دول تفتح مدنها بعد إغلاق كورونا.. هل اختار العالم سكون الموتى على ثورة الجياع؟
جو 24 :
فجأة بدأت دول في العالم بالتوجه إلى تخفيف إجراءات الحجر الصحي التي كانت فرضتها لمجابهة وباء فيروس كورونا المستجد "سارس كوف 2" المسبب لمرض كوفيد-19، لتعود تدريجيا للحياة الطبيعية..
فما الذي تغير، وما المعطيات الجديدة التي جعلتهم يفعلون ذلك، وهل ما فعلته هذه الدول محاولة لمنع حدوث "ثورة جياع" إذا استمر الإغلاق؟
في البداية، دعونا نؤكد أن ما سنعرضه في التقرير هو معطيات وآراء تعبر عن أصحابها، وتفسيرات قد تحتمل الخطأ والصواب. أيضا نحن نؤكد هنا أيضا ضرورة أن نستمر في اتباع الإرشادات والتعليمات التي تزودنا بها وزارات الصحة في بلداننا والتي هي على تواصل دائم مع منظمة الصحة العالمية.
ويجب علينا الالتزام بالتوجيهات التي تصدرها وزارات الصحة والجهات الحكومية الرسمية في الدولة التي نعيش فيها، فلكل بلد خصوصيته وظروفه، والتوصيات التي تصدرها وزارة الصحة في بلد معين قد لا تصلح لآخر.
وحتى اليوم الخميس بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد حوالي خمسة ملايين وثمانمئة ألف، وعدد الوفيات حوالي 357 ألفا، في حين بلغ عدد المتعافين من المرض حوالي 2.5 مليون، وفقا لموقع "وورلد ميتر".
في بداية الجائحة تعاملت غالبية دول العالم عبر تطبيق الحجر الصحي والإغلاق، ويعتقد أنه في مرحلة معينة كان حوالي أربعة مليارات شخص على سطح الكوكب خاضعين لإجراءات الحجر.
لكن خلال الأسابيع الماضية بدأ العديد من الدول بتخفيف هذه الإجراءات، مثل اليابان وإيران وإيطاليا وكرواتيا والمجر والسعودية والكويت والأردن وغيرها.
تراجع الإصابات
الأمر الأول الذي قد يبرر بدء بعض الدول في تخفيف إجراءات العزل، هو تسجيلها نتائج جيدة في السيطرة على المرض، فمثلا سجلت فرنسا أقل من مئة وفاة جديدة بكورونا لليوم السابع على التوالي، وذلك يوم الأربعاء مما يعزز الآمال في أن البلاد تجاوزت الأسوأ فيما يتعلق بالوباء.
وفي إسبانيا، قالت وزارة الصحة إن عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في البلاد ارتفع إلى 27118، بزيادة حالة وفاة واحدة عن اليوم السابق.
ولم تُسجل سوى 39 وفاة بالمرض خلال الأيام السبعة الماضية، في حين سُجلت 236769 إصابة في المجمل منذ بدء التفشي وفقا لأرقام الوزارة.
وكان تقرير قد نشر في صحيفة "ليزيكو" الفرنسية للكاتب إيف بورديون، قد قال إن جائحة كورونا بدأت بالتلاشي في كل أنحاء العالم تقريبا. وإن لم تقع هناك قفزة غير عادية، فإنه من المتوقع أن يشهد عدد الإصابات ركودا تاما في غضون شهر واحد.
وأضاف التقرير أن عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد انخفض خلال الأيام الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، إذ لم يتجاوز 1.2% من العدد الإجمالي للمصابين على مستوى العالم، وانعكس ذلك على تخفيف الضغط في أقسام الطوارئ التي كانت تعاني من الاكتظاظ.
في فرنسا أيضا كان هناك تصريح للطبيب الفرنسي اختصاصي الأمراض المعدية ديدييه راؤول، الذي نقلت عنه عدة وسائل إعلامية ومواقع إلكترونية، تأكيده أن فيروس كورونا المستجد على وشك الانتهاء، مستبعدا ظهور موجة ثانية للوباء.
راؤول قال إن الفيروس يتراجع بشكل ملحوظ عالميا وإن الأزمة قاربت على الانتهاء.
إذن المبرر الأول لتخفيف إجراءات الحجر الصحي هو السيطرة على تفشي الحالات الجديدة في بعض الدول، وانخفاض عدد من يدخلون وحدات العناية المركزة. والآن دعونا ننتقل للمبرر الثاني.
تأثير الحجر على المرضى
مع بداية تطبيق الحجر الصحي، برزت تحديات جديدة، إذ جرى تأجيل المواعيد التي تصنف أنها غير طارئة، كما أن إجراءات العزل الصحي قد صعّبت على البعض الوصول إلى الأدوية.
كما أن بعض المرضى أصبحوا يخشون الذهاب للمستشفى، لأنهم يخافون من العدوى بكورونا، وقد لا يبلغون عن أعراض خطيرة لديهم من أمراض أخرى حتى لا يضطروا لدخول المستشفى، وهذا قد يعني أن يصابوا بمضاعفات دون الإبلاغ عنها إلا بعد فوات الأوان.
ووفقا لمقال في نيويورك تايمز فإن تأجيل العلاج نتيجة جائحة كورونا كان أمرا خطيرا بشكل خاص للمصابين بالسرطان، وهو ما يتعارض مع سنوات من رسائل الصحة العامة التي تحث الجميع على تلقي علاج السرطان مبكرا قبل تفاقمه.
ولكن مع وباء كورونا يقول الأطباء إنهم يحاولون توفير الرعاية لحالات السرطان الأكثر إلحاحا، ليس فقط للحفاظ على الموارد الطبية المستنزفة نتيجة كورونا، بل أيضا لحماية مرضى السرطان الذين لديهم احتمالات كبيرة للإصابة بمرض شديد إذا أصيبوا بفيروس كورونا.
ففي أميركا مثلا أبلغ ما يقرب من واحد من كل أربعة مرضى بالسرطان عن تأخيرات في رعايتهم بسبب وباء كورونا، بما في ذلك الوصول إلى المواعيد الشخصية والتصوير والجراحة والخدمات الأخرى، وفقا لمسح أخير أجرته شبكة مكافحة السرطان التابعة لجمعية السرطان الأميركية.
وقبل أيام، دعا أكثر من ستمئة طبيب في رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى إنهاء حالة الإغلاق الذي يهدف إلى إبطاء انتشار فيروس كورونا، وقالوا إن الإغلاق له "عواقب صحية متزايدة باطراد"، وفق ما نقلته شبكة فوكس نيوز.
وتوضح الرسالة مجموعة متنوعة من التداعيات التي لاحظها الأطباء نتيجة استمرار الإغلاق، مثل:
1- عدم إجراء الفحوصات الروتينية للمرضى والتي يمكن أن تكشف مشاكل مثل مشاكل القلب أو السرطان.
2- زيادة في تعاطي المخدرات والكحول.
3- زيادة في عدم الاستقرار المالي والفقر اللذين يرتبطان ارتباطا وثيقا بتراجع الوضع الصحي.
وقال الأطباء في رسالتهم، "نحن قلقون مما يبدو أنه عدم الاهتمام بالصحة المستقبلية لمرضانا.. إن التأثيرات الصحية يتم تقديرها وتقليلها بشكل كبير".
وقال الرئيس والمدير التنفيذي لمراكز علاج السرطان الأميركية الدكتور بات باسو، إنه يجب على المرضى الذين قاموا بتأجيل أو إلغاء مواعيد الأطباء أو علاجاتهم بسبب وباء كورونا التواصل مع أطبائهم واستئناف إجراءات الرعاية الصحية الخاصة بهم، محذرا من حدوث ارتفاع حاد في الأمراض غير المشخصة وغير المعالجة والوفيات كأثر جانبي للوباء.
وصرح الدكتور باسو لفوكس نيوز بأن الأطباء يكتشفون الكثير من السرطانات أثناء الفحوصات عن طريق المصادفة عندما يراجعهم المرضى لإجراء فحوصات، وهذه الفحوصات لا تجري حاليا كما كانت قبل تفشي فيروس كورونا، و"هذا بالنسبة لي هو مصدر قلق كبير".
ومع أن أكبر مختبرات تتسابق لإنتاج لقاح أو علاج لكورونا، لكن الآمال تتراجع في الوصول إليها قريبا. فمثلا عقار كلوروكين الذي كانت معلقة عليه آمال كبيرة، أظهرت دراسة نشرت في مجلة "ذي لانسيت" الطبية عدم فاعليته، وأشارت إلى أخطار له على المصابين بكوفيد-19. هذا يعني أنه على العالم أن لا يتوقع قريبا علاجا فعالا لكورونا.
إذن نحن نتحدث هنا عن عدم الوصول للقاح أو علاج لكورونا قريبا، وعن آثار لاستمرار حالة العزل الصحي تشمل الأشخاص المرضى الذين لم يعودوا قادرين على متابعة حالاتهم مع الأطباء بالمستوى المطلوب، أو يخشون الذهاب للمستشفى خوف الإصابة بكورونا أو حتى الأشخاص المتعافين الذين من المهم فحص بشكلهم روتيني للتأكد من وضعهم الصحي وعدم تطور أمراض عندهم.
ماذا عن المبرر الثالث؟
ثورة الجياع
قبل أيام استبعد ترامب تماما تطبيق إغلاق آخر إذا تعرضت أميركا لموجة تفشي ثانية من فيروس كورونا في فصل الشتاء، وهذا خلال جولة في مصنع فورد في ميشيغان.
كما ضغط ترامب على الولايات لإعادة فتحها كجزء من جهوده للانطلاق في تحسين الاقتصاد المضطرب نتيجة تداعيات كورونا، حيث يعتقد البعض أن ترامب يريد أن يستند في الانتخابات المقبلة على اقتصاد قوي ويريد من الشركات إعادة فتح أبوابها. وتشير معطيات إلى أن فيروس كورونا أدى لفقدان 36 مليون شخص في أميركا لوظائفهم.
وعالميا، فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا فادحة للغاية. ووفقا لتقرير الاستقرار المالي العالمي الذي صدر عن صندق النقد الدولي في أبريل/نيسان الماضي، فإن جائحة فيروس كورونا تشكل تحديا تاريخيا.
وقد أدى عدد من العوامل إلى تضخيم تحركات أسعار الأصول، مما ساهم في تدهور الأوضاع المالية بشكل حاد وسرعة غير مسبوقة، وحدث أيضا تدهور كبير في سيولة السوق.
وقد تحتاج البلدان التي تواجه الأزمة المزدوجة المتمثلة في الصدمة الصحية وصدمة التمويل الخارجي -كالبلدان التي تعتمد على التمويل الخارجي أو المصدرة للسلع الأولية التي تعاني من هبوط أسعار هذه السلع- إلى مساعدات.
هذه الصدمة المالية التي سبّبتها جائحة كورونا تهدد بارتفاع حاد في مستويات البطالة والفقر، مما قد يقود إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية، وقد تؤدي إلى اهتزاز عميق في بنيان الدول. وفي أماكن كثيرة من العالم تجري احتجاجات ومظاهرات للمطالبة بإعادة فتح الدول.
وخلال هذا الشهر، شهدت عدة مدن ألمانية مظاهرات لافتة احتجاجا على الإجراءات المتعلقة بكورونا، ورفضا لإجراءات العزل التي اتخذتها الحكومة الألمانية لمواجهة التفشي.
ففي العاصمة برلين، خرج عشرات الآلاف من الأشخاص للمشاركة في مظاهرات احتجاجا على إجراءات كورونا. وفي مدينة ميونيخ وصل عدد المشاركين في مظاهرة هناك احتجاجا على قيود كورونا إلى ألف شخص قبل بدء المظاهرة، وهو الحد الأقصى المسموح به في مثل هذه التجمعات.
اللافت أن ألمانيا تعد من أفضل الدول بالعالم في توفير شبكة أمان اجتماعي للعاطلين عن العمل، وأيضا في توفير العلاج والرعاية الصحية، ويعد النظام الصحي الألماني أحد أفضل الأنظمة الطبية في العالم.
ولكن كل هذا لم يشفع لإجراءات كورونا فخرج الناس للتظاهر، فكيف سيكون الوضع في الدول الأضعف التي لا تقدم تعويضات للعاطلين عن العمل، أو التي لا توفر تغطية صحية شاملة لكافة مواطنيها.
لذلك، قد يكون إعادة فتح الدول أمرا لازما لمنع حدوث ثورة جياع، نتيجة الكساد الاقتصادي والبطالة، مما سيقود لاضطرابات تتخطى في أخطارها تفشي كورونا.
ولهذا قد تجعل المبررات السابقة تخفيف إجراءات الحجر الصحي عالميا أمرا حتميا، وعلى العالم أن يتعلم التعايش مع كورونا، مع استمرار تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، حتى تتطور مناعة لدى أجسام البشر للفيروس، أو ينجح العلماء في إيجاد لقاح أو علاج للمرض، أو يفقد فيروس كورونا شراسته.
المصدر : الصحافة الأميركية + الصحافة الإسبانية + نيويورك تايمز + وكالات