jo24_banner
jo24_banner

فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ

د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
 رمضانيات 25
..
سنة الله في الكون لا تتبدل، منها ما كان في حق حركة النجوم والكواكب، ومنها في علوَ الأمم والجماعات، وبيان أسباب التغيير، قوله سبحانه (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا).
جاء ذكر الفساد والمفسدين في القران الكريم في نحو (47) اية وفي (50) كلمة، منها: في سورة القصص (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) و (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، فالفساد واقع على مخلوقات الله في الارض، وهو نتيجة فعل الناس وهو محرم عند الله. جاء اقتران ذكر الفساد في الارض أو اجزاء منها في معظم الآيات التي تحدثت عنه، للدلالة على كينونته المتعلقة بحياة البشر وفعلهم، لذا كان تخوف الملائكة رضوان الله عليهم من فعل الانسان حينما قالوا (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ). وقد جعل الله سبحانه النجاة حليفة للذيم ينهون عن الفساد (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ).
صلاح الارض قائم باتباع منهج الله، وأي منهج بشري مهما علا يعتريه النقص والعوج ، فهو إن صلح، فإنما في زمان محدود، او مكان محدود، و لقوم خاصة دون الاخرين (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ). لذلك كانت الجنة بأمر الله ممنوحة لأولئك اصحاب العدل المصلحين (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا).
معادلة الاستبداد والفساد معادلة طردية لا تنفك عنها، لذلك كان الفساد نتيجة لحكم الاستبداد بدليل قوله تعالى (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) والنتيجة (فصب عليهم ربك سوط عذاب). في قصة قتل سيدناَ دَاوُودُ عليه السلام لجَالُوتَ التي وردت في القران، كانت الدلالة واضحة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ ولكن اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، اذ أن أحد اهم دوافع الجهاد في سبيل الله إزالة الظلم والاستبداد الذي عاقبته فساد الارض وهلاك الحرث والنسل.
علاج الفساد انما يكون بالقيام بالإصلاح، وجعل الله النجاة للمجتمع من الهلاك مقرونا بقيامه بالإصلاح (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ). وجعل نتيجة اتباع كتاب الله وتحكيمه ودوام عبادته هو صلاح حال المجتمع (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). لذك فالإصلاح والحكم عليه ليس هوى ومقاسا فرديا او خاص بقوم دون اخرين، بل هو منهج مستقر يحدده رب العزة (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْـمُفْسِدَ مِنَ الْـمُصْلِحِ). لم يكن غريبا ان يأمر عمر بن عبدالعزيز بإحالة دعوى كاهن من أهل سمرقند للقاضي: عدم التزام جيش المسلمين احكام الاسلام بالحرب. فعقدت المحكمة وحكم القاضي بخروج جيش المسلمين فخرجوا، واسلم بعدها أهل سمرقند لهذا العدل .
لا علاج للفساد المستشري بأشكاله كافة الا بإصلاح الحكم في مستوياته كافة، للوصول الى حكم يقوم على العدل والشورى ومشاركة الناس فيه والمسائلة والمحاسبة، وسنبقى ما حيينا نعمل للإصلاح و شعارنا الدائم (إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ).
وتقبل الله صيامكم وقيامكم بالإصلاح.
 
تابعو الأردن 24 على google news