تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 7
...
النظرة الاسلامية للمال تختلف كليا عن الرأسمالية أو الاشتراكية، فالمال لله امانة بيد بعض الخلق وينفق في أبواب مشروعة، منها على النفس والاهل جاء في الحديث (... أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك )، ومنها للأخرين المحتاجين ( وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ). وهو نعمة عليها واجبات شكر تؤدى فرضا كالزكاة أو طوعا كالصدقة ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
وقد جَعل انفاق المال وجوبا بحده الأدنى محددا بنظام الزكاة ( احد أركان الاسلام الخمسة ) بنصابه واوجه إنفاقه، وجُعلت الصدقة لأبواب متعددة لا يمكن حصرها:
منها احد أوجه التكفير عن الأخطاء والذنوب في الدنيا، في " باب الكفارات " ، كقوله تعالى ( فكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ),
وجُعلت ايضا احد أبواب الاستشفاء ( داووا مرضاكم بالصدقة),
وجُعلت كأساس في التكافل المجتمعي ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه),
وجُعلت ايضا من معايير الإيمان الصحيح ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرا).
في رمضان؛ يكثر بذل الخير والمال ، ولكنه غير كاف لكثرة الفقراء والمحتاجين، هناك جهود مجتمعية مؤطرة كالجمعيات ولجان الزكاة، وغالبه قيام الأفراد بأداء الزكاة والصدقة بأنفسهم بما يزيد عما يبذل خلال بقية العام، لكنها جميعها تعجز ان تسد حاجات الناس المعوزين لطعام وشراب أو علاج ولباس أو سكن أو تعليم أو إنقاذ الغارمين وغيره كثير. ولا يمكن في ظل غياب النظام الاسلامي القانوني والاخلاقي من تغطية هذه الحاجات المجتمعية، والذي يجب على الدولة تطبيقه ورعايته.
كمسلمين يجب ان نبادر ونتعاون ونذكر بمثل هذا الواجب الذي يحتاجه المعطي كما يحتاجه المتلقي، والتحري لان نجد الأكثر حاجة، وان نركز على الأخفياء منهم ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ). ولا بد من التنسيق بين الجهات المانحة لضمان شموله لأكبر عدد من المستحقين، فهناك انانية لدى البعض، وبالرغم من فضل الإطعام في رمضان، الا انه ينبغي الانتباه لمشاريع عمل تغني البعض عن السؤال ، خاصة في ظل ظروف بطالة كبيرة.
لنتذكر ان هذا العمل عبادة؛ لا يقبل الا بالنية والاخلاص، والبعد عن الاشهار والإعلام ، الا ما يكون حافزا لغيره، وانه ينبغي ان يكون من طيب الحاجات العينية ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا )، خاصة لمن يرغب بتوزيع ما يطلق عليه " طرود الخير".
جاء الربط بين الجهاد بالمال والنفس في معظم آيات الجهاد في القران ( وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
كم نحن بحاجة لتطهير أنفسنا واموالنا مما شابها وعلق بها، ولا تحقرن من انفاق أقله ( سَبقَ دِرهَمٌ مائةَ ألفِ دِرهَم).
وتقبل الله صيامكم وزكاتكم وصدقاتكم.