ألمانيا وكورونا.. ما "سر الصمود" وسط بؤر أوروبا؟
جو 24 :
بينما تكافح الدول في مختلف أنحاء العالم لمواجهة الموت والفزع والقيود والاضطراب الاقتصادي الناجم عن تفشي وباء "كوفيد 19"، تبدو الصورة مختلفة تماما في ألمانيا.
ويتدافع الخبراء لمعرفة سبب وجود أكثر من 37 ألف إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد في ألمانيا، أي أنها خامس دولة عالميا من حيث عدد الإصابات، فيما عدد الوفيات أقل بكثير من الدول الأخرى.
فقد تم تسجيل نحو 200 حالة وفاة فقط بسبب فيروس كورونا في ألمانيا، وهذا يمثل 0.5 بالمئة فقط من إجمالي الإصابات المؤكدة، وهي نسبة أعلى من الوفيات بالإنفلونزا الموسمية، لكنها أقل بكثير من معدل الوفيات المرتفع في إيطاليا الذي يصل إلى 10 بالمئة تقريبا.
ولا توجد دولة كبرى أو متقدمة أخرى تقترب من ألمانيا، وبالمقارنة، سجلت الولايات المتحدة حوالي 70 ألف حالة إصابة مؤكدة بالفيروس، وتوفي أكثر من 1.5 بالمئة منهم، حيث بلغ عدد الوفيات جراء "كوفيد-19" حوالي 1050 شخصا حتى الخميس.
ورغم أن الأمر لا يزال مبكرا لوضع نظريات، فإن لدى بعض الخبراء عددا من الاحتمالات حول هذا الوضع في ألمانيا، لكنهم يتوخون الحذر بشأن التعامل مع الأمر كمثال لأنه لا يزال من المرجح أن يكون الوباء في مراحله المبكرة.
المعروف أن نسبة إصابات الأفراد مقابل إجمالي عدد السكان في ألمانيا، التي يبلغ عدد سكانها 82 مليون نسمة، تزيد كثرا على معدلات الإصابة في إيران وإسبانيا والولايات المتحدة.
لكن بخلاف دول أخرى مثل إيطاليا وبريطانيا وأنحاء كثيرة من الولايات المتحدة، لم تتوقف الحياة اليومية، رغم حظر التجمعات العامة لأكثر من شخصين، وجاءت نتائج اختبار المستشارة أنغيلا ميركل سلبية بعد أن عزلت نفسها في انتظار نتائج أخرى بعد إصابة أحد أطبائها بفيروس كورونا.
من الواضح أن ألمانيا مجهزة بشكل أفضل من معظم البلدان عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، إذ لديها 28 ألف سرير للعناية المركزة، وهو أعلى بكثير من المتوسط الأوروبي، كما أنها لم تتعرض للوباء في وقت مبكر مثل إيطاليا وأماكن أخرى، وبالتالي فقد كان لديها الوقت الكافي للاستعداد.
لكن العديد من الخبراء يعتقدون أن السبب الرئيسي وراء معدل الوفيات المنخفض نسبيا هو العدد الكبير من الاختبارات التي تمكنت من إجرائها، وفقا لما ذكره موقع "أن بي سي نيوز" الإخباري الأميركي.
ورغم أن الحكومة الألمانية لم تنشر أرقاما رسمية، فإنها تقول إن لديها القدرة على اختبار حوالي 160 ألف شخص كل أسبوع.
ووفقا لمدير الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية مايك رايان، فإنه بالإضافة إلى المساعدة المحتملة في تحديد انتشار العدوى وإبطاء انتشاره، من المرجح أن تكشف الاختبارات واسعة النطاق عن حالات أكثر اعتدالا لا يتم تسجيلها في بلدان أخرى.
وقال رايان في مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي: "لديهم (في ألمانيا) عملية اختبار صارمة للغاية. لذا فإن عدد الاختبارات وعدد الحالات المؤكدة ربما يكشف عن حالات أكثر اعتدالا كنسبة من الحالات الإجمالية، وهذا قرار مهم".
وبحسب واحدة من النظريات، فإن الاعتقاد هو أن البلدان الأخرى قد تكشف فقط عن الحالات الأكثر اعتلالا من "كوفيد 19"، ومن المرجح أن تموت نسبة أكبر منهم، لكن معدل الوفيات في ألمانيا "قد تم تخفيضه" بشكل فعال، لأن أرقام الإصابات المسجلة يأخذ في الاعتبار العديد من الحالات الخفيفة التي لم تسجل في دول أخرى.
ويقود هذا السؤال مباشرة إلى قلب المجهول في أزمة فيروس كورونا الجديد، وهو: كم عدد الأشخاص الذين أصيبوا لكنهم لا يعرفون ذلك؟
بالتأكيد، فإن الاقتراب من هذا الرقم سيوفر للخبراء والمسؤولين فكرة أفضل عن مدى فداحة تفشي المرض، في ألمانيا أو إيطاليا على سبيل المثال.
ولعل السبب الذي يجعل الخبراء يتوخون الحذر من الإشادة بألمانيا هو أنه تم إجراء العديد من الاختبارات على المرضى الذين يعانون من حالات خفيفة أو حتى أعراض، أي أولئك الأشخاص الذين قد تتدهور حالتهم الصحية في الأيام والأسابيع المقبلة.
من ناحية ثانية، قد تكون البيانات أكثر "تطرفا" بسبب الطريقة التي تجري بها ألمانيا وإيطاليا فحوصات ما بعد الوفاة.
وأوضح الأستاذ في معهد علم الأوبئة والقياس البيولوجي الطبي بجامعة أولم، ديتريش روثنباكر، ذلك بالقول: "يختبر الإيطاليون الأشخاص المتوفين الذين ظهرت عليهم أعراض معينة ويدخلونهم في الإحصاءات. إنه سيناريو معقد"، لكنه يشدد على ضرورة "الحصول على أرقام قابلة للمقارنة" قبل إجراء مقارنات بين الدول.
العامل المحتمل الآخر هو أن معظم حالات الإصابة في ألمانيا كانت بين الشباب، حيث بلغ متوسط عمر المصابين فيها 47 عاما، مقارنة بـ63 عاما في إيطاليا.
ومع ذلك، ثمة خوف في ألمانيا من أنه إذا بدأ الوباء في الانتشار بين كبار السن، فقد تشهد البلاد أيضا ارتفاعا في أعداد الوفيات.