العودة للأحكام العرفية ونقطة الصفر
المحامي معاذ وليد ابو دلو
جو 24 :
نظرا للظروف التي تمر بها البلاد ،وبعد تنسيب مجلس الوزراء للجلالة الملك بتفعيل قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 صدرت الاردة الملكية بذلك ،استنادا لنص المادة 124 من الدستور .
ألقى مجموعة من الأشخاص خطابات التنظير كل منهم وضعها في قالب يحب أن ينتمي أليه وليطرح بجانب أسمه كلمة الخبير في الشؤون الإقتصادية .. القانونية .. السياسية .. وجميعهم يطالبون تفعيل الأحكام العرفية ضاربين بعرض الحائط ما تم تأسيسه وترسيخه من مبدأ سيادة القانون ، وعليه تحتم عليّ أن أبين المقصود بالأحكام العرفية ومتى يمكن اللجوء إليها وذلك من خلال إستعراض نص المادة ١٢٥ من الدستور الأردني والتي جاء فيها ( في حالة طوارئ خطيرة يعتبر معها ان التدابير والاجراءات بمقتضى المادة السابقة "اي ١٢٤ المتعلقة بقانون الدفاع "من هذا الدستور غير كافية للدفاع عن المملكة فللملك بناء على قرار مجلس الوزراء ان يعلن بارادة ملكية الاحكام العرفية في جميع انحاء المملكة او في آي جزء منها
اما الفقرة /٢ عند اعلان الاحكام العرفية للملك ان يصدر بمقتضى ارادة ملكية أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لاغراض الدفاع عن المملكة بقطع النظر عن احكام أي قانون معمول به ويظل جميع الاشخاص القائمين بتنفيذ تلك التعليمات عرضه للمسؤولية القانونية التي تترتب على اعمالهم ازاء احكام القوانين الى ان يعفوا من تلك المسؤولية بقانون خاص يوضع لهذه الغاية )
وحيث أنّ نص المادة المشار إليها يوضح ماهية الحالة التي من الممكن اللجوء بسببها إلى تفعيل الأحكام العرفية ، ولما كانت قد صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على تفعيل قانون الدفاع رقم (١٣) لسنة (١٩٩٢) وذلك من أجل مواجهة الوباء الحالي والتي تتيح لرئيس الوزراء صلاحيات حصرية تتضمن في طياتها تعطيل بعض الحقوق والحريات العامة لا سيما حق التنقل ، وكون أنّ مواجهة هذا الوباء عالمياً إتخذ صورة الحجر المنزلي وحظر التجوّل داخل الدولة فإن ذلك يقودنا للقول بإنّ كافة التدابير المتخذة من قبل الحكومة كافية لمواجهة حالة الطوارىء الناجمة عن الوباء، وقد قامت بواجبها من خلال الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة والكوادر الطبية والادارية والفنية وأبدعت لغاية الان في إدارة الملف من الناحية الصحية ، وعليه فإن القول بتفعيل نص المادة ١٢٥ الخاص باعلان الأحكام العرفية يشكل تجاوز من المنظريين يُشرع للحكومة طريق التغوّل على أحكام الدستور ويزيل الثقة الشعبية التي إستطاعت الحكومة إكتسابها منذ بدء الأزمة.
إنّ تفعيل الأحكام العرفية دون داعِ كما هو الحال في الوقت الراهن يخالف التوجهات الملكية فالتدقيق على ما أمر به جلالة الملك من توجيهات عند تطبيق قانون الدفاع بحماية الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين يتضح أنه كان من أشد الحريصين على هذه الحماية بل وقد كانت أوامر جلالة الملك واضحة وقيدت صلاحيات رئيس الوزراء الواردة في قانون الدفاع وسمح بتطبيق قانون الدفاع بأضيق نطاق لمواجهة الأزمة وهذا إن دل على شيء يدل على أنّ جلالة الملك أكد وبجدارة على أنه حامي الدستور ، فمن أين يأتي هؤلاء الأشخاص بفكرة تطبيق الأحكام العرفية ؟!!
والتي ستحرم المواطن من أبسط الحقوق والحريات وتؤدي إلى تغييب المنظومة التشريعية برمتها وهدم مبدأ الفصل ما بين السلطات .
ومما لا شك فيه أنّ الأوضاع الإقتصادية السيئة كانت وما زالت تشكل عبء كبير على المواطن والدولة الاردنية ويعلم الجميع أنّ الوباء الحالي سيؤثر حتما وبالسلب على مستقبلنا الاقتصادي وحتى الاجتماعي بعد زوال هذه الغمة باذن لله ، إلا أنّ مواجهة التحديات الإقتصادية لا يكون بمحو المنظومة التشريعية وسيادة القانون وتعطيل الدستور والعودة إلى نقطة الصفر فقانون الدفاع كافي لمواجهة هذه التحديات ، وقد بدأ جلالة الملك خلال هذه الأزمة بتوجيه الحكومة لدارسة الموقف وتقديم الحلول الإقتصادية وأبدى رئيس الوزراء أنّ الحكومة تعمل وتخطط من أجل مواجهة الأثار المستقبلية للوباء على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي ، إلا أنّ ما زرعناه منذ سنوات من تطور بالحياة المدنية والسياسية والإجتماعية على الرغم من متلازمة الفقر والبطالة لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن نتنازل عنه الان، لذا فالذي يطالب بتفعيل الأحكام العرفية يهرف بما لا يعرف ......من الناحية القانونية وحتى السياسية، ويمارس التنظير غير المجدِ بل والضار بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية للمواطنين .
حفظ الله الاردن وشعبه وقيادته