2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عالم مضطرب وخائف.. دراسات تؤكد أن كورونا سيترك تأثيرا نفسيا على البشر

عالم مضطرب وخائف.. دراسات تؤكد أن كورونا سيترك تأثيرا نفسيا على البشر
جو 24 :

على مسافة عشرة أمتار فقط من الباب الرئيسي للمستشفى الجديد الذي أُنشئ في شهر فبراير/شباط الماضي إلى جوار بحيرة "تنجكسو" جنوب مدينة ووهان الصينية، تقف فتاة عشرينية مستندة إلى جدار قريب، على ملامحها يمكن أن ترى علامات من الإرهاق والإحباط والفزع، إنها إحدى الممرضات في قسم الرعاية المركزة، ويبدو أن الموتى، من كل الأعمار تقريبا عدا الأطفال، يتساقطون كورقات شجرة الكاثايا في الخريف. الأجواء مرعبة، والجميع يخشى الموت.

غول في المستشفى

في الرابع عشر من إبريل/نيسان الماضي، نُشرت دراسة (1) جديدة بدورية "فرونتيرز إن سايكايتري" تحتمل أن أكثر من ثلث العاملين بنطاق الرعاية الصحية في أثناء جائحة "كوفيد-19" في الصين قد أُصيبوا بالأرق بدرجات متفاوتة، جاء ذلك نتيجة استقصاء أجراه الباحثون من جامعة جوانزو الصينية على عينة مقدارها أكثر من 1500 شخص.

 

كانت تلك هي الدراسة الأولى منذ بداية الجائحة حول العالم، والتي اهتمت بفحص الاستجابة النفسية لمتخصصي الرعاية الصحية بسبب كورونا المستجد، أشارت الدراسة كذلك إلى أن هؤلاء الذين عانوا من الأرق كانوا أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب والقلق والصدمات النفسية الناتجة عن التوتر، ومع استمرار الضغط نفسه تتوقع الدراسة أن الأمر قد يكون مزمنا في مرحلة ما ويتطلب تدخلا طبيا، لكن الأكثر أهمية من ذلك هو أن نتائج مشابهة كانت قد ظهرت (2) أثناء انتشار "سارس" عام 2003، حيث أشار نحو 90% من العاملين بقطاع الرعاية الصحية إلى تأثر سلبي شديد، تضمّن الإرهاق الدائم والخوف من الاتصال الاجتماعي، على مدى عامين بعد الوباء.


 
 

 

كذلك فإن نتائج مماثلة قد خرجت من مناطق متعددة حول العالم، في إيطاليا على سبيل المثال سجّل أكثر من 50% من العاملين بقطاع الرعاية الصحية -في دراسة (3) أخيرة من جامعة روما تور فيرغاتا- عددا من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وفيه يهتز مفهوم الشخص عن ذاته والعالم من حوله وتتشكّل لديه مشاعر سلبية وعاجزة، أكثر من خُمس هؤلاء سجّل أعراضا أكثر تطرُّفا من القلق والاكتئاب، وكانت النساء في الخطوط الأمامية للتعامل مع "كوفيد-19" أكثر تأثرا من الرجال.

 

لا يقف الأمر عند هذا الحد للأسف، بل تُشير بعض التقارير (4) إلى تصاعد درجات الخوف بين العاملين بقطاع الرعاية الصحية من العنف تجاههم كونهم يتعاملون بشكل مباشر مع المصابين بالمرض ويمكن أن ينقلوه إلى الناس في الخارج، تصاعد ذلك بعد حوادث عنف ضد الأطباء في مناطق متفرقة من العالم، الأمر الذي دفع السلطات -في الهند على سبيل المثال- إلى التعامل بقوانين صارمة للغاية تجاه كل مَن يتعرّض للأطقم الطبية.

ما بعد الصدمة

لكن تسونامي القلق، وتوابعه من اضطرابات الصحة النفسية الأخرى، لا يقف عند الأطباء فقط، من المعروف أن توابع الكوارث الشبيهة تكون سلبية في تأثيرها على الصحة النفسية. على سبيل المثال (5)، أظهر 5% من السكان المتضررين من إعصار آيك في عام 2008 علامات رئيسية لاضطراب الاكتئاب في الشهر الذي تلا الإعصار، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أشار شخص واحد من بين كل عشرة في مدينة نيويورك إلى مواجهته أعراض القلق والاكتئاب بينما أظهرت الدراسات أن رُبع الناس أفرطوا في استخدام الكحول في الفترة نفسها.

ويعتقد الباحثون في نطاق الصحة العامة أن نتائج أكثر قسوة ستلي الموجة الأولى لوباء "كوفيد-19″، وكان اقتراعا ضخما أجرته مؤسسة كايزر الأميركية غير الربحية قد أشار (6) قبل عدة أسابيع إلى أن نصف الناس يعانون بالفعل من درجات متفاوتة من التوتر أدّت بدورها إلى أعراض جسدية مثل الصداع أو الآلام المتفرقة في الجسم خاصة المعدة، إلى جانب درجات متنوعة من الأرق واضطرابات الأكل، تلك هي علامات رئيسية للقلق المرضي، والذي يمكن أن يستمر في بعض الحالات الهشّة.

