jo24_banner
jo24_banner

حضور محمد عساف ونجاحه

حمادة فراعنة
جو 24 :

ثلاثة أسباب تقف متكاتفة وراء نجاح محمد عساف، الفنان الفلسطيني الصاعد، ووصوله إلى هذا المستوى من الحضور والاهتمام: 
أولاً : صوته وقدراته على الأداء الرفيع وإمكاناته الواسعة وموهبته التي أهلته لأن يكون في هذه المكانة التي جعلت فنانين كباراً ينظرون إليه باحترام ويراهنون عليه في أن يشغل حيزاً في المشهد الغنائي العربي، لا يقل عن كبار الفنانين العرب.
ثانياً: فلسطينيته الواضحة والتي جعلت منه موضع جذب وشراكة لشعب تواق لأن يحتل مكانة تحت الشمس مثل باقي الشعوب العربية والأمم المتحضرة، فالشعب الفلسطيني كان له حضور فني وحضاري قبل النكبة، حيث توقف عطاء الفلسطينيين، وتبدد طوال مرحلتي الخمسينيات والستينيات، لأن الجوع والقهر، كانا عنوان العذابات اليومية للاجئين وللباقين على أرض الوطن الذي تمزق نسيجه وتبددت هويته الفلسطينية بين ثلاثة مواقع جغرافية منقسمة ما بين 1- إسرائيل و2- الضفة الغربية كجزء من المملكة الأردنية الهاشمية و3- قطاع غزة ذات الإدارة العسكرية المصرية، وشتتها وكاد يُلغي وجودها، لولا الولادة الفلسطينية التي تمت في المنفى على أيدي منظمة التحرير الفلسطينية ومبدعيها غسان كنفاني وكمال ناصر ومعين بسيسو، ويوسف الخطيب وإسماعيل شموط وغيرهم العشرات، وفي الداخل الفلسطيني أنجبت كبار المبدعين من توفيق زياد إلى محمود درويش إلى سميح القاسم وإميل حبيبي وعبد عابدي ومحمد بكري وغيرهم الذين أثروا الحضور الفلسطيني، ودللوا على أن ثمة شعباً له باع وثقافة وتاريخ وتراث، واستمرارية مميزة، اعتماداً على هذا التاريخ والتراث.
أما العامل الثالث: فهو انه ابن قطاع غزة، فهو لو كان من الضفة الفلسطينية لما حظي بما يحظى به، فقد أضافت ولادته ومسكنه وانتماؤه لقطاع غزة ميزة وتحدياً قويين، ذلك أن أهل الضفة يعانون من عامل واحد هو الاحتلال، بينما يعاني أهل القطاع من عاملين، كل منهما أسوأ من الآخر، العامل الأول يتمثل بالحصار الإسرائيلي الظالم، أما العامل الثاني فهو الرجعية والتخلف والإدارة القمعية المحلية التي تحول دون الإبداع ولا تقبل به ولا تقره، وهذا سبب الحملة الهمجية التي مست محمد عساف وحاولت إيذاءه، رغم أنها تراجعت وتمت هزيمتها أمام صلابته وإيمانه بما يفعل، وأمام الدعم القوي من قبل الرئيس أبو مازن وحكومته وتلفزيون فلسطين والمثقفين معه، ودعم فلسطينيي الشتات والمنافي له.
عوامل ثلاثة متكاملة جعلت من الشاب، مشروعاً فنياً، وشخصية اعتبارية، تقف على أعتاب أداء فلسطيني رفيع المستوى ليكون صوتاً في مشهد الفن والغناء العربيين، يؤدي دوره الإنساني بالإبداع، ودوره كمواطن لصيق بقضية شعبه، لأنه نموذج للفلسطيني الموجوع بالمكان والقضية والمعنى، فالعربي يسكن وطنه، بينما فلسطين هي التي تسكن أعماق الفلسطيني وروحه، فيسعى لها حتى لا يفقدها.
الذين حاولوا التفريق بين الفن والإبداع والنضال، هم أولئك النفر الذين لا يدركون معنى الحياة بأبعادها، ولا يدركون أهمية نجاح الصهيونية في فلسطين وعلى الشعب الفلسطيني، ليس فقط بقوتها ومالها ودعم الدول الاستعمارية والإمبريالية لها الأوروبية منها والأميركية بل بفعل تعاطف العالم مع قضية اضطهاد اليهود على أيدي النازية، وإبداعاتهم في مجالات المال والاقتصاد والفن والصحافة وتوظيفها لمصلحة استعمار فلسطين وتسويق مشروعها الاستيطاني على حساب شعب فلسطين.
نضال شعب فلسطين، متعدد الأوجه والأدوات والوسائل، لأنه نضال شعب، وليس عمل حركات سياسية أو حزبية أو عقائدية مهما قويت أو كبرت يبقى فعلها محصوراً في تطلعات قيادتها، بينما مجموع نضال الشعب بمجموع أفعاله التراكمية سواء من قبل الفصائل والأحزاب والمستقلين والمهنيين والمبدعين، هو الذي يدلل على أن نضال شعب فلسطين، نضال عادل يعكس تطلعات شعب بأكمله نحو تحقيق حياته بالكرامة والاستقرار والطمأنينة، على أرضه، وبعد استعادة كامل حقوقه في المساواة والاستقلال والعودة.
نجاح محمد عساف هو نجاح شعب في فرد، وفرد مبدع، مثل الشعراء والكتاب والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والحقوقيين والمناضلين السياسيين، سواء من قبل الفلسطينيين في مناطق 48 أو مناطق 67 أو في بلاد الشتات والمنافي.

تابعو الأردن 24 على google news