فيروس كورونا: لماذا نشعر أن الوقت يمر بسرعة أثناء البقاء في العزل المنزلي؟
جو 24 :
يبدو لبعضنا أن أيام الحجر تمضي أسرع من المعتاد. لكن لماذا؟
في الوقت الذي بدأت فيه أجزاء من العالم تخفيف إجراءات الحجر الشامل، يستدعي البعض ذكريات ما مضى من فترة الحجر ويجد أن الوقت في تلك الأثناء كان يبدو وكأنه يمضي بسرعة مدهشة.
ولم يتوقع الكثيرون أن يمضي وقت العزل بسرعة، وقد قيل لنا في بادئ الأمر إن حياتنا توشك أن تكون مقيّدة أكثر بكثير من المعتاد، وأن أسابيع من الملل في انتظارنا ونحن معزولون داخل منازلنا.
ومن المبكر جداً إخضاع هذا الموضوع للبحث، لكنّ ما يُسرد من قصص وحوادث يدهش البعض من مرور أيام العزل بسرعة، وأن أكثر من سبعين يوما مرت منذ بدء الحجر المنزلي الشامل.
وفي المملكة المتحدة أثناء تفشي الفيروس، اعتاد الناس الوقوف على عتبات بيوتهم مساء كل خميس للتصفيق للعاملين في القطاع الصحي.
وقد يبدو هذا التقليد جيدا من أحد جوانبه؛ لأنه يتيح فرصة لمبادلة التحايا مع الجيران، لكنه من جانب آخر يجعلك تشعر بأن الأسابيع تنقضي بسرعة البرق.
ويتواصل معي صحفيون من الولايات المتحدة إلى بولندا ليسألوني لماذا يبدو الوقت وكأنه يمر بسرعة أثناء الأزمة، وبهذا عرفت أنني لست وحدي.
وأحد أسباب هذا الشعور هو أننا نُكوّن في عقولنا تصورًا خاصا عن الوقت، والذي لا يتطابق دائماً مع ما تطالعنا به الساعة الزمنية .
فعشرون دقيقة نقضيها في غداء مع صديق تمرّ بسرعة، بينما 20 دقيقة في انتظار لقطار تأخر عن موعده يمكن أن نشعر بها طويلةً حدّ الملل مع أنها في الواقع مدة زمنية واحدة.
وثمة طريقتان نقدِّر بهما مرور الوقت: طريقة استشرافية (مدى السرعة التي يمر بها الوقت الآن)، وأخرى استرجاعية (مدى السرعة التي مر بها الأسبوع الماضي أو العِقد الماضي).
وقد وجد المنعزلون عن أصدقائهم وعائلاتهم أثناء الحجر أن لديهم وقتا طويلا يحتاجون إلى شغله.
وقد وجدوا جميع أنواع الوسائل المبتكرة والإبداعية لتمضية الوقت: من إعداد الخبز، واستنبات البذور، ومكالمات الفيديو.
لكن إذا كنت تقضي أيامك ولياليك كلها داخل المنزل، فإنك لا بد وأن تشعر بتشابه الأيام، حتى أن البعض لم يعد يميز بسهولة بين أيام العطلات والأيام العادية لتشابهها في المنزل.
هذا التشابه في الأيام يقلّ معه تكوُّن الذكريات التي تعتبر أمرا أساسيا لإدراك الزمن؛ الذكريات هي إحدى الطرق التي نحكم بها على كمّ الزمن الذي انقضى.
وعندما تذهب في عطلة لمدة أسبوع إلى مكان جديد، يمرّ الوقت بسرعة وأنت هناك لأن كل شيء جديد، لكن عندما تعود إلى البيت تتذكر أنك كوّنت الكثير من الذكريات الجديدة التي تجعلك تشعر أنك كنت بعيداً عن البيت لفترة أطول بكثير من أسبوع واحد.
وما تستشعرهفي العطلات، يمكن أن تستشعر عكسه أثناء الحجر المنزلي. وحتى لو بدت الأيام وكأنها تمر بطيئةً، فعندما تصل إلى نهاية الأسبوع وتستعيد الماضي مُقدِّرًا بطريقة استرجاعية كم من الوقت قد مضى، ستجد أنك كوّنت ذكريات جديدة أقل من المعتاد، عندئذ يبدو الوقت وكأنه تبخّر.
هذه الحال أقلّ قسوة من التجربة التي عاشها بعض الناس عندما كانوا في السجن أو عندما كانوا سجناء المرض؛ ففي هذه الحالات يمر الوقت ببطء مؤلم وهم يتطلعون إلى انتهائه، ولكن عندما ينتهي ويسترجعون ما مضى، يمكن أن يشعروا كما لو أن الوقت قد تقلص.
ومن الطبيعي أنّ يجد البعض أنفسهم أثناء الحجر أكثر انشغالاً من أي وقت مضى. وقد قضوا الوقت بين محاولة فهم التحديات التقنية الخاصة بآليات العمل من المنزل وبين وظيفتهم الجديدة المتمثلة في التعليم المنزلي لأبنائهم.
وعلى الرغم من انشغالهم، فإنهم يقضون حياتهم الجديدة كلها تقريباً في مكان واحد، فتنحصر بذلك أمامهم فُرَص تكوين ذكريات جديدة.
وهذا بدوره يوهم بالشعور بأن الوقت مرّ بسرعة. وعلى تطبيق زوم يمكن لعشرات الاتصالات من نفس الجهات أن تبدأ في الاندماج لتبدو وكأنها اتصال واحد.
وقد ننظر الآن إلى الأمام مستشرفين عدة أيام، أو مستشرفين مستقبلا بعيدا عندما نتخيل أن كل هذه الأوضاع التي نعيشها من حجر وعزلة قد تنتهي.
وعندما نصل إلى ذلك المستقبل وننظر إلى زمن فيروس كورونا الذي انقضى، أعتقد أننا سنجد صعوبة في تحديد أجزاء مختلفة من الشهور التي قضيناها في الحجر.
وربما نتذكر أين كنا عندما سمعنا أن الفيروس وصل إلى البلاد التي نعيش فيها، أو أنه تم إعلان الحجر الشامل. ويطلق علماء النفس على هذه الحال مصطلح الذكريات الومضية، وهو أمر شائع عندما نسمع عن أحداث ضخمة حقًا.
لماذا نشعر بسرعة مرور الوقت أثناء الحجر في منازلنا؟
عندما نصل إلى مرحلة ما بعد فيروس كورونا قد نجد صعوبة في تحديد أجزاء مختلفة من الشهور التي قضيناها في الحجر
لكننا نجد صعوبة في تذكر وقائع حدثت لنا بعد بداية فترة الحجر، ولا نكاد نميّز بين أسبوع وآخر من الأسابيع التالية بسبب غياب العلامات المميزة في الوقت.
وغالباً يمكننا أن نستنبط متى تقع أحداث مختلفة عن طريق تذكُّر الأشياء الأخرى التي كانت تجري في حياتنا -على سبيل المثال عندما استلمنا وظيفة جديدة أو ذهبنا للاحتفال بعيد ميلاد أحدهم.
وعندما لا تستطيع مغادرة بيتك إلا نادراً، تغيب هذه العلامات الزمنية المميزة وتندمج كل الأيام حتى تبدو كما لو كانت يوما واحدا.
ويتباين الأفراد في تصوّرهم للوقت تبايُنًا مذهلا. نصفنا تقريباً يرى المستقبل كشيء يأتي إلينا بينما نحن في أماكننا لا نتحرك، بينما النصف الثاني يرى أننا نتحرك باتجاه المستقبل.
وفي الإمكان توزيع الناس على هاتين المجموعتين عبر أسئلة بسيطة على غرار: "إذا تم تقديم موعد اجتماع الأربعاء يومين، ففي أي الأيام سيكون اجتماع الأربعاء إذًا؟”.
وهناك إجابتان محتملتان على السؤال، وليست إحداهما أصحّ أو أدقّ من الأخرى.
فالذين يرون أنفسهم ثابتين ساكنين وأن المستقبل يتحرك باتجاههم يميلون إلى إعطاء يوم الاثنين كإجابة عن السؤال؛ لكن الذين يرون أنفسهم يتحركون باتجاه المستقبل فيميلون إلى أن تكون إجابتهم هي يوم الجمعة.
ومع أن الناس في العادة لديهم تفضيل غريزي لإحدى الإجابتين على الأخرى، إلا أن تجارب معينة كالرحلات مثلاً يمكنها تغيير إجابات الناس.
وقد توصلت ليرا بوروديتسكي، باحثة علم النفس في جامعة ستانفورد، إلى أن الأشخاص المرغمين على المكوث في صالة انتظار أحد المطارات استعدادا للسفر سيميلون إلى الإجابة بيوم الاثنين، لكن الأشخاص في صالة الوصول ستميل إجابتهم إلى أن تكون يوم الجمعة.