هدية إلى خلية إدارة الأزمات الأردنية
د. حسين عمر توقه
جو 24 :
أقدم هذا البحث هدية متواضعة إلى خلية إدارة الأزمات في الأردن الذين وصلوا الليل بالنهار من أجل الحفاظ على المواطن والحفاظ على الوطن وأثبتوا أنهم قادرون على التخطيط والتنظيم وإتخاذ القرارات الصعبة في مجابهة وباء الكورونا. وحملوا فوق أكتافهم بكل كفاءة وأمانة مسؤولية تنوء بحملها الجبال وأداروا معركة بين الحياة والموت بكل شجاعة وإقتدار وأصبحوا مثلا وقدوة لدى كل الدول وبالذات الدول العظمى. فتحية إجلال وإكبار للرجال الرجال خيرة الخيرة وجزاهم الله خير جزاء.
إن الأزمات هي أمر واقع في كل دول العالم فهناك أزمات إقتصادية وأزمات أمنية وأزمات سياسية وأزمات طبيعية وحرائق في الغابات وفيضانات الأنهار وتسونامي البحار والمحيطات وإنتشار الأوبئة وهي أمور متعارف عليها ومقبولة في عرف الإنسان.
علم إدارة الأزمات:
يُعد علم إدارة الأزمات من العلوم الإنسانية حديثة النشأة وأبرزت أهميته التغيرات العالمية التي أخلت بموازين القوى الإقليمية والعالمية وأوجبت رصدها وتحليل حركتها وإتجاهاتها. فهو علم المستقبل يعمل على التكيف مع المتغيرات وتحريك الثوابت وقوى الفعل المختلفة ذات التأثير السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي والأمني.
مفهوم إدارة الأزمات:
تتعدد أسباب الأزمات بتعدد الصراعات وتنوعها فقد تكون ناجمة عن عوامل إقتصادية وإجتماعية ناجمة عن إزدياد الفوارق الإجتماعية بين طبقات المجتمع وقد تكون عواملها سياسية قوامها التفاخر القومي والديني في المجتمعات ذات الأعراق والديانات المختلفة أو الصراعات الحزبية والثقافية وعدم المشاركة السياسية. كذلك قد يكون سبب الصراع في مجتمع ما هو تباين قيمه ومبادئه او بين نظام الحكم والشعب وبذلك تتضح معالم الصراع الداخلي وتأخذ شكلا من أشكال المقاومة حينما تفتقد تسويته الآليات الملائمة والفاعلة فضلا عن القدرة على تحقيق التوازن الإجتماعي في الدولة وهو ما يفقد الحكم شرعيته ويشعر أبناء الشعب بالتمزق وفقدان الهوية والإغتراب في الوطن.
ولقد نشأ إصطلاح إدارة الأزمات من خلال علم الإدارة العامة وذلك للتدليل على دور الدولة في مواجهة الكوارث المفاجئة والظروف الطارئة مثل الزلازل والفيضانات وإنتشار الأوبئة والحرائق والصراعات المسلحة والحروب الشاملة.
1: تصنيف الأزمات
هل هي عملية متكررة أم غير متكررة. وهل هي محدودة التأثير أم جوهرية التأثير كلية المستوى أو جزئية مادية أو معنوية أو مزدوجة. هل هي أزمة سطحية أو عميقة وهل هي عنيفة أو هادئة وهل هي أزمة عالمية لها تأثير سطحي أم أزمة محلية لهل تأثير عالمي أم هي محلية فقط.
2: أسباب نشوء الأزمات
سوء الفهم. عدم إستيعاب المعلومات بدقة. سوء التقدير والتقييم. الإدارة العشوائية.الرغبة في السيطرة على منفذي القرار. اليأس. الشائعات. إستعراض القوة. الأخطاء البشرية. الأزمات المخططة. تعارض المصالح. تضارب المصالح.
3: مراحل تكوين الأزمات وتفاعلاتها الداخلية
ميلاد الأزمة: ألإحتكاك الذي يمثل الشعور بالقلق من شيء مجهول يلوح بالأفق
نمو الأزمة: مع إستمرار الإحتكاك تتراكم الآثار ويتضخم التأثير
نضج الأزمة: التصادم في حالة عدم مواجهة الأزمة خلال مرحلتي الميلاد والنمو تكون نتائجه مدمرة للكيان وتسبب انهياره وفناءه
إنحسار الأزمة: وهي تمثل تدهور الأزمة نفسها بعد أن حققت أهدافها وفقدت قدرا كبيرا من قوة دفعها بفعل الصدام.