 

بل وكانت جين توينج، أستاذة علم النفس من جامعة سان دييجو الأميركية قد استنتجت (7) أنه في العام 2020 كان الناس أكثر قابلية للاضطرابات النفسية بمعدل ثمانية أضعاف مقارنة باختبارات شبيهة سنة 2018، وكانت نسبة هؤلاء الذين تتفق أعراضهم مع نموذج المرض النفسي -في عيّنة مقدارها ألفا شخص- أكبر بفارق ثلاثة أضعاف من العينة التي اختبرت في عام 2018، هذا الأثر بالفعل كان قد بدأ في الظهور خلال الأشهر القليلة الماضية، على سبيل المثال كان استفتاء ضمّ نحو ألف وخمسمئة طبيب نفسي بريطاني قد أشار إلى ارتفاع بمقدار النصف في حالات الطوارئ النفسية.

 

لكن لفهم مدى عمق تأثير الوباء علينا جميعا يمكن أن نلتفت إلى مقال بحثي (8) صدر قبل نحو الشهر في دورية "كارنت بيولوجي" المرموقة يُشير إلى أن الآثار النفسية التابعة لـ "كوفيد-19″، خاصة بسبب إجراءات العزل الاجتماعي، ليست شيئا جانبيا، بل هي نتيجة لتناقض مباشر مع طبيعتنا البشرية.

 

بحسب تلك الفرضية، فإن البشر في حالات الكوارث، أثناء الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، يميلون للتواصل مع الآخرين، لا يطمئنهم إلا وجودهم ضمن مجموعة فاعلة معا تشكو المصيبة لبعضها بعضا وتستلهم الشعور بالهدوء من بعضها بعضا، هذا ليس فقط مجرد شعور عابر وإنما هو مركب رئيس في بنيتنا النفسية، تأصّل فينا على مدى مئات الآلاف من السنين لأغراض البقاء، التواصل ليس رفاهية اجتماعية، بل هو غريزة مثلها مثل الرغبة في الأكل أو الشرب أو الجنس ترتفع أهميتها مع اقتراب الخطر، لكن ما يحدث الآن، وهو الكارثة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية بالفعل، يدعونا للعكس تماما، أن ننعزل عن الآخرين، وأن نعتبرهم مصدر إصابة محتملا.

بل ويصل الأمر، بحسب الأبحاث (9) الأخيرة لـ "ليفيا توموفا" متخصصة علم النفس من معهد ماساتشوستس العالي للتكنولوجيا، إلى تحفيز أدمغتنا لإفراز كميات كبيرة من الدوبامين في مناورة تُشبه تلك التي تُمارسها أدمغتنا حينما نُمنَع عن شيء نشتاق إليه مثل الأكل أو حتى المخدرات بالنسبة لمدمنيها، يجعلنا ذلك أكثر كُرها للعزل الاجتماعي وأقل قدرة على التكيف مع ضوابطه وأقل سعادة مع شعور غامر بالوحدة، الشعور الذي يتسبّب بدوره -في سياقات مزمنة- في الكثير من الكوارث النفسية التي تبدأ بالاكتئاب.

فوضى في كل مكان

بالطبع لا يمكن أن نُرجع كل ذلك الاضطراب النفسي الحادث أو المتوقع إلى القلق الخاص بالوباء فقط، لكن أيضا إلى نِسَب متصاعدة من التوتر الاقتصادي العالمي الحالي، ملايين خسروا وظائفهم، وملايين أخرى تتجهز لظروف مجهولة، لذلك فإن أكثر التأثيرات قسوة كان في فئات بعينها مثل الشباب في سن العمل وصولا إلى سن الأبوة، الكثير من الدراسات تُشير إلى أن الأمر لا يتوقف عند الجانب النفسي فقط، فالأشخاص (10) الذين يواجهون تقلُّبات ثقيلة في الدخل قد يكونون أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية والإجهاد، والتي ترتبط بدورها بتدهور أكبر في الصحة الإدراكية.

 

وفي دراسة تابعة لجمعية القلب الأميركية نُشرت (11)في يناير/كانون الثاني الفائت، كان انخفاض الدخل المفاجئ، في الفئة العمرية 23-35 سنة، سببا مباشرا في تَعرُّض الشخص بنسبة أكبر من الضِّعف للإصابة بالسكتات الدماغية أو الذبحة الصدرية أو الفشل القلبي أو الموت، خلال 15 سنة فقط بعد أول ضربة قاسية للدخل الشخصي، هذا إلى جانب أن الوظائف الإدراكية للإنسان تتضاءل بسبب الجهد المستمر الذي يضطر لبذله من أجل أن يتعامل مع الآثار الفورية لانخفاض الدخل، مثل اضطرارك لخفض المصروفات اليومية وآلية تنظيم ذلك.

