و"صمة عار" وخوف وقلة ثقة.. صعوبات تواجه العراق في مكافحة كورونا
تعتبر المعتقدات الدينية وعدم الثقة بمؤسسات الدولة والخوف من "وصمة العار" المرتبطة بالمرض والحجر الصحي، من أكبر المشكلات التي تواجه السلطات العراقية في مكافحة فيروس كورونا، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
فقد قال الدكتور وسام كونا، الذي يعمل مع إدارة الصحة الإقليمية في مدينة النجف بجنوب العراق، والذي يقوم بالكشف على العائلات التي عادت من إيران مؤخراً: "أزمة كورونا صعبة للغاية بالنسبة لمجتمعنا".
وأضاف أن والد أحد الأسر توسل إليه ألا يأتي مع زملائه العاملين في القطاع الصحي إلى منزله، قائلاً: "أرجوك لا تقف أمام منزلنا، أشعر بالخجل أمام الجيران، هذا أمر صعب للغاية".
وصمة العار
فالكثير من الناس يتجنبون الخضوع للاختبارات، ويمنعون أفراد أسرتهم الذين يرغبون في إجراء الاختبارات، ويؤخرون الذهاب إلى الطبيب حتى يصل المرض إلى حالة خطرة، بسبب الخوف من "العار".
وأكد العديد من الأطباء العراقيين أن الخوف من المرض والحجر الصحي يفسر سبب انخفاض تعداد الحالات المؤكدة في العراق نسبيا.
وسجلالعراق الذييزيد عدد سكانهعن 38 مليون نسمة حتى الآن، نحو 1352 حالة فقط، على الرغم من إيران الدولة المجاورة لهالتي يبلغ عدد سكانها حوالي ضعف سكان العراق، يتجاوز العدد الرسمي 71 ألف حالة، والمملكة العربية السعودية المجاورة من الجهة الأخرى، التي يقل عدد سكانها عنها، لديها أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الحالات المؤكدة في العراق.
من جانبه، أوضح الدكتور حازم الجميلي، نائب وزير الصحة هذا الأمر، وقال:"صحيح أن لدينا حالات مخفية، وذلك لأن الناس لا يريدون الخضوع للفحص ويخافون من الحجر الصحي والعزلة".
ويعكس ما يسمى " وصمة العار" المرتبطة بالمرض والحجر الصحي في العراق وبعض دول الشرق الأوسط الأخرى، إلى حد كبير المعتقدات الثقافية والدينية، وفقاً للصحيفة الأميركية.
عدم الثقة في الحكومة
مشكلة أخرى تواجه مكافحة تفشي الفيروس وهيعدم الثقة في الحكومة الممثلة بمؤسسات الدولة، والخوف من أن يكون الذهاب إلى المستشفى قاتلاً بالنظر إلى الحالة المتردية لنظام الرعاية الصحية في العراق.
فقد أظهر مقطع فيديو تم نشره على نطاق واسع، مريضات في الحجر الصحي في أحد مستشفيات البصرة مستلقياتبالقرب من بعضهن البعض دون أقنعة، ويسعلن ويطلبن المساعدة عندما توفيت إحداهن.
معتقدات ثقافية ودينية
الدكتور عماد عبد الرزاق، استشاري الطب النفسي في صحة العراق، أرجع السبب إلى اعتقاد البعض أن "الإصابة بالفيروس يعني أن الله غاضب عليهم، أو ربما يكون عقاباً على خطيئة، لذلك لا يريدون أن يراهم الآخرون وهم مرضى".
وأضاف: "بالنسبة للعديد من الناس من العار أن تقول الأنثى أنها مصابة بهذا المرض أو أي مرض، حتى السرطان أو المرض العقلي، والعديد من الناس لا يثقون في النظام الصحي".
ووصلت وصمة العار والخوف من الخطيئة المرتبطة بالفيروس لدرجة أن أسر أولئك الذين ماتوا لأسباب أخرى غير كورونا، تعارض أن تكون جثث ذويهم في نفس المشرحة أو حتى المقبرة مع أولئك الذين ماتوا بالفيروس.
أما الدكتورة شيرين حمدي، أستاذة علم الإنسان في جامعة كاليفورنيا في إيرفين، التي عملت على نطاق واسع في مجتمعات الشرق الأوسط، أكدت أن بعض المخاوف المحيطة بالمرض تنبع من طقوس المسلمين المحيطة بالوفاة.
وقالت: "لا يريد الشخص الحجر الصحي، ولا يريد الدخول إلى المستشفى لأن الروابط الاجتماعية والأسرية قوية للغاية، يريد الموت داخل الأسرة"،وتابعت "إن أسوأ شيء في العالم ليس الموت، ولكن الموت بعيدًا عن عائلتك ومجتمعك وعدم التحكم في ما يحدث لجسمك".
بينما قال عمر ديواشي، أستاذ الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة روتغرز، الذي ولد ونشأ في إنكلترا: "يتسبب الفيروس التاجي والأوبئة بشكل عام في اضطرابات في الممارسات الاجتماعية والدينية".
إهانة مزدوجة
وأشار إلى أنالعائلات الأكثر تشدداً تحرم الإناث من اختبار الفيروس التاجي خوفًا من أنها إذا كانت إيجابية، فسيتم وضعها في الحجر الصحي، مما قد يعرضها لخطر جنسي، بحسب عقلية البعض.
وأشارت الدكتورة منى الخفاجي، أخصائية الأشعة في عيادة خاصة في بغداد إلى أن بعض المجتمعات لا تقبلأن تنفصل الأنثى عن الأسرة ولو بسبب حالة صحية.
وذكرت حالة مريضة تبلغ من العمر 32 عامًا مصابة بالتليف الرئوي، مما يزيد من تعرضها للفيروس التاجي، وأوصت الدكتورة المرأة بالذهاب لاختبار كوفيد 19، لكن والدها وإخوتها رفضوا، وتمسكوا بموقفهم حتى عندما ساءت حالتها.
وفي الآونة الأخيرة، في محاولة للتغلب على وصمة العار ووضع صورة دقيقة لنطاق الوباء، لجأت وزارة الصحة العراقية إلى اختبار عشوائي، لكن هذا البرنامج جلب الكثير من المشاكل، لهذا لجأت الحكومة إلى تكليف الشرطة بمرافقة الطواقم الطبية.
وأعلنت وزارة الصحة أن استخدام أفراد الأمن هو السبيل الوحيد للتغلب على صعوبات إقناع الناس بالخضوع للحجر الصحي.