هجرة في الاتجاه المعاكس.. كورونا يدفع مئات الآلاف للعودة إلى بلدانهم
منذ بدء تفشي فيروس كورونا وما نجم عنه من آثار اقتصادية وما رافقه من إجراءات احترازية، اضطر مئات الآلاف من الناس في مختلف أنحاء العالم لتغيير مقار سكناهم، سواء بالهجرة من المدن الكبرى إلى البلدات الصغيرة أو بمغادرة بلدان الضيافة والعودة إلى الأوطان الأصلية.
وقالت صحيفة كوريري ديلا سيرا -في تقرير عن الموضوع- إنه بسبب إجراءات الإغلاق وتدابير الحجر الصحي، لوحظ أن نسبة كبيرة من سكان بعض الحواضر العالمية الكبرى مثل نيويورك وباريس وميلانو، بدؤوا ينزحون خارجها للعيش في بلدات صغيرة.
فعندما تبين عالميا أن وباء كوفيد-19 يمثل تحديا صحيا غير مسبوق، وبدأت الحكومات في فرض إجراءات الإغلاق والعزل الاجتماعي، كان رد فعل الكثيرين -وليس السياح فقط- وبشكل غريزي: العودة إلى مسقط رأسهم لمواجهة الأزمة في أوطانهم أو في المنطقة التي ينحدرون منها داخل نفس البلد، وفق تقرير الصحيفة.
وتجلى هذا في كثير من الحالات، في هجرة جماعية هائلة من المدن الكبرى إلى المناطق الريفية، وذلك لاعتبارات اقتصادية وعاطفية، ولوحظ ذلك في مدن غربية مثل باريس وميلانو ونيويورك، وأيضا في موسكو ونيروبي وأنتاناناريفو عاصمة مدغشقر.
ساعة الاختيار
ويعيش أكثر من نصف البشرية -بطرق مختلفة- حالة من الحجر الصحي في البيوت. ولكن قبل أن يصبح الإغلاق ساري المفعول، كان لدى العديد منهم بضع ساعات لاختيار المكان المناسب لقضاء مدة الحجر الصحي. وتكررت في كل مكان من العالم المشاهد التي حصلت في ميلانو: قطارات تكتظ فجأة بالمواطنين المتجهين جنوبا عائدين إلى بلداتهم الأصلية.
ففي فرنسا، تشير بيانات صادرة عن شركة أورانج (شركة الهاتف الفرنسية الأولى)، إلى أن أكثر من مليون شخص غادروا باريس وضواحيها في الأسبوع الذي سبق إعلان الحكومة قرار الحجر الصحي.
وأشار تحليل شرائح الهاتف إلى أن 17% من السكان غادروا العاصمة، وأن عدد سكان إيل دو ري (وهي على المحيط الأطلسي ويمتلك الكثيرون فيها منزلا ثانيا) قد نما بنسبة 30%.
وأثارت موجة النزوح الداخلي في فرنسا جدلا واسعا، لأن العديدين فسروه على أنه دليل آخر على الانقسام الطبقي في المجتمع الفرنسي، حيث أجبر الأقل حظا على البقاء في شقق مساحتها بضعة أمتار مربعة، كما هو الحال في ضاحية سين سان دينيس التي تعتبر الأكثر تأثرا بفيروس كورونا وتشهد مواجهات متجددة بين شبابها ورجال الشرطة.
وحدث الأمر ذاته في عواصم أخرى من بينها أنتاناناريفو، حيث نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أحد سكانها قوله إن المئات من مواطنيه غادروا العاصمة في اتجاه مناطق ريفية، من أجل العيش على منتجات الأرض. وفي كينيا، غادرت طوابير السيارات العاصمة نيروبي في اتجاه القرى.
وقد صاحب هذا النزوح الداخلي اتهامات لهؤلاء الأشخاص بأنهم مسؤولون عن نقل الفيروس إلى المناطق الأقل تضررا منه. ولكن حتى الآن، في فرنسا -على سبيل المثال- لا يوجد دليل على ذلك.
وشملت موجة النزوح من بلد إلى آخر السياح أيضا الذين فوجئوا بإجراءات الحجر، وكذلك العمال. فعلى سبيل المثال اضطر مئات الآلاف من الأوكرانيين إلى مغادرة أماكن عملهم في بولندا والعودة إلى بلادهم.