زوجها طبيب تطوع لوحدة كورونا.. يوميات طبيبة في رمضان
جو 24 :
المصدر : الجزيرة
"يظن الناس أن من يدرس الطب يصبح قلبه قاسيا"، هكذا قالت الدكتورة زينب عمار للجزيرة نت وهي تخبرنا كيف يمر عليها رمضان هذا العام في ظل أزمة كورونا، مضيفة أنها كلما عادت من الدوام الليلي في المستشفى تعانق طفلها وتشمه وتبكي.
وزينب طبيبة في سنوات التخصص في الطب العائلي وزوجها طبيب أمراض داخلية، متطوع في وحدة كورونا، وكلاهما يعملان في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، ولديهما طفل عمره ثمانية أشهر.
قرار التطوع الصعب
بحكم التخصص تبدأ زينب عملها في السابعة والنصف صباحا وحتى الرابعة عصرا، وفي اليوم الثاني من السابعة والنصف صباحا وحتى ظهر اليوم التالي ما يسمى الواجب أو(duty)، لتعود إلى يوم عادي وهكذا دواليك، الأمر الذي يفرض عليها ترك طفلها لدى والدتها عندما تنام في المستشفى.
تعرفت زينب إلى زوجها الدكتور وائل زرقط أثناء الدراسة في الجامعة، وتزوجا منذ سنتين، ورغم أن وقتهما مضغوط جدا، فإنهما تعاونا لمواجهة الظروف الصعبة.
زوجها وائل قرر التطوع في وحدة كورونا، وتقول زينب إنه لولا وجود الطفل لكانت تطوعت هي أيضا، لكن "هناك الكثير من الطبيبات، ولطفلي أم واحدة"، مما دفعها للتراجع.
وكان اتخاذ قرار وائل صعبا، ولكنه كان مندفعا جدا كما تقول، وتخبر أن عينيه دمعتا وهو يحمل طفله ليودعه، لكنها رفضت أن تبقى لدى أهلها وتترك زوجها لخلق البعد الاجتماعي المطلوب، وبدل ذلك وجدا آلية لتبقى العائلة مجتمعة بتكريس أساليب الوقاية والحماية اللازمة.
ففي منزل أهلها غرفة منفصلة مع حمام تستعملها هي ووائل لوضع ثياب العمل، والاستحمام قبل الدخول إلى المنزل لجلب ابنهما جعفر. وتقول إن الطفل يقابلها بابتساماته وتصفيقه عندما يراها مقبلة، وإنها تضطر أحيانا لتركه وهو يبكي وتبقى طوال الليل تفكر بالأمر حتى اليوم التالي.
ثلاثة أيام في الأسبوع
وتضيف أن ثلاثة أيام في الأسبوع "في رمضان، شهر الرحمة واجتماع العائلة، أفطر وحدي في المستشفى وأولى دعاءاتي تكون للعائلة لتعود وتجتمع"، في هذه الأيام الثلاثة ينام طفلها بعيدا عنها، وعندما تراه عادة تكون في قمّة التعب، مما يستنزفها ويمس بأحاسيسها كما تقول، وتضيف أنها تبذل جهدا كبيرا حتى تغطي وقت غيابها عنه.
وتخبر أن الضغط في العمل أصبح مضاعفا بعد كورونا حيث لم يزد عدد الفريق، بل أصبح يعمل لمستشفيين، وحدة كورونا التي أصبحت مستشفى كاملا مصغرا ومستشفى الحريري.
لا يوجد موظفة للتدبير المنزلي تساعد زينب في المنزل، وتقول إن زوجها يساعدها أحيانا، ويقدر تعبها، فيساعد في ترتيب المكان بعد تناول الطعام عندما تدخل الطفل للنوم، ودائما ما يسألها إن كانت بحاجة لأي مساعدة، لكنها تحاول قدر الإمكان أن تتدبر أمورها لأنه يتعب كثيرا خاصة في فترة كورونا.
