سورة الفاتحة
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
رمضانيات 14
من عجيب أمر الانسان أنه لا يدرك عظيم آيات الله في خلقه وقرآنه، بسبب الفتها وتكرارها باستمرار، ويعجب لصناعات جديدة لا تساوي شيئا أمام صنع الله. من هذه العجائب (الآيات) سورة الفاتحة.
سميت هذه السورة بالفاتحة لأنه يفتتح بها القرآن الكريم، وقد نزلت بعد سورة المدثر، كُنيت بأم الكتاب، وأم القرآن، والشّفاء، والمثانيّ (لأنها تقرأ في كل ركعة)، والوافية، والحمدُ، وقد شرّفها الله سبحانه وتعالى بأن افتَتح بها كتابه، كما أنّه فرض على المُسلم قراءتها في كلّ ركعةٍ من ركعات صلاته كي تصحّ؛ فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلّاة لا تُقبل الصّلاة إلا بها (جمهور الفقهاء ومنهم الشافعي) قال أكثر الفقهاء: إنه يسن للمصلي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا أن يقول آمين بعد الانتهاء من الفاتحة، وآمين اسم فعل بمعنى اللهم استجب.
ابتدأت بالثناء على الله بصفات الكمال، ثم خصه سبحانه وحده بالعبادة والاستعانة، ثم الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم، جاء في الحديث الشريف (... يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، يقول الله: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل).
قال ابن القيم: لما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب، علم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء.
تبدوا مناسبة بداية سورة البقرة لخاتمة سورة الفاتحة، ففيها قول الله في أواخر الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم)، وقوله في بداية البقرة (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)، جاء في الحديث (... قال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم: وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)
ومن فضلها: أنها دواء إن رقي بها، عن أبي سعيد الخدري قال: «كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غيب فهل منكم راقٍ، ... فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما كان يدريه أنها رقية، اقسموا واضربوا لي بسهم). قال ابن القيم: «كثيرًا ما كنت أسمع ابن تيمية يقول: مكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبًا، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا وكان كثيرًا منهم يبرأ سريعًا.
ليس مصادفة أن تحتوي البسملة والفاتحة على اسمي وصفتي: الرحمن الرحيم، بمعنى رحمة الله في ربوبيته لخلقه، وهذه رحمة تستوجب الشكر. ومن رحمة الله سبحانه بنا أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله. والنعمة تسبق الْمُنْعَمَ عليه دائما، فالنعمة موجودة في الكون قبل الوجود الانساني.
وتقبل الله صيامكم وحمدكم له على كل شيء