إختفاء الأزمة: مع فقدها قوة الدفع كلية. إما تكون دافعا للكيان لإستعادة فاعليته أو تكون الأزمة قد تمكنت من تدمير الكيان واختفت معه
4: المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
تحديد الهدف: أهداف رئيسية وأهداف ثانوية / ترتيب الأولويات / حرية الحركة وسرعة المبادأة / المفاجأة والمباغتة
حشد القوى وتنظيمها: الزمان والمكان والمرحلة
التعاون والمشاركة الفعالة: داخليا وخارجيا
السيطرة المستمرة على الأحداث: العوامل المسببة للأزمة والقوى الداعمة للأزمة / عوامل ذات صلة بالأزمة
التأمين الشامل: أشخاص مقومات وممتلكات
المواجهة السريعة: كوادر مدربة ودقة عالية
5: المتطلبات الإدارية اللازمة للتعامل مع الأزمة
تبسيط الإجراءات وإتباع المنهجية العلمية: تخطيط دقيق. التنظيم والتنسيق. التوجيه الصحيح للإمكانيات المادية والبشرية والمتابعة المستمرة و تفويض السلطة. الإستعداد الدائم وتوفير الإحتياجات. تحقيق الإتصالات المتعددة واستمرارها. الوجود الدائم والمستمر في موقع الأحداث. وجود سري ووجود علني.
6: تفويض السلطة في إدارة الأزمات
مواصفات القرار: ملائم للأزمة / سهولة تنفيذه / الوضوح وعدم الغموض / أنسيابية التدفق / المتابعة القريبة / التوقيت المتلائم والمتزامن مع الأزمة
مستويات تفويض السلطة
قرارات إستراتيجية: تصدر على مستويات الإدارة العليا بعيدة المدى
قرارات سياسية: تصدر عن مستويات الإدارة الوسطى متوسطة المدى
قرارت تكتيكية: تصدر عن مستويات الإدارة التنفيذية قصيرة الأمد
7: أساليب التعامل مع الأزمات
الأساليب التقليدية: إنكار الأزمة وعدم إعلانها / تأجيل ظهور الأزمة / تكوين لجان لدراسة الأزمة / التقليل من شأن الأزمة / السماح بظهور الضغوط الداخلية للأزمة / تفريغ الأزمة وهي تتكون من ثلاث مراحل أولاها مواجهة عنيفة للقوى الدافعة للأزمة وثانيها تحديد أهداف بديلة لكل إتجاه فرعي من إتجاهات الأزمة وثالثها عملية إستقطاب كل تلك الإتجاهات ومفاوضتها في إطار رؤية شاملة / إخماد الأزمة من خلال مجابهة قواها كافة والإصطدام بها بكل عنف وعلنية والقضاء عليها.
الأسليب غير التقليدية: الفريق المتكامل / إدخار الإحتياطات / المشاركة الديمقراطية / إحتواء الأزمة / منع تصعيد الأزمة / تفريغ الأزمة من مضمونها / تفتيت الأزمة / تدمير الأزمة / إعلان الوفرة الوهمية / تحويل مسار الأزمة.
الأسلوب العلمي: تقدير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة / التخطيط العلمي والمتكامل للتعامل مع الأزمة / التدخل العقلاني لمعالجة الأزمة.
الأزمات الدولية:
إن الأزمات هي سمة من سمات الحياة وهي واقعة في كل زمان ومكان بدءا من بداية الحياة حيث كان الصراع من أجل البقاء ضد عوامل الطبيعة وفي طريق البحث عن لقمة العيش والإستمرار في مسيرة الحياة من خلال التطور التاريخي للمجتمع القبلي والمجتمع الزراعي والمجتمع الصناعي.
إن الأزمات تحكم علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالحكومة وعلاقة الحكومات بعضها ببعض وتتولد الأزمات عند وقوع أي إختلال بميزان العلاقات على المستوى الفردي والقبلي والحكومي والمستوى الوطني أما حين تتجاوز الأزمة حدود المستوى الوطني وتمتد إلى المستوى الإقليمي والمستوى الدولي عندها نطلق عليها إصطلاح الأزمة الدولية.
