jo24_banner
jo24_banner

خيركم خيركم لأهله

د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
 رمضانيات 26
(الى أمي وزوجتي وابنتي)
...
الاسلام دين رباني شامل، عنى بكل شؤون الحياة، وقد ضع القران الكريم قواعد عامة لكل شؤونها، وفصل في بعضها، وأكثر ما فصل فيه شؤون الاسرة: فالإنسان كما خلقه الله، لا تغيير عليه بخَلقه، فروحه وجسده وتركيبه النفسي لا زالت كما خلقه الله، والتغير في حجم المعارف التي يمتلكها لا تستلزم بالضرورة تغيرا في نظرته الكلية للكون وعلاقة الانسان بخالقه.
جاء ذكر الميثاق الغليظ في القران الكريم في موضعين اثنين: في وصف الرسالة الالهية لأنبيائه ورسله (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا )، وفي وصف رابط العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، وذلك تعظيما لها وتأكيدا للحرص عليها.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله)، المعنى بعمومه يشير إلى صلة الأرحام، وبخصوصه يشير للأسرة من الزوجة والعيال، والاقتداء به عليه السلام واجب في كل الشؤون (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). للإمام الغزالي كلامٌ حسنٌ في كتابه "الإحياء"، فقال ما ملخَّصُه: ومن آداب المعاشرة حسن الخلق معهنَّ، واحتمال الأذى منهنَّ، ترحُّمًا عليهنَّ؛ قال تعالى (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وقال الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث "الإحياء": واعلم أنه ليس حسنُ الخُلُقِ معها كفُّ الأذى عنها، بل احتمالُ الأذى منها، والحِلم عن طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام. يقول ابن كثيرٍ: أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
الخلاف بين الازواج أمر واقع، وعدم التطابق بينهما غير مستنكر، وقد ورد في القران الكريم بعض آيات عن سلوك امهات المؤمنين رضي الله عنهن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، للدلالة على الاختلاف واحتماله، لذلك قال الفقهاء: لا يصحُّ للرجال أن يسترسلوا في كراهية النَّساء إن عرضت لهم أسباب الكراهية، بل عليهم أن يُغَلِّبوا النظر إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكاره؛ لقوله تعالى (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرًا)، فالعاقل من ينظر للحياة الزوجية من جميع نواحيها، بعين العقل والحياة المشتركة، لا من ناحيةٍ البغض والحب فقط. فهو ليس مقياسا صحيحا دائما: فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين، وأَحَبَّتْ ما هو عكس ذلك. وربما لقصر نظر: يكون الشيء الذي كرهته اليوم خيرًا كثيرًا لاحقا (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)، بل يغفر سيئتها لحسنة لديها، ويحذر بقوله (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) أي زوجته واهله.
في رمضان: اكثر الرجال يجتهدون في الطاعة من باب واحد، لكن جُلًّ الأمهات والزوجات يجتهدن فيه بالطاعات من عدة أبواب؛ فهي كالرجال سواء في أوجه الصيام والذكر بمختلف اشكاله، لكنها تزيد فضلا على الرجال بأوجه اخرى؛ فتجتهد بالاستيقاظ قبل الجميع تعد طعام السحور وتوقظهم وتصبر على ( دلال الأولاد)، وان نام كثير من الرحال بعد الظهيرة أو العصر، لكنها في المقابل تبدأ رسالتها باختيار شكل المائدة والاعداد لها وهي صائمة، تغمرها سعادة كبيرة وهي تعاني بذلك في وقت احوج ما تكون فيه للنسمات الباردة وليس للسعات الحارة. وان كان لدى بَعضُنَا ضيوف، فكم تجتهد ب "تبييض وجه الزوج" في مائدة الإفطار أمامهم. وان انصرفنا للاسترخاء بعد الافطار، فتراها تسابق الزمن لتحافظ على نظافة بيتها وإدراك صلاة التراويح، وغير ذلك كثير من اعمال جبارة.
معاشر الرجال: تذكروا ( خَيرَكم خيرُكم لأهله)، ولا تنسوا كلمة " شكرًا" لها على عظيم فضلها علينا.
وانت سيدتي: استحضري النية في كل عمل تقومين به، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا،
تحية اكبار واجلال لك أمي،... تحية تقدير وعرفان لك زوجتي، ... تحية ود وحنان لك ابنتي وأختي
وتقبل منك سيدتي كل أشكال وألوان الطاعات والخدمات في رمضان.
وتقبل الله منكم صيامكم وخيرُكم لأهلكم.
 
تابعو الأردن 24 على google news