستطيع تقديم شكوى وبذلك من الممكن اتخاذ قرار قضائي بحق الهاربة، يمنعها من تحويل أي مبالغ لبلادها وتحصيل حق صاحب العمل منها.
وكشف في ذات الوقت عن نية الوزارة استصدار قرار يقضي بإلزام اصحاب مكاتب الاستقدام بعمل صندوق لتأمين الهروب.
وبموجب ذلك يدفع صاحب المكتب قيمة مالية عند استقدام العاملة، وفي حال هربها يتم دفع حقوق صاحب المنزل من هذا التأمين، دون ان يتكبد صاحب المنزل أية مبالغ مالية مقابل انشاء هذا التأمين.
ورغم ذلك، ترفض كوماري حتى مجرد التفكير بتقديم شكوى للوزارة، فهي تعيل ابنتيها اللتين تعيشان مع ذويها في سيريلانكا، وبالتالي فإن الأفضل برأيها أن تقبل العمل في وظيفة أخرى غير التي استقدمت من أجلها على أن يتم تسفيرها.
وتتفق قيمالو الفلبينية مع زميلتيها كوماري وتباريك في الرضى بالعمل المتوفر فهي تنفق على ثلاثة أطفال تركتهم خلفها في بلادها منذ أربع سنوات وجاءت إلى المملكة لتعمل خادمة منازل، لتجد نفسها نادلة في مطعم بعمان.
وتحتل الجنسية الأندونيسية المرتبة الأولى بين الخدم المستقدمين حيث بلغ عدد التصاريح الممنوحة لهم 3756 تصريحا، تلتها في المرتبة الثانية الجنسية الفلبينية وبلغ عددها 1619، ثم السيريلانكية وعددها 1569 تصريحا، بينما يتوزع الباقي على جنسيات أخرى.
وتتعدد أشكال استغلال استقدام خدم المنازل لتشغيلهم في وظائف أخرى، في ظل استثناء قانوني لخدم المنازل وعمال الزراعة والبساتين والطهاة من أحكام قانون العمل، الذي يترافق مع عدم وجود جهة رقابية تتابع أوضاع خدم المنازل من دون ورود شكوى منهم.
ومن بين تلك الأشكال تشغيل الخادمات الوافدات بـ"اليومية" أو "الأسبوع" لدى أكثر من مستخدم يلجأون لطلبهن من خلال إعلانات تجارية تنشر من دون توضيح كامل للجهة الناشرة في صحف إعلانية وأحيانا عبر ملصقات على أعمدة كهرباء في الأسواق أو واجهات محال تجارية.
وفي ظل غياب الرقابة المباشرة، دعا حقوقيون أخيرا إلى تعديل قانون العمل بحيث يشمل العاملات في المنازل، اللواتي يتوجب شمولهن في مظلة الضمان الاجتماعي وإلحاقهن في التأمين الصحي.
ولا يجد وافدون قدموا إلى المملكة للعمل كخدم منازل سبيلا لرفض تشغيلهم في مهن أخرى في ضوء حاجتهم للعمل وسط سعي أصحاب عمل للاستفادة من استثناء خدم المنازل من أحكام قانون العمل.
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين
ويجد أصحاب العمل في التسهيلات التي تخص استقدام خدم المنازل، طريقا "يلتفّون بواسطتها على القانون" لاستقدام عمال وافدين لمحالهم بأجر أقل من الحد الأدنى البالغ 190 دينارا بعيدا عن أعين مفتشي وزارة العمل الذين لا يسمح لهم قانون العمل بالتفتيش على الخدم في المنازل للتأكد من التزام مخدوميهم بنصوص القانون إلا في حال ورود شكوى للوزارة.
لكن خدم المنازل من الوافدين يخشون في المقابل التقدم بشكوى خوفا من تسفيرهم إلى بلادهم، مفضلين بالتالي القبول بما تيسر بدلا من خسارة فرصة عمل قد لا تتكرر. وتذهب مخاوف هؤلاء بهم بعيدا إلى حد أنهم طلبوا عدم نشر أسمائهم الحقيقية أو تحديد أماكن عملهم خشية التعرف إليهم.
وهذا ما تؤكده تباريك الأندونيسية، التي تعمل في ناد رياضي خاص بالسيدات، فهي ترفض التقدم بشكوى بحق مخدومتها التي استقدمتها للعمل كخادمة في منزلها.
وترجع تباريك موقفها إلى خشيتها من تسفيرها لتخسر بالتالي وظيفة تؤمن من خلالها دخلا لذويها في أندونيسيا، إذ إنها تعيل 6 أفراد هم والداها وشقيقان وشقيقتان.
ويقول مدير مديرية استقدام واستخدام خدم المنازل في وزارة العمل علي الشوابكة إن مسؤولية مديريته تنحصر في إصدار تصاريح العمل، بينما تتولى مديرية التفتيش في الوزارة متابعة العمال الوافدين في المملكة والتفتيش على مدى التزام أصحاب العمل بشروط استقدامهم.
بيد أن مدير مديرية التفتيش والسلامة والصحة المهنية في الوزارة عدنان ربابعة يؤكد أن صلاحية فرق المديرية التفتيشية لا تمنحها الحق بمتابعة أوضاع خدم المنازل الوافدين إلا في حال ورود شكوى باعتبار أنهم "مستثنون من أحكام قانون العمل".
ويؤكد ربابعة أن القانون يخالف صاحب العمل إذا ثبت أنه استخدم العامل الوافد في مهنة مغايرة لتصريح استقدامه، لكنه ينص في الوقت ذاته على تسفير العامل في مثل هذه الحالة.
ويقدر عدد العاملون في المنازل 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، منهم 70 الف يعملون في الاردن لغاية عام 2011.
ويشار إلى أن 83% من العاملين في المنازل، وفقا لأرقام منظمة العمل الدولية هم من النساء، وكثير منهم لا تحميهم قوانين العمل، كما انهن لا يخضعن لاي شكل من أشكال الضمان الاجتماعي.
وتبين الأرقام كذلك أن الكثيرات غير قادرات على الانضمام إلى النقابات العمالية، مما يتركهن عرضة للاستغلال وسوء المعاملة العنصرية والتحيز الجنسي والضرب والحرمان من النوم والطعام، والعمل القسري، والاتجار والاغتصاب وحتى القتل.
وتشير تقارير المنظمة كذلك، إلى ان معظمة العاملات لا يتقاضين أجورا، بحيث اصبحن خاضعات لظروف هي أكثر قليلا من العبودية في العصر الحديث.
ووفق ليندا كلش، مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، فإن مكاتب التوظيف في الأردن واندونيسيا تتجاهل حظر استقدام عاملات اندونيسيات إلى الأردن، عن طريق إصدار تأشيرات سياحية لعاملات المنازل اللاتي ينتقلن إلى بلد ثالث مثل ماليزيا أو الإمارات قبل مجيئهن للعمل في الأردن.
كلش تؤكد أن هذه الممارسة تدخل ضمن مفهوم الاتجار بالبشر بموجب القانون الأردني.
وتلقي باللائمة على ما يجري حاليا على مختلف الجهات الفاعلة، قائلة إن "مكاتب الاستقدام في إندونيسيا تقدم جوازات سفر مزورة، ومسؤولي الحدود يفشلون في اكتشاف حقيقة أن الشخص الذي من المفترض أن يكون في سن العشرين عاما، يبدون في كثير من الأحيان أصغر من ذلك بكثير، وأيضا الأطباء الذين يصدرون الشهادات للخادمات عند الوصول".
ولكن حتى يتم تنفيذ القوانين وفرضها لحماية هؤلاء النساء الضعيفة، فإن استغلالهم من المرجح أن يستمر، وفق كلش.
وتنص المادة الثامنة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أنه "لا يجوز استرقاق أحد، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما، كما لا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي".
ويؤكد أمين عام وزارة العمل حمادة أبو نجمة ان الوزارة وبالتعاون مع نقابة مكاتب الاستقدام، وضعت حديثا خطة، فيها حل للكثير من الاشكاليات.