ومما لا شك فيه بأن الصراع بين مصالح القوى العظمى ومحاولتها السيطرة على الدول الصغيرة والإستئثار بمقدراتها وثرواتها أدى إلى وقوع صراعات عسكرية تمثلت بمجموعة لا تنتهي من الحروب العالمية والإقليمية ووقوع ثورات داخلية من أجل السيطرة على الحكم. والصراعات ليست بالسهولة التي نعتقد فهي تخلق أزمات متعددة الوجوه ذات طبيعة زمانية ومكانية معقدة فهي تتخذ طابع القومية والطابع الديني والعقائدي والطابع السياسي وعليه فإن من الواجب علينا أن نتطرق إلى المفاهيم العامة والأسس التطبيقية لإدارة الأزمات وإتباع الأسلوب العلمي "الذي تطرقنا إليه آنفا" لسبر أغوارها وميادينها ووضع الأسس الإستراتيجية للتعامل مع شتى أنواع الأزمات الدولية بالإضافة إلى تشكيل فريق متخصص في إدارة الأزمات الدولية والإقليمية والوطنية السياسية والحربية والأمنية والإقتصادية والمالية والتكنولوجية والصحية والإجتماعية وإيجاد حلول للتغلب على هذه الأزمات التي تعترض الحكومات المختلفة وشعوبها.
مراحل تفاقم الأزمات الدولية:
المرحلة الأولى: مناورات ما قبل الأزمة وتتضمن حالة الحرب الباردة والتعريض السياسي والإقتصادي والدبلوماسي والتصريحات الرسمية.
المرحلة الثانية: بداية الأزمة التقليدية وتتضمن تشدد المواقف وتواجه الإرادات وإظهار القوة.
المرحلة الثالثة: بلوغ الأزمة درجة الحدة وتتضمن تخفيف التمثيل الدبلوماسي وتجميد العلاقات وربما بعض العمليات الحربية التقليدية والمحدودة.
المرحلة الرابعة: إعلان الحرب التقليدية وإجلاء من المناطق الحدودية ورفع الإستعداد العسكري إلى أقصاه.
المرحلة الخامسة: تحول الحرب التقليدية إلى صراع مسلح مركزي في مناطق محدودة وتكون العمليات العسكرية الهجومية على مناطق داخل الدولة بهدف التأثير في قدراتها البشرية والمادية.
المرحلة السادسة: إعلان الحرب الشاملة وخلالها يكون الصراع المسلح قد بدأ بصورة بطيئة وفي الوقت نفسه يكون الصراع بين الجانبين قد وصل إلى درجة شديدة الضعف كالسكون قبل العاصفة.
المرحلة السابعة: بداية حرب المدن وبلوغ التدمير أعلى درجاته ويصبح الصراع المسلح حربا شديدة الخطر تستخدم فيها الأسلحة كافة تقليدية وغير تقليدية.
مبادئ وأسس إدارة الأزمات الدولية:
تتمثل المبادئ والأسس التي يجب أن تُراعى في إدارة الأزمات الدولية في عدة قواعد هي
1: الحفاظ على الخيارات العسكرية والسيطرة الدائمة عليها إختيارا وتوقيتا فقد تطال تلك السيطرة المناورات التكتيكية والعمليات التي قد تكون سببا لإصطدام مسلح غير مرغوب فيه.
2: إختلاق بعض التوقعات التي تساعد على التأني والتريث في معدل الأعمال العسكرية حيث تكون ضرورة الإبطاء المتعمد لقوة الدفع في التحركات العسكرية لتوفير الوقت الكافي لإجراء تقدير موقف ومزيد من التحركات الدبلوماسية.
3: التنسيق بين التحركات الدبلوماسية والعسكرية في إطار استراتيجية متكاملة تستهدف حل الأزمة من دون الدخول في صراع مسلح.
4: تحديد التحركات العسكرية لتكون في صورة واضحة تجاه الحل المرغوب فيه وملائمة للأهداف المحددة من الأزمة.
5: الإيقاف والحد من التحركات العسكرية التي توحي للخصم بقرب نشوب الصراع المسلح ما قد يجبره على توجيه ضربة إجهاض.
6: الأخذ بالخيارات الدبلوماسية والعسكرية التي قد تترك للخصم مخرجا ملائما للأزمة لا يتضارب مع مصالحه الرئيسية.
قواعد وأسس ومبادئ التعامل مع الأزمات:
مواجهة الأزمات منذ نشأتها مرورا بمرحلة الحد من خطرها وحتى يمكن التغلب عليها تتطلب الإلتزام بعدة مبادئ أساسية هي بداية نجاحها
1: تحديد الأهداف والأسبقيات.
2: حرية الحركة وسرعة المبادأة.
3: المباغتة.
4: حشد القوى وتنظيمها.
5: التعاون والمشاركة الفعالة.
6: السيطرة المستمرة على الأحداث.
7: التأمين الشامل للأشخاص والممتلكات والمعلومات.
8: المواجهة السريعة لأحداث الأزمة ومراحلها.
9: الإقتصاد في إستخدام القوة.
10: إتباع الأساليب غير المباشرة في مواجهة الأزمة.