من اينيسكيلين إلى موسكو .. أشهر «الحسوم» الثلاثة
عريب الرنتاوي
جو 24 : اتفق الزعيمان الأمريكي والروسي على نقطة واحدة فقط: إرجاء البحث في القضية السورية حتى سبتمبر/أيلول القادم..من الآن وحتى موعد اللقاء الثاني بين الرجلين في موسكو، سيكون التفاوض بين العملاقين بـ”النار”، وعبر مروحة واسعة من الوكلاء والوسطاء، السوريين والإقليميين والدوليين، وسيعمد كل منهما على “اقناع” الآخر، بأن استمراره على مواقفه بات أمراً مستحيلاً..المعركة الآن على الأرض، وليست على موائد التفاوض، والكلمة العليا للرصاص والصواريخ والسيارات المفخخة، وليس للدبلوماسية و”الغرف المغلقة”.
اللغة تغيرت بتغير المواقف والمواقع والسياسات..واشنطن لن تسمح بهزيمة المعارضة، حدها الأعلى اسقاط الأسد، وحدها الأدنى “استعادة التوازن” الذي اختل في ضوء نتائج معركة القصير..في المقابل روسيا لن تسمح بهزيمة النظام، وهي مستعدة للالتزام بمنع “فرض منطقة حظر جوي” بعد أن كانت تنظر لهذه المنطقة، بوصفها “عقبة على طريق جنيف 2” لا أكثر.
من الآن وحتى أيلول القادم على أقل تقدير، ستتحول سوريا إلى ساحة لسباق التسلح، سيتدفق المقاتلون بالآلاف على ضفتي الخندق المذهبي (ومختلف الخنادق) لمواجهة معارك الحسم و”الأيام الحسوم”..لن يبخل الحلفاء الكبار على المقاتلين بأجود أنواع السلاح وأكثرها فتكاً و”حداثةً”..لن يبخلوا عليهم بالمال الحلال والحرام..ستحتدم المعارك في قلب حمص وحلب ودرعا وعلى تخومها و أريافها..سينشط الانتحاريون في تلبية “نداء الواجب”، وسيكثف حزب الله وحلفاؤه “جهاد الواجب”، وقد يصبح فرض عين وليس فرض كفاية..ستنفجر السيارات المفخخة في كل مكان، وسيعم القتل المذهبي مناطق عديدة من سوريا، وربما تتطاير شراراتها وشظاياها شرقا (العراق) وغرباً (لبنان) وجنوباً (الأردن) وشمالاً (تركيا)..إنها أشهر الحسم الثلاثة، ومن يخرج منها منتصراً، أو على الأقل “محتفظاً بوزنه وتوازنه” قد يجد له مقعداً “وثيراً” على مائدة “جنيف 2”، إن قُدّر لهذا المؤتمر أن يرى النور، في نهاية هذه “المُهلة” الدامية.
الفرز يزداد عمقاً واتساعاً، وهو كشفرتي المقص، كلما تباعدتا، إحداهما عن الأخرى، كلما ازدادت خطورتهما، وكلما تعاظمت قدرتهما على “القطع” و”البتر” و”الإدماء”..ويوماً إثر آخر، يتخلى المترددون عن ترددهم، ويُطَلّق المزيد من العقلاء، عقولهم..وتذهب دول وحكومات وأفراد وجماعات، إلى حيث لا يريدون ولا يتمنون.
حماس (من ضمن الإطار الإخواني الأوسع)، خرجت عن بقايا ترددها، خاطبت حليفها السابق وداعمها الرئيس: حزب الله، بمضمون الرسالة ذاتها، التي وجهها للحزب، كل من محمد مرسي ويوسف القرضاوي: أخرجوا من لبنان، فقد فتح تدخلكم الباب للفتنة الكبرى..ولا شك أن موقفاً كهذا، سيجري تلقفه من عواصم إقليمية ودولية، ترغب في تكريس انتقال حماس، من خندق المقاومة إلى خندق “التسول والتوسل”، وبصورة لا رجعة فيها على الإطلاق.
نوري المالكي، الذي يعرف تماماً حكاية “الثور الأبيض الذي أكل يوم أكل الثور الأسود”، لم يجد حرجاً في دعوة “فقهاء الظلام” للإفتاء بالجهاد ضد إسرائيل، بدل الجهاد ضد “الروافض والنصيريين”، مقامراً بذلك بعلاقاته المتوازنة التي نجح في نسجها ما بين واشنطن وطهران، بل ومجازفاً باستعداء واشنطن و”اللوبي إياه”، وجوقة واسعة من الحلفاء والأعوان والمخبرين، ضد الرجل الذي لم تكن تنقصه المشاكل في بلده، ليفتحها على نطاق واسع، مع بعض دول الإقليم ولاعبيه واللاعبين فيه..لكن الرجل تصرف كما لو كان ظهره للجدار، ومن على قاعدة “لا بُدَّ مما ليس منه بُدُّ”، فهامش المناورة تقلص، والتطورات في الإقليم تتجه للحظة “من ليس معنا فهو ضدنا”.
هي الحرب الباردة، تعود بكل مفرداتها وتحالفاتها وأجوائها..روسيا تواصل دور الاتحاد السوفياتي القديم..واجتماعات الثمانية الكبار (والعشرين الكبار)، تستبدل قمم الأمن والتعاون الأوروبي والقمم السوفياتية –الأمريكية..”معسكر المقاومة والممانعة” يحل محل معسكر “حركات التحرر الوطني” في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته..أما معسكر “الرجعيات العربية”، فيحل محله “محور الاعتدال العربي”..فيما الحركات الإسلامية من سلفية وإخوانية، تسترد تحالفات الحرب الباردة، وتصطف تحت مظلة “الاعتدال” وتحت الراية الأمريكية..أما إسرائيل، فهي في المرتين، ركن ركين من التحالف “الغربي- الرسمي العربي- الإسلاموي”، وإن كانت “الغائب الأكثر حضوراً”، من بين جميع الحاضرين في خنادق هذا المحور ومعاركه.
أشهر ثلاثة، كفيلة بمعرفة قدرة النظام في دمشق على “الممانعة والمقاومة” في وجه محاولات اسقاطه وتغييره هذه المرة..وهي فترة كافية للحكم على مستقبل المعارضة السورية وقدرتها على التماسك كما يراهن حلفاؤها، أم ستظل سائرة في طريق التفسخ والتشظي الذي ما توقفت عن السير عليه، هل ستخرج بهوية وطنية جامعة ومشروع مشترك لمستقبل سوريا والسوريين، أم أنها ستتحول إلى “اسم حركي” للجماعات الجهادية من شتى المدارس والأجناس والملل والنحل..هل سيبقى أردوغان “سلطان تركيا غير المتوّج” وتستكمل قطر إجراءات نقل السلطة من الأب لابنه، أم أن الرجلين سيخرجان من المسرح السياسي، قبل خروج الأسد أو إخراجه.
ثلاثة أشهر كافية، لاختبار معزى انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران من الجولة الأولى، والتعرف عن كثب على “الروحانية”، وهل هي مرحلة جديدة في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية، أم أنها امتداد دبلوماسي ملطف لـ”ولاية الفقيه” واستراتيجية الدولة الإيرانية ومصالحها العليا التي لا تتبدل بتبدل الأشخاص، كما يقول كثيرون..وسيتضح أكثر فأكثر، ما إذا كانت إيران / روحاني، ستحافظ على التزامات ومسارات وطموحات إيران / نجاد، بدءاً من سوريا وانتهاءً ببرنامجها النووي، أم أن قاعدة “لكل شيخ طريقته” ستفعل فعلها.
ثلاثة أشهر ستكون كافية على ما يبدو، لمعرفة ما إذا كان “نظام القطب الواحد” قد أخلى مكانه لنظام “القطبين” أو “التعددية القطبية”، أم أن الأمر برمته مجرد “أضغاث أحلام” أو “تفكير رغائبي” في أحسن الحالات..ألم يخسر صدام حسين الكويت والعراق وعائلته وحياته جراء خطأ قاتل في الحساب، اقترفه في لحظة انتقال العالم من نظام الحرب الباردة إلى نظام القطب الواحد؟!..فهل يكرر بشار الأسد الخطأ ذاته، ظناً منه أن العالم قد دخل فعلاً في “نظام القطبين” أو “التعددية القطبية”، أم أن الرجل قد يصيب في تقديراته التي طالما تحدث عنها وراهن عليها، وأن العالم قد “طلّق”فعلاً نظام الأحادية القطبية، ودخل من دون أن يدري كثيرون، مرحلة “التعددية القطبية”، فينجو بنفسه وعائلته ونظامه وما تبقى له من حطام سوريا؟.
أشهر “حسوم” ثلاثة، كفيلة بـ”القطع” و”الجزم”، بيد أنها ككل المُهل الزمنية في عالم الحرب والسياسة والدبلوماسية، ليست مُهلاً مقدسة، وهي تظل على الدوام، من النوع القابل للتأجيل والتمديد والتجديد، وأحسب أن هذا هو الجزء الأكثر سوداوية من صورة الوضع السوري المتردي.
(الدستور)
اللغة تغيرت بتغير المواقف والمواقع والسياسات..واشنطن لن تسمح بهزيمة المعارضة، حدها الأعلى اسقاط الأسد، وحدها الأدنى “استعادة التوازن” الذي اختل في ضوء نتائج معركة القصير..في المقابل روسيا لن تسمح بهزيمة النظام، وهي مستعدة للالتزام بمنع “فرض منطقة حظر جوي” بعد أن كانت تنظر لهذه المنطقة، بوصفها “عقبة على طريق جنيف 2” لا أكثر.
من الآن وحتى أيلول القادم على أقل تقدير، ستتحول سوريا إلى ساحة لسباق التسلح، سيتدفق المقاتلون بالآلاف على ضفتي الخندق المذهبي (ومختلف الخنادق) لمواجهة معارك الحسم و”الأيام الحسوم”..لن يبخل الحلفاء الكبار على المقاتلين بأجود أنواع السلاح وأكثرها فتكاً و”حداثةً”..لن يبخلوا عليهم بالمال الحلال والحرام..ستحتدم المعارك في قلب حمص وحلب ودرعا وعلى تخومها و أريافها..سينشط الانتحاريون في تلبية “نداء الواجب”، وسيكثف حزب الله وحلفاؤه “جهاد الواجب”، وقد يصبح فرض عين وليس فرض كفاية..ستنفجر السيارات المفخخة في كل مكان، وسيعم القتل المذهبي مناطق عديدة من سوريا، وربما تتطاير شراراتها وشظاياها شرقا (العراق) وغرباً (لبنان) وجنوباً (الأردن) وشمالاً (تركيا)..إنها أشهر الحسم الثلاثة، ومن يخرج منها منتصراً، أو على الأقل “محتفظاً بوزنه وتوازنه” قد يجد له مقعداً “وثيراً” على مائدة “جنيف 2”، إن قُدّر لهذا المؤتمر أن يرى النور، في نهاية هذه “المُهلة” الدامية.
الفرز يزداد عمقاً واتساعاً، وهو كشفرتي المقص، كلما تباعدتا، إحداهما عن الأخرى، كلما ازدادت خطورتهما، وكلما تعاظمت قدرتهما على “القطع” و”البتر” و”الإدماء”..ويوماً إثر آخر، يتخلى المترددون عن ترددهم، ويُطَلّق المزيد من العقلاء، عقولهم..وتذهب دول وحكومات وأفراد وجماعات، إلى حيث لا يريدون ولا يتمنون.
حماس (من ضمن الإطار الإخواني الأوسع)، خرجت عن بقايا ترددها، خاطبت حليفها السابق وداعمها الرئيس: حزب الله، بمضمون الرسالة ذاتها، التي وجهها للحزب، كل من محمد مرسي ويوسف القرضاوي: أخرجوا من لبنان، فقد فتح تدخلكم الباب للفتنة الكبرى..ولا شك أن موقفاً كهذا، سيجري تلقفه من عواصم إقليمية ودولية، ترغب في تكريس انتقال حماس، من خندق المقاومة إلى خندق “التسول والتوسل”، وبصورة لا رجعة فيها على الإطلاق.
نوري المالكي، الذي يعرف تماماً حكاية “الثور الأبيض الذي أكل يوم أكل الثور الأسود”، لم يجد حرجاً في دعوة “فقهاء الظلام” للإفتاء بالجهاد ضد إسرائيل، بدل الجهاد ضد “الروافض والنصيريين”، مقامراً بذلك بعلاقاته المتوازنة التي نجح في نسجها ما بين واشنطن وطهران، بل ومجازفاً باستعداء واشنطن و”اللوبي إياه”، وجوقة واسعة من الحلفاء والأعوان والمخبرين، ضد الرجل الذي لم تكن تنقصه المشاكل في بلده، ليفتحها على نطاق واسع، مع بعض دول الإقليم ولاعبيه واللاعبين فيه..لكن الرجل تصرف كما لو كان ظهره للجدار، ومن على قاعدة “لا بُدَّ مما ليس منه بُدُّ”، فهامش المناورة تقلص، والتطورات في الإقليم تتجه للحظة “من ليس معنا فهو ضدنا”.
هي الحرب الباردة، تعود بكل مفرداتها وتحالفاتها وأجوائها..روسيا تواصل دور الاتحاد السوفياتي القديم..واجتماعات الثمانية الكبار (والعشرين الكبار)، تستبدل قمم الأمن والتعاون الأوروبي والقمم السوفياتية –الأمريكية..”معسكر المقاومة والممانعة” يحل محل معسكر “حركات التحرر الوطني” في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته..أما معسكر “الرجعيات العربية”، فيحل محله “محور الاعتدال العربي”..فيما الحركات الإسلامية من سلفية وإخوانية، تسترد تحالفات الحرب الباردة، وتصطف تحت مظلة “الاعتدال” وتحت الراية الأمريكية..أما إسرائيل، فهي في المرتين، ركن ركين من التحالف “الغربي- الرسمي العربي- الإسلاموي”، وإن كانت “الغائب الأكثر حضوراً”، من بين جميع الحاضرين في خنادق هذا المحور ومعاركه.
أشهر ثلاثة، كفيلة بمعرفة قدرة النظام في دمشق على “الممانعة والمقاومة” في وجه محاولات اسقاطه وتغييره هذه المرة..وهي فترة كافية للحكم على مستقبل المعارضة السورية وقدرتها على التماسك كما يراهن حلفاؤها، أم ستظل سائرة في طريق التفسخ والتشظي الذي ما توقفت عن السير عليه، هل ستخرج بهوية وطنية جامعة ومشروع مشترك لمستقبل سوريا والسوريين، أم أنها ستتحول إلى “اسم حركي” للجماعات الجهادية من شتى المدارس والأجناس والملل والنحل..هل سيبقى أردوغان “سلطان تركيا غير المتوّج” وتستكمل قطر إجراءات نقل السلطة من الأب لابنه، أم أن الرجلين سيخرجان من المسرح السياسي، قبل خروج الأسد أو إخراجه.
ثلاثة أشهر كافية، لاختبار معزى انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران من الجولة الأولى، والتعرف عن كثب على “الروحانية”، وهل هي مرحلة جديدة في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية، أم أنها امتداد دبلوماسي ملطف لـ”ولاية الفقيه” واستراتيجية الدولة الإيرانية ومصالحها العليا التي لا تتبدل بتبدل الأشخاص، كما يقول كثيرون..وسيتضح أكثر فأكثر، ما إذا كانت إيران / روحاني، ستحافظ على التزامات ومسارات وطموحات إيران / نجاد، بدءاً من سوريا وانتهاءً ببرنامجها النووي، أم أن قاعدة “لكل شيخ طريقته” ستفعل فعلها.
ثلاثة أشهر ستكون كافية على ما يبدو، لمعرفة ما إذا كان “نظام القطب الواحد” قد أخلى مكانه لنظام “القطبين” أو “التعددية القطبية”، أم أن الأمر برمته مجرد “أضغاث أحلام” أو “تفكير رغائبي” في أحسن الحالات..ألم يخسر صدام حسين الكويت والعراق وعائلته وحياته جراء خطأ قاتل في الحساب، اقترفه في لحظة انتقال العالم من نظام الحرب الباردة إلى نظام القطب الواحد؟!..فهل يكرر بشار الأسد الخطأ ذاته، ظناً منه أن العالم قد دخل فعلاً في “نظام القطبين” أو “التعددية القطبية”، أم أن الرجل قد يصيب في تقديراته التي طالما تحدث عنها وراهن عليها، وأن العالم قد “طلّق”فعلاً نظام الأحادية القطبية، ودخل من دون أن يدري كثيرون، مرحلة “التعددية القطبية”، فينجو بنفسه وعائلته ونظامه وما تبقى له من حطام سوريا؟.
أشهر “حسوم” ثلاثة، كفيلة بـ”القطع” و”الجزم”، بيد أنها ككل المُهل الزمنية في عالم الحرب والسياسة والدبلوماسية، ليست مُهلاً مقدسة، وهي تظل على الدوام، من النوع القابل للتأجيل والتمديد والتجديد، وأحسب أن هذا هو الجزء الأكثر سوداوية من صورة الوضع السوري المتردي.
(الدستور)