وتتضمن تلك الخطة اتفاقا بين الوزارة مع البنوك على تفعيل قرارها بالزام اصحاب المنازل بفتح حساب بنكي لعاملات المنازل، الذي سبق واتخذته في مطلع تموز (يوليو) عام 2011، رافقه قرار آخر تمثل بعدم استيفاء اية مبالغ مالية من صاحب العمل قبل وصول العاملة، باستثناء رسوم تصاريح العمل.
ويشدد ابو نجمة على ان هذا القرار "سيحمي حقوق العاملة"، حيث ان الوزارة تردها شكاوى تتعلق بعدم تقاضيهن اجورهن، كما سيترتب على تفعيله حماية لحقوق صاحب المنزل بحال هروب العاملة حيث يستطيع تقديم شكوى وبذلك من الممكن اتخاذ قرار قضائي بحق الهاربة، يمنعها من تحويل أي مبالغ لبلادها وتحصيل حق صاحب العمل منها.
وكشف في ذات الوقت عن نية الوزارة استصدار قرار يقضي بإلزام اصحاب مكاتب الاستقدام بعمل صندوق لتأمين الهروب.
وبموجب ذلك يدفع صاحب المكتب قيمة مالية عند استقدام العاملة، وفي حال هربها يتم دفع حقوق صاحب المنزل من هذا التأمين، دون ان يتكبد صاحب المنزل أية مبالغ مالية مقابل انشاء هذا التأمين.
ورغم ذلك، ترفض كوماري حتى مجرد التفكير بتقديم شكوى للوزارة، فهي تعيل ابنتيها اللتين تعيشان مع ذويها في سيريلانكا، وبالتالي فإن الأفضل برأيها أن تقبل العمل في وظيفة أخرى غير التي استقدمت من أجلها على أن يتم تسفيرها.
وتتفق قيمالو الفلبينية مع زميلتيها كوماري وتباريك في الرضى بالعمل المتوفر فهي تنفق على ثلاثة أطفال تركتهم خلفها في بلادها منذ أربع سنوات وجاءت إلى المملكة لتعمل خادمة منازل، لتجد نفسها نادلة في مطعم بعمان.
وتحتل الجنسية الأندونيسية المرتبة الأولى بين الخدم المستقدمين حيث بلغ عدد التصاريح الممنوحة لهم 3756 تصريحا، تلتها في المرتبة الثانية الجنسية الفلبينية وبلغ عددها 1619، ثم السيريلانكية وعددها 1569 تصريحا، بينما يتوزع الباقي على جنسيات أخرى.
وتتعدد أشكال استغلال استقدام خدم المنازل لتشغيلهم في وظائف أخرى، في ظل استثناء قانوني لخدم المنازل وعمال الزراعة والبساتين والطهاة من أحكام قانون العمل، الذي يترافق مع عدم وجود جهة رقابية تتابع أوضاع خدم المنازل من دون ورود شكوى منهم.
ومن بين تلك الأشكال تشغيل الخادمات الوافدات بـ"اليومية" أو "الأسبوع" لدى أكثر من مستخدم يلجأون لطلبهن من خلال إعلانات تجارية تنشر من دون توضيح كامل للجهة الناشرة في صحف إعلانية وأحيانا عبر ملصقات على أعمدة كهرباء في الأسواق أو واجهات محال تجارية.
وفي ظل غياب الرقابة المباشرة، دعا حقوقيون أخيرا إلى تعديل قانون العمل بحيث يشمل العاملات في المنازل، اللواتي يتوجب شمولهن في مظلة الضمان الاجتماعي وإلحاقهن في التأمين الصحي.
ولا يجد وافدون قدموا إلى المملكة للعمل كخدم منازل سبيلا لرفض تشغيلهم في مهن أخرى في ضوء حاجتهم للعمل وسط سعي أصحاب عمل للاستفادة من استثناء خدم المنازل من أحكام قانون العمل.
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين