هل يمكننا العيش من دون تشجيع كرة القدم؟.. علماء النفس يجيبون
لقد مر أكثر من شهر على طمر فيروس كورونا متابعة مباريات كرة القدم من حياتنا. دون سابق إنذار، تسبب تفشي كوفيد-19 في إغلاق الملاعب وشلّ البرامج الرياضية التي كانت تتغنى بالأهداف وباتت الآن تعيد المباريات والأحداث السابقة في انتظار عودة المنافسات.
وخلال فترة التوقف التي قد تطول، تم استبدال طقوس الجماهير للذهاب إلى الملعب لتشجيع فريقها، حل مكانها التصفيق والتلويح بالمقليات (جمع مقلاة) على الشرفات خلال هذا العزل الذاتي في المنازل.
ويوضح عالم النفس الرياضيمارسيلو روفي، الذي عمل مع منتخبي الأرجنتين وكولومبيا، أن الأمر يشبه "الإمساك القسري، مع العلم أن كل شيء سيعود".
وتعليقا عن هذه الأيام الخالية من الكرة، يضيف "يبحث الناس عن أخبار تتحدث عن كرة القدم، يشاهدون الألعاب القديمة على القنوات المختلفة، ويقرؤون الحوارات مع اللاعبين الذين يتحدثون عن يومياتهم في الحجر الصحي.. إنها قنوات صغيرة للتواصل مع كرة القدم، رغم أن الشيء المفقود هو العاطفة".
ويقارن عالم النفس بيلار فاريلا المتابعين الميتمين بفقد كرة القدم بأولئك اللاعبين المحرومين من الممارسة بسبب الإصابات التي أبعدتهم عن الملاعب طيلة عدة شهور، ويقول إن عدد المشجعين المدمرين في الوقت الحالي كبير جدا، "لكن الدوري (الليغا) سيعود".
ويرى الخبراء أن هناك عاملا غير مساعد في الموضوع، وهو عدم تحديد تاريخ محدد لاستئناف المسابقات. ويقول روفي "من المحبط عدم معرفة متى سيعود (الدوري). إذا أخبروك أنه في أول يونيو/حزيران المقبل سيكون لديك شيء يمكنك التمسك به، ولكن ليس لديك هذا اليقين، وهذا مؤلم بالنسبة لعشاق الكرة".
ويحذر روفي من عدم وجود دليل للتعامل مع هذا الوضع، سواء بالنسبة للاعبي كرة قدم محترفين، العاطلين عن العمل الآن، أو بالنسبة لأولئك الذين يستمتعون بمتابعة مباريات الكرة، ويقول "إن ما حدث لنا جديد وهو غير وارد في الكتب، لذلك يجب على علماء النفس الارتجال، وليس هناك خيار آخر".
إن السؤال عما إذا كان بإمكاننا العيش من دون كرة القدم من شأنه أن يثير حفيظة 65% من السكان الذين لا يهتمون للغاية بالحياة اليومية للفرق والمسابقات، ولكن السؤال يبقى مناسبا في هذه الظرفية النادرة.
ويقول بيلار فاريلا "كأن الناس فقدت صديقا جيدا غادرها. بالنسبة للكثيرين، كرة القدم هي سبب للعيش. ربما ليست الأهم، لكنها واحدة من أكثر الأمور إثارة للاهتمام، كما قلت ألف مرة، إنها أكثر بكثير من مجرد عرض ورياضة. إنها متعة، أخوة، تنفيس، إثارة، فرح، غضب، تناقض، روح رياضية، ووحشية. كرة القدم هي أيضا انتماء، وهي الأسرة والمجموعة والهوية".
ويضيف فاريلا، مقتنعًا بأن الهوى الكروي يحدد هوية الفرد، "إذا طلبنا من مجموعة من الأشخاص التعريف بأنفسهم، فلن يفاجئنا أنه بعد سنهم ومهنتهم ووضعهم العائلي، يشير البعض منهم إلى أنهم من مشجعي مدريد أو بلد الوليد أو إنتر ميلان".
ولتغطية الفجوة العاطفية التي يتركها غياب كرة القدم، يلجأ البعض إلى استعادة لحظات النجاح السابقة لفرقهم، وهكذا يستمتع البعض بمشاهدة ريال مدريد عبر التلفزيون لمتابعة فوز فريقهم في النهائي على يوفنتوس وحصوله على الكأس الأوروبية الثانية عشرة، والبعض الآخر يعيد متابعة الأهداف التي سجلها كانوتي لإشبيلية، وآخرون يشعرون بالتوتر عندما يشاهدون إنييستا يسجل هدف الفوز بلقب كأس العالم في جنوب أفريقيا.
ويحافظ الناس بشكل فردي على صلة بأجواء كرة القدم، ولكن هناك أيضًا بعدٌ جماعي تم تعطيله لأن الكرة لا تدور الآن في الملاعب. وهكذا لم تعد محادثات يوم الاثنين، حتى لو كانت افتراضية، منصبة حول نتائج اليوم الأخير من الدوري، ولكن حول فيروس كورونا.
ويقول عالم الاجتماع جاكوبا بلانكو إن وباء كورونا "جعلنا نرى أنه يمكننا العيش لموسم كامل من دون أشياء اعتيادية، أو اعتقدنا أننا بحاجة إليها مثل الخروج لتناول المشروبات أو تناول المقبلات أو متابعة كرة القدم، دون الذهاب إلى أبعد من ذلك".
على الرغم من أن الأمر لا يعني أن الناس يعيشون من دون تلك الممارسات، فإنهم يخلقون بدائل لها، ويحلل بلانكو ذلك قائلا إن "طقوس الشرفات تعطينا إحساسا بالمجتمع واستبدال طقوس المجتمع الرائعة مثل كرة القدم يوم الأحد في الملعب، أو البقاء في المقهى لمشاهدة اللعبة. نستبدل ذلك بالتصفيق عند الساعة الثامنة أو التلويح بالمقليات عند الساعة التاسعة".
ويوضح عالم الاجتماع كيف غيّر الناس "مجتمع كرة القدم بأجواء تلك الشرفات"، ويقول "نحن نلتقي مع جيراننا بدلا من هؤلاء الأصدقاء الذين نلتقيهم كل أسبوعين عندما نذهب إلى الملعب لتشجيع فريقنا. إنها إعادة صياغة التنشئة الاجتماعية الوسيطة، وهي ليست بالضبط علاقاتنا مع العائلة أو الأصدقاء".
في مرحلة ما، ستعود كرة القدم وتحت تأثير الفيروس سنصبح مشجعين أكثر حماسا. ويرى بيلار فاريلا أن الحجر الصحي يتيح للناس فرصة التمييز جيدا بين ما هو كمالي وما هو ضروري، ويقول إن "كرة القدم ليست ضرورية (باستثناء الأشخاص الذين يعملون ويعيشون منها)، ولكن لنكن حذرين، فهي أيضا ليست من الكماليات".
المصدر : مواقع إلكترونية