وتضيف أنها في رمضان تعود في الساعة الثانية من المستشفى في الأيام العادية، وتصل إلى بيت أهلها لتأخذ ابنها وتقضي معه القليل من الوقت، وتعود إلى المنزل وتبدأ تحضير الإفطار، وتقول إن الوقت حتى الآن لا يزال مقبولا.
تحضّر الفتوش والشوربة وتقشر البطاطا يوميا، وعادة ما تحضر للطبق الرئيسي قبل يوم، فتنزل اللحوم من الثلاجة إلى البراد وتحضر بعض المأكولات الجاهزة مثل الكبة، وتبدأ الطبخ عند الرابعة، وحين يأتي موعد الإفطار تحتاج فقط لتسخين الطعام كي لا تتأخر، خاصة بوجود الطفل الذي قد يتطلب اهتماما في أي وقت للأكل أو النوم أو أي مفاجآت أخرى.
وأحيانا تضطر لتقطيع الخضار للفتوش قبل يوم، أما أثناء تحضير الأكل السريع مثل الهامبرغر والطاووق وغيرهما فتحضرها عند السادسة، (قبل موعد الإفطار بنحو ساعة ونصف)، وينام طفلها عادة من السادسة حتى السابعة، وهذا يمنحها الوقت والهدوء.
أما السحور فلا تستيقظ لتناوله لا هي ولا زوجها هذا العام، فهما كما تقول يحتاجان لأي وقت للنوم، خاصة أن الطفل قد يستيقظ في أي ساعة، وأثناء العمل في المستشفى لا تنام في الليل إلا ساعتين "فنكون بحاجة إلى النوم بشكل كبير".
تقول زينب إن الصلاة مقدسة، ومهما كثر العمل فهي تحرص على ألا تفوتها أبدا، ولكن قراءة القرآن والعبادات الأخرى تكون بحسب الوقت المتاح. أحيانا تقرأ عددا من الآيات أثناء انتظار الممرضين ريثما ينتهون من تحضير أمر ما.
تقول إنها سابقا أثناء عملها في أحد المستشفيات لم يكن الدوام ضاغطا فختمت قراءة القرآن في رمضان أثناء أوقات الفراغ في العمل.
وتقرأ في بعض الأيام الأدعية على مسمع طفلها الذي تسمعه أيضا أغاني وأناشيد رمضان مثل رمضان تجلى وابتسم وعلّوا البيارق وغيرها من الأناشيد الرمضانية الجديدة المخصصة للأطفال، فهي تحب أن يكون لطفلها في شهر رمضان ذكريات جميلة.
ورغم ظروف العمل الصعبة، زينت زينب بيتها بالفوانيس ولكن ليس كما السنة الماضية كما تذكر، وتقول إن رمضان هذا العام خالٍ من دعوات الإفطار مما يخفف ممارسة العادات الرمضانية الجميلة، فلا اجتماعات للعائلة والأصدقاء.
من وراء الزجاج
ورغم جهودهما فقلما يتناسب دوام زينب وزوجها ويحاولان ألا يغيبا عن بعضهما كثيرا، وبقدر الإمكان الحصول على يوم إجازة مشترك.
أحيانا كثيرة لا يجتمعان، وتكون مواعيد دوامهما متضاربة رغم أنهما يعملان في المستشفى نفسه لكنهما لا يلتقيان، لأن الاختلاط ممنوع مع العاملين بوحدة كورونا.
ومرة لم يلتقيا لأيام بسبب ضغط العمل، فكلمها على الهاتف وسألها عن مكانها جغرافيا في المستشفى، وأخذا يقتربان إلى الطابق نفسه إلى أن اجتمعا من وراء الزجاج، حيث كان هو في غرفة في الداخل وهي على الشرفة، ليشاهدا بعضهما بعضا عن قرب.