أما بالنسبة لمصابي كورونا المستجد أنفسهم فإن المشكلة أكبر، فعلى الرغم من أن نسبة الوفاة من المرض ضئيلة، عالميا نحو 5% لكنها في الحقيقة ربما 1%، فإن ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي من مشاركة مستمرة لأعداد -وحكايات- الوفيات يتسبّب في درجة واسعة من الخوف التي تجعل خبر الإصابة بكورونا هو صدمة شديدة للشخص، خاصة الفئات العمرية أو المرضية التي تقع في دائرة الخطر.

 

لذلك يعتقد مجموعة من الباحثين، في دراسة (12) أخيرة بدورية "ذا لانسيت"، أن ثلث المصابين، ونتحدث اليوم ونحن على حافة ستة ملايين إصابة مؤكدة حول العالم، مُعرّض للإصابة في وقت لاحق باضطراب ما بعد الصدمة، خاصة في الحالات التي طال بقاؤها في العزل الصحي أو المستشفيات، وقد تمتد فترة العزل أو العلاج من 30 إلى 50 يوما، خلالها يستيقظ المريض كل يوم وهو يظن أنه آخر يوم في حياته، حتّى مع أعراض متوسطة.

هذا ولم نتحدث بعد عن ارتفاع نسب العنف المنزلي، وهو أمر مرصود بنسب معروفة في كل دولة، لكن جرّاء اضطرار كل أفراد العائلة للبقاء معا طوال الوقت فإن بعض الباحثين يتوقع أن ترتفع نِسَب العنف، وكانت بريطانيا (13) -على سبيل المثال- قد سجّلت 16 حالة عنف منزلي أدّت إلى القتل في ثلاثة أسابيع فقط بعد الغلق، وهو رقم كبير نسبيا، كذلك يخشى بعض الباحثين أن يتسبّب غلق المدارس في درجات عنف منزلي كبيرة تجاه الأطفال، لأن الآباء الذين يمارسون العنف تجاه أطفالهم عادة ما يخشون أن يتحدث الطفل عن الأمر للمختصين بالمدرسة.

فقط تحمّل

لهذا السبب كان فريق ميونخ، صاحب دراسة "كارنت بيولوجي" التي تحدثنا عنها منذ قليل، قد اقترح أن تعمل الدول على تطوير البنية التحتية الخاصة بخدمات الإنترنت سريعا، وأن تدفع مواطنيها للتواصل عبر الإنترنت بكثافة الاتصال المباشر نفسها، لأن ذلك قادر على تخفيف الآثار السلبية للعزل الاجتماعي، بالإضافة إلى حاجة ملحة إلى أن تعمل الدول على توفير أعداد أكبر من متخصصي العلاج النفسي لمتابعة حالات الاضطراب النفسي في المنازل، لكن هل يمكن أن تُعالج حالات الاضطراب النفسي في المنزل؟

 

بحسب (14) فريق بحثي من معهد كارولينسكا السويدي، فإن ذلك ممكن جدا. قارَنَ هذا الفريق بين طريقتين لإجراء العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لمرضى القلق والاكتئاب، الأولى عبر لقاء مباشر مع المريض، والثانية عبر لقاء على الإنترنت، وجاءت النتائج لتقول إن علاج الإنترنت كان فعالا بقدر الجلسات، ما يُشير إلى إمكانية علاج المرضى، أو هؤلاء الذين يقعون على حافة المرض، في أثناء العزل الاجتماعي بسهولة.

 

من جهة أخرى قام فريق من جامعة "نورثويسترن" الأميركية بإطلاق تطبيق للهواتف الذكية باسم "IntelliCare"، يحتوي على تمارين قصيرة للتخلص من التوتر، وتقليل القلق، بالإضافة إلى طرق لمساعدة الناس على الشعور بمزيد من المعنى في حياتهم، وإبراز نقاط قوتهم، وبحسب دراسة (15) في دورية "ذا لانسيت سايكايتري" كان مستوى التحسن في حالات القلق والاكتئاب، خلال ثمانية أسابيع من التمرن، نحو 60%، وهو مستوى تعافٍ مشابه لذلك الموجود في العلاج النفسي التقليدي.

قارءنا العزيز، مرّت أكثر من أربعة أشهر منذ بدأت الجائحة في الوطن العربي، يؤثر ذلك بقوة على ذواتنا دون أن ندري، يجعلنا أقل إقداما على الحياة وأكثر رغبة في الانفجار غضبا أو فقط الانزواء جانبا هنا أو هناك، في تقرير سابق للكاتب (16) بعنوان "قلق الكورونا".. كيف تُنقذ نفسك من التوتر الشديد بسبب الوباء؟" نعرض عليك مجموعة من الآليات المهمة، والمعترف بها عالميا، للتغلب على ذلك، مع مجموعة من الترشيحات المفيدة.

 

نميل نحن البشر إلى التقليل من شأن قدر مرونتنا على التعامل مع أزمات كتلك التي نواجهها، وفي المقابل نميل إلى التعظيم من شأن الخطر نفسه، لكن على الرغم من فداحة الأمر فإننا سنتمكّن من التعامل، والأهم من ذلك هو أن تدرك أن طول المحنة لا يعني أنها ستستمر للأبد، سيأتي يوم ويتوقف كل ذلك، فقط يتطلب الأمر بعض الصبر، فتحمّل يا صديق.

الجزيرة

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير