بيان صادر عن الدكتور محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
أصدر أستاذ العلوم السياسية، الدكتور محمد تركي بني سلامة، بيانا صحفيا حول حيثيات توقيفه عدة أيام، قائلا إنه قضيته سياسية بامتياز.
وتاليا نصّ البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان صادر عن الدكتور محمد تركي بني سلامة
مستهدين بقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ"، هذا بيان صادر عن الدكتور محمد تركي بني سلامة – أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أضع فيه الشعب الأردني بصورة ما جرى وامل ان يكون هذا البيان طي لصفحة هذه القضية التي لم تكن قضيتي الشخصية وانما قضية كافة الشرفاء في الوطن الغالي.
أولاً، لا يسعني إلا إن أشكر رأس الدولة، جلالة الملك المعظم، راعي مسيرة الديمقراطية في هذا البلد الطيب بشعبه، المبارك بأرضه. فجلالة الملك هو حامي حرية التعبير لجميع أبناء هذا البلد كما عبرت عنه الإرادة الملكية في قانون الدفاع الأخير، الذي - وإن كان قانون دفاع في ظل ظروف استثنائية- هو القانون ذاته الذي حرص فيه جلالة الملك ألا تخترق الحريات العامة تذرعًا بهذا القانون الذي أوجبته الظروف الأخيرة. ولمّا كان جلالة الملك هو رأس الدولة ورمز حريتها ووحدتها، فإننا نجد من غير المنطقي (لا بل من غير اللائق) أن يكيّف كل انتقاد لأداء مسؤول في الدولة على أنه قدح في المقام السامي . و أؤكد انني ابن الدولة الاردنية الحريص على امنها واستقرارها ورفعة وتقدم شعبها .
ثانيًا، الشكر والتقدير والعرفان موصول على الدوام للشعب الأردني الحر الأبي في الوطن والخارج الذي ما تخلى في يوم من الأيام عن أبنائه الغيورين عليه في وجه كل طغيان مهما حاول أن يتجبر أو أن يتكبر، وهو الشعب ذاته الذي نراه اليوم قد ضاق ذرعًا بسياسات الحكومات التي لا تنفك أن تنتهج سياسة تضخيم الانجازات القليلة وإنكار الاخفاقات الكثيرة التي يؤكدها الوضع القائم. وأقصد هنا على وجه التحديد تلك الحكومات العاجزة والمفلسة التي يضيق صدرها كثيرًا بالانتقادات مهما صغرت، فغدت تدافع عن اخفاقاتها المتكررة بتكميم أفواه الأحرار من أبناء هذا البلد، الأمر الذي تؤكده حالة التوتر الراهنة والعلاقة المتشنجة بين أفراد المجتمع من جهة وهذه الحكومات المتأزمة من جهة أخرى.
ثالثاً, أتوجه بالشكر الجزيل لزملائي معالي رئيس و أصحاب السعادة أعضاء مجلس أمناء الجامعة الهاشمية و زملائي وطلابي في الجامعات الأردنية و أصحاب المعالي و السعادة و العطوفة من وزراء ونواب وشخصيات وطنية كل باسمه و بلقبه على وقوفهم معي في محنتي و ابداء تعاطفهم مع قضيتي وعدالتها و تدخلهم لانهاء الأزمة.
رابعاً، لا يسعني إلا أن أشكر كذلك كل شخص باسمه زوجتي وكافة أفراد أسرتي الكبيرة من الأهل والأصدقاء والأحبة الأحرار الذين وقفوا إلى جانبي في الفترة الماضية، وهم الذين عبروا عن مواقفهم المبدئية، المناهظة لسياسات تكميم الافواه، بجميع الوسائل السلمية التي كفلها الدستور الأردني عبر وسائل التواصل الاجتماعي المقروءة منها والمسموعة والمرئية.
خامساً، الشكر موصول كذلك إلى كافة الأجهزة الأمنية الساهرة على أمن الوطن وحمايته ، وأخص بالذكر أفراداً وضباطا من القائمين على ذلك الحبس الذي لبثت فيه نهاية أسبوع من نوع مختلف، ما عهدت مثله طوال أكثر من خمسة عقود من الزمن كأحد أبناء هذا البلد الذين نذروا حياتهم للعلم والمثابرة والإنجاز، وليس للخروج على القانون أو التطاول على رموزه.
لكني في الوقت ذاته لا أجد مناصًا من انتهاز هذه الفرصة لأعبر فيها عن موقفي المبدئي حيال ما حصل في هذه القضية التي لا أراها أكثر من أنها قضية سياسية بامتياز، ولأعبر كذلك عن قناعاتي ومواقفي السياسية فيما يخص ما يجري في هذا البلد الطيب المبارك الذي أنتمي إليه وأسعى ما استطعت إلى ذلك سبيلًا أن ابقى أحد المرابطين على تخومه أين ما كنت وحيثما حللت.
أولًا، لم أحد في يوم من الأيام عن إيماني المبدئي بأن حرية التعبير هي جوهر وجود الإنسان الذي وهبه الله لجميع خلقه من بني البشر، ولا ينبغي لأي قوة على الأرض – مهما طغت وتجبرت- أن تحرمه هذا الحق المقدس ؛ لذا فإني أعتقد جازمًا بأن قانون الجرائم الالكترونية (الذي بصمت عليه أصابع كثير من أعضاء البرلمان الأردني الأخير) قد أفرغ النص الدستوري من مضمونه، فكانت تلك – برأينا- خطيئة بحق الشعب الاردني لا تغتفر. وما كنت أنا إلاّ واحدًا من مئات الأحرار الاردنيين الذين جرّموا بموجب سلطة هذا القانون، الأمر الذي (إن سكتنا عليه) يعيد هذا البلد برمته الى مرحلة الاحكام العرفية التي دفع الشعب الأردني كلفة باهظة لتجاوزها في سابق الأيام، فنحن ما زلنا نرى (بالرغم مما حصل لنا في الآونة الأخيرة) بأن الحاجة ماسة – أكثر من أي وقت مضى- إلى إجراء تعديلات جوهرية على هذا القانون حتى لا يبقى متعارضًا مع روح الدستور الأردني الذي يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بطريقة تليق بالبشر في القرن الحادي والعشرين ، لا قانون يعيدنا الى العصور الوسطى ؟
ثانيًا، نحن نرى بأن الظروف الداخلية والاوضاع الإقليمية والدولية المتأزمة، وأن التحديات والتهديدات التي ما انفك هذا البلد يتعرض لها، تستدعي منّا جميعًا (حكامًا ومحكومين) التصرف بحس وطني مسؤول، وفق رؤية واضحة المعالم و سياسات مقنعة النتائج، تؤدي في نهاية المطاف إلى تحسن آداء جميع أجهزة الدولة من أجل بناء الأردن النموذج وإقامة دولة القانون والمؤسسات وتعزيز مجتمع المواطنة المسؤولة.
ثالثًا، أعد جميع المساندين لنا بأن أبقى - حال كل الشرفاء والأحرار في وطني- ثابتًا على موقفي، متمسكًا بمبادئي مهما حاول العابثون أن يصدونا عن هدفنا المنشود، ومهما حاول الفاسدون المفسدون أن يلوحوا بجزرة الترغيب تارة وعصا الترهيب تارة أخرى.
رابعًا، ربما لا نحتاج أن نعزز أكثر ثقتنا بالقضاء الأردني النزيه العادل والمستقل، فهم في نظرنا فرسان العدالة، وهم صمام الأمان الذي نراهن عليه حتى يسطع - بإذن الله - نور الحق في نهاية النفق مهما اشتدت ظلمات الباطل الزائل.
حمى الله الوطن و شعبه الابي و قيادته الهاشمية، والحرية لكافة معتقلي الرأي ، وليخسأ الفاسدون، والعاقبة – لا محالة - للذين يريدون الإصلاح في الأرض، وما يريدون أن يكونوا من المفسدين:
"... وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " .
أخوكم الدكتور محمد تركي بني سلامة
المفرق 3 حزيران 2020
3 حزيران 2020