وزير التربية للمعلمين: أنتم أساس نجاح العملية التعليمية
جو 24 :
كتب وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور تيسير النعيمي - تظهر صلابة أي نظام تعليمي وتماسك عناصره في الأزمات الاستثنائية غير المتوقعة، ويعتمد صمود الأنظمة الحيوية ومنها التعليم أمام مثل هذه الأزمات على المرونة في الإجراءات والقرارات التي تجنبها الاستكانة والجمود. فإلى جانب اكتساح أدوات تكنولوجيا التعليم بأنواعها ومستويات تفاعلها العالم خلال الأسابيع الماضية، كان لهذه المرحلة عنوان حتمي هو التشاركية الحقيقية التي يكون فيها للمعلم ومدير المدرسة والوالدين دور محوري لاستمرارية التعليم. وقد قدمت وزارة التربية والتعليم بعد قرار تعليق دوام المؤسسات التعليمية في ظل هذه الأزمة محتوى تعليميا مطورا بخبرات وجهود أردنية، يوفر الحد المناسب من المعرفة والمهارات في ظل ظروف استثنائية وعملت بشعار "التعليم مستمر".
إن التماسك المجتمعي في الأردن الذي نفخر به - الذي يشكل المعلم جزءًا أساسيًّا منه- يضع المعلم أمام مسؤولية تربوية واجتماعية تجاه طلبته وذويهم، ولتمكينه من القيام بهذا الدور على أكمل وجه، يحتاج المعلم إلى منظومة من المعارف والمهارات اللازمة لإنتاج المعرفة، ونقلها، وتوظيفها في التعليم والتقييم والتواصل، فالتكنولوجيا التي تعاظم دورها في التعليم والقطاعات الأخرى في ظل الأزمة الراهنة لم تغير فقط أساليب التعليم وإنما حفزت المعلمين على التحول في أدوارهم من نقل المعرفة إلى إنتاجها، ومن التلقين إلى التنظيم والدعم والتوجيه والتقييم. وإيمانًا من وزارة التربية والتعليم بإن جوهر التعليم ليس التكنولوجيا وإنما التدريس وحالة التملك والمشاركة في التفاعل مع تعلم طلبتنا في هذه المرحلة الاستثنائية، عن طريق التواصل والإجابة عن استفساراتهم وإعداد المحتوى الإلكتروني لتعليمهم وتقييم تعلمهم لأجل التعلم، قامت الوزارة وبمشاركة فاعلة مع شركائها في الوطن الأغر بتصميم برنامج تدريبي استثمر خبرات معلمينا ومدربينا لضمان نجاح عملية التعليم عن بعد، يركز هذا البرنامج على جملة من المهارات والكفايات، ويشمل البرنامج الذي يتكون من تسعين ساعة تدريبية المحاور الآتية: أدوات التعليم وغيرها من أدوات التكنولوجيا الحديثة، ومبادئ وإستراتيجيات وتطبيقات تكنولوجيا التعليم، والتعليم المتمازج، والصف المعكوس، وعلم بثقة، والتدريس التأملي، ولهذا الغرض أنشأت الوزارة منصة خاصة أسمتها "المعلمون.الاردن": Teachers.gov.jo.
وقد كان المعلم الأردني على الدوام مبادرًا في التواصل الأكاديمي والإنساني مع طلبته وذويهم، كما كان للمبادرات الفردية أثر عظيم على الصعيد التربوي التعليمي وعلى الصعيد المجتمعي، ولنا في التربوية الفاضلة المرحومة "فاطمة مسلم" أنموذجًا في العطاء سيبقى حيًّا وخالدًا؛ إذ حرصت – رحمها الله- على تحفيز معلماتها والتواصل مع طلبتها وذويهم، وهي تصارع المرض إلى أن أسلمت الروح مؤمنة باستدامة رسالتها التعليمية، ومتمثلة أخلاق مهنتها قولًا وفعلًا. ومثلها المعلمة روان حمودة من مدرسة الأمل للتربية الخاصة –تربية الزرقاء الأولى التي بادرت إلى إنشاء قناة عبر يوتيوب لبث الحصص لطلبتها في مادة الرياضيات، وغيرهن الكثير من المعلمات والمعلمين.
واليوم، لا تختلف الرسالة الدولية للتربويين في كل مراحل التعليم وفروعه عن رسالتنا الوطنية، فعلينا جميعًا أن نكون شركاء إيجابيين وحقيقيين وفاعلين في هذه الأزمة مستفيدين من المزايا العديدة التي تمنحها التكنولوجيا لكل القطاعات الحيوية ومنها التعليم، حيث يحاول العالم أن يتجاوز تحديات هذه الأزمة بسد الفجوات، ومنها الفجوات التدريبية في فترة إغلاق المؤسسات التعليمية. ولا بد من التأكيد هنا أن مفتاح نجاح التعليم ليس في التكنولوجيا بحد ذاتها، وإنما في البيداغوجيا المقترنة بقدرة التربوي على تملك أدواتها ومزاياها وقوتها وانتشارها في مثل هذه الظروف الاستثنائية. وفي خضم ذلك يبقى التحدي ماثلا كيفية تعزيز العلاقة والتفاعل بين المعلم والمتعلم وليس في توفير المحتوى الالكتروني فقط.
إن التكنولوجيا تساعد على توسيع نطاق التعاون، وتبادل الخبرات بين المعلمين والإدارات المدرسية المنتشرة في مساحات جغرافية واسعة، بحيث تصبح هذه المجموعات المهنية والاجتماعية أكثر قربًا، ويسير التعلم بصورة أفضل في بيئات تفاعلية ينعم بها الجميع بصحة نفسية وجسدية. وفي الأزمات المشابهة لأزمة كورونا غالبًا ما تظهر على الأطفال والشباب مظاهر القلق والاضطراب ناتجة عن التغير المفاجئ في نمط الحياة، وانقطاع الفرد عن الجماعة من الأصدقاء والزملاء والمعلمين والمدرسة، بالإضافة إلى القلق الناتج عن التحول في أسلوب التعليم والتقييم، وهنا تظهر إيجابيات منهجية التعليم عن بعد، وتوظيف أدوات التكنولوجيا للتفاعل مع الطلبة والتقليل من انعكاسات الأزمة وتبعاتها عليهم. ولعل جائحة فيروس كورونا المستجد عالميا وتداعياتها على النظم التعليمية أعادت تذكيرنا جميعا بالوظيفة الانسانية للمدرسة.
إن النمو المهني المستمر للمعلم يعد ضرورة تقتضيها طبيعة عمله والظروف المحيطة به، فمهما بلغ ما يملكه من معارف ومهارات ومهما تنوعت أساليب التدريس التي يوظفها في العملية التعليمية، فهذا لا يُلغي أو يقلل من حاجته إلى النمو المهني سواء أكان بالجهد الذاتي الذي يبذله أم بالبرامج التدريبية التي تقدمها الوزارة. إننا ندرك أن نجاح أي برنامج تدريبي يعتمد على رغبة المعلم في المشاركة فيه ودافعيته نحوه. ولأن المعلم الأردني تميز بحرصه على النمو المهني واهتمامه بالاطلاع على كل ما هو جديد في العملية التعليمية، فإن وزارة التربية والتعليم لتأمل بمشاركة الزملاء المعلمين والمعلمات كافة في البرنامج التدريبي لضمان نجاح عملية "التعليم عن بعد" بكافة عناصرها.
وفي الوقت الذي يوصف فيه تعامل المملكة الأردنية الهاشمية مع هذه الجائحة المفاجئة بأنه تعامل احترافي وعلى مستوى عال من المسؤولية واتخاذ التدابير وتأمين البدائل المناسبة لانسيابية الحياة والتعاطي مع المعطيات الصعبة فإن أملنا كبير بالزملاء المعلمين والمعلمات وهم القدوة ومربو أجيال المستقبل أن يكونوا على أتم استعداد للمحافظة على أن يبقى التعليم في وطننا أولوية لا تقل عن أولوية الصحة والسلامة المنشودة في أرجاء الوطن، وأن يقبل المعلمون والمعلمات حاملو الرسالة السامية على إتقان مهارات التعليم عن بعد بالتدريب المخصص لذلك؛ لما يمتاز به من ميزات إيجابية تسهم في مواجهة التحديات ومواكبة التطورات الحديثة في تقنيات التعلم والتعليم التي ستصبح في العاجل القريب من بدهيات الحياة التعليمية، وتسهم في بناء مدرسة المستقبل القائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.
وبما أن هذه الأزمة اجتاحت العالم بشكل مفاجئ وسريع، وما زالت حيثيات مداها الزمني ضبابية، فإن الأنظمة التعليمية لم تطور بعد نموذجًا مثاليًّا لمواجهتها، وهذا يتطلب إضافة إلى التشاركية درجة عالية من المرونة والقدرة على التكيف بحيث يبقى زخم التعليم مستمرًّا، والحالة الصحية والنفسية للطلبة والشباب مستقرة. ومهما طالت الأزمة أو قصرت سيبقى المعلم مكرسًا حياته لمساعدة الجيل القادم على تحقيق أحلامهم وصناعة مستقبلهم.
وأختم موجهًا حديثي للزملاء المعلمين والمعلمات فأقول: أنتم أساس نجاح العملية التعليمية، بعزمكم تسير وبهمتكم ترتقي، وكلنا أمل بمشاركة فاعلة في هذا البرنامج التدريبي .
وفقنا الله جميعا لخدمة وطننا الحبيب في ظل سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، وحمى الله الأردن وشعبه من كل مكروه.