jo24_banner
jo24_banner

شباب غزة معاناة مستمرة وإصرار على البقاء

شباب غزة معاناة مستمرة وإصرار على البقاء
جو 24 :
غزّة/ فادى منصور - في تمام الساعة السادسة صباحًا، ومع خيوط الشمس الذهبية التي تتسلل من شرفة نافذته، يتجهز أمجد من أجل الذهاب لجامعته، لكنّه ذاهب لها عاملاً وليس طالبًا، بعدما أصبح بائعًا على بوابتها، يبدأ بترتيب بعض الأدوات التي تساعده على العمل من خلال عربة يدفعها بيديه سيرًا على الأقدام.
" خريج ميكروبيولوجي"، عبارة خطها باللون الأحمر على عربته المصطفة أمام بوابة الجامعة، والتي وضع عليها إبريق شاي وآخر للقهوة، وعلى أنغامٍ فيروزية وقليل من الابتسامة المصطنعة بدأ يومه.
الشاب أمجد مقداد 28" عامًا"، يسكن في قطاع غزّة، خريج لقسم الميكروبيولوجي من أحد الكليات العلميّة التابعة للجامعات الفلسطينيّة في غزّة.
تخرج وكله أمل أن يشق طريقه المهني بناءً على تخصصه العلمي؛ الذي انتظره بفارغ الصبر بعد جهد وسهر وانفاق للمال، من أجل الحصول على معدل يمكنه من العمل بتخصصه، أربع سنوات كانت محصلتها فقط مسمى "خريج".
يقول أمجد: "تخرجت من الجامعة وأنا أحمل شغف العمل بتخصصي بعد عناء طويل في إمكانيّة تأمين القسط المالي للجامعة، بالإضافة لجهد الدراسة، لكن للأسف ما ظنه حقيقة كان سرابا وخيالا،فقد سجلت أعداد الخريجين من الجامعات الفلسطينيّة في قطاع غزّة عام 2018، قرابة "ثلاثين ألف طالب".
يضع إبريق الشاي جانبا ويضيف: "بحثت عن فرصة لإمكانيّة العمل في المختبرات الطبيّة ولم أجدها، فاندفعت للتطوع في الإغاثة الطبيّة، لكن بعد وقت ليس بقصير، اضطررت للتوقف عن التطوع بسبب الحاجة لدخل مادي، حتى أتمكن من العيش والانفاق على أسرتي في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعاني منه سكان القطاع".
لقد جعل الواقع المؤلم أمجد يتخلى عن حلم العمل بتخصصه، ليتنقل بين مهن مختلفة فعمل في البناء، ثم البيع في مجال الخضروات، وها هو اليوم يقف على عربة صغيرة لبيع القهوة والشاي بين طلاب الجامعة الذين كان واحدا منهم .

حال أمجد ليس ببعيد عن الكثير من الخريجين الذين لم يستطيعوا العمل من خلال شهاداتهم العلميّة، والذين شكلوا في صفوف البطالة نسبة 55%، حسب مركز الإحصاء الفلسطيني فتدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزّة كان المسبب الأكبر لازديادهم.
بتنهيدة باحت بحجم الألم في قلبه يكشف أمجد أنّه قام وزميل له بوضع عربة أمام الجامعة التي تخرج منها "الأزهر" كدلالة على صعوبة الحصول على فرصة للعمل بتخصص الأحياء الدقيقة، "منا من يعمل بالنجارة والآخر في الحدادة"، ففرصة التمكن من العمل بذات المجال باتت شبه مستحيلة.
ويشير أمجد إلى أنَّ كل من يعمل في مجال تخصص الأحياء الدقيقة من الخريجين يكون لدى والده أو أحد أقاربه مختبر طبي وهي نسبة قليلة.
جلوس أمجد طوال النهار على عربة لبيع المشروبات الساخنة، لم يكن سهلًا على نفسيته، "إنني مستاء جدًا ولست مرتاحًا نفسيًا من هذه الحالة التي أعيشها، أنا خريج أبيع قهوة وشاي بأي قانون، ومثلي المئات من زملائي" قالها أمجد بألم.
ويأمل أمجد أن تتغير أوضاع المعيشة في غزّة لكي تتحقق أحلامه التي باتت شبه مستحيلة،في ظل حالة من اللامبالاة من قبل المسؤولين.

بين الأموات بحث عن رزق:
عطا المصري يبلغ من العمر 30" عامًا"، كان أحد العاطلين عن العمل، بعد أن فقد الاستمرار في مهنة الخياطة، ليلجأ إلى عمل آخر إنّه رعاية القبور في المقبرة الشرقية التي تحد السياج الأمني الإسرائيلي المؤقت لقطاع غزّة، يتجول عطا شرقًا وغربًا بين القبور، ولبرهة من الزمن يحاول عطا إقناع شخص ما بغسيل قبر ذويه، لم يطل الحوار بينهما بعد أن نجح بالسماح له مقابل دولار واحد فقط.
يقول عطا: إنّ أسرته تتكون من خمسة أفراد ولا بد من توفير القليل من المال لكي يستطيع أن يلبي لهم مقومات المعيشة البسيطة وإن كانت مقتصرة على الطعام فهذه نعمة.
كل فصول العام كانت تسير باتجاه اللعنة، فلا الصيف يلقي بظلاله ولا الشتاء يقلص من برده ليرحم عظام عطا، لكن حتمية العمل وضرورته تجبره على أن يتغلب على كل تلك الصعاب، "لازم أتحمل لأن الطفل ما بيعرف لغة ما معي" يقول عطا.
عطا الذي يتصبب العرق من وجهه شرح لنا تعرضه لحالة الإذلال والاستغلال من قبل بعض الأشخاص، وكيف يتم التعامل معه على أنّه لاشيء، لكن عدم وجود البديل جعله يتحمل كل ما قد يمر به من صعوبات وآلام جسمية ونفسية.
ويأمل عطا أن تعود المصانع الفلسطينيّة للعمل من جديد من خلال تحسن الوضع الاقتصادي وتوفير فرص عمل لكل العاطلين في غزّة.
الجدير بالذكر أنّ قرابة ألف مصنع للخياطة باتت عاطلة عن العمل، والسبب لذلك عدم إمكانية التصدير خارج غزّة بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
أسباب المعانة
لا شك أن الأوضاع المعيشية في غزّة باتت واضحة من خلال التراجع الملحوظ في كافة قطاعتها الاقتصاديّة، والتي انعكست سلبًا على فرص العمل المتوفرة في الأسواق المحليّة، وكان هذا السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الخرجين والعمال.
إحصائيات رسمية تحدثت عن وصول معدلات الفقر إلى 80%، واشارت لارتفاع البطالة في صفوف الخرجين والعمال، في الوقت الذي بات أغلب سكان غزّة معتمدين على المساعدات الإنسانية التي يتلقونها من قبل بعض المانحين في الدول الخارجيّة التي بدأت متقلصة بالآونة الأخيرة، أو من خلال وكالة إغاثة تشغيل اللاجئين "أونروا" التي تعاني من أزمة ماليّة قدرت بحوالي 89 مليون دولار في غزّة.
ويؤكد مختصين أنّ الاحتلال الإسرائيلي كان المسبب الرئيسي لحالة الفقر التي يعيشها سكان قطاع غزّة وازدياد حالات البطالة بين الخرجين والعمال في ظل انعدام الخدمات التشغيلية المحلية بسبب انقطاع التصدير ومنع الاحتلال لدخول المعدات اللازمة للمصانع التشغيليّة.
ولكن السلطة الفلسطينيّة كانت سببًا في ذلك فانقطاع نسبة من رواتب موظفيها زاد حالة التردي للوضع الاقتصادي الذي يعاني منه سكان غزّة، بالإضافة لحالة الانقسام الذي يعيشه الشعب الفلسطيني جعل حالة من الانقطاع بين شقي الوطن وتراجع التوظيف الحكومي داخل مؤسسات الدولة، على اعتبار التوظيف للموالين لبعض التنظيمات الفلسطينيّة فقط.
ويرى مختصون أنّ انسحاب عدد كبير من المؤسسات الدوليّة والعربيّة من غزّة الذي يرزح تحت الحصار الإسرائيلي منذ منتصف عام 2007، إلى التقليص الكبير في التمويل للمشاريع التشغيلية كان سببها حالة عدم التوافق الفلسطيني بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.
 

تابعو الأردن 24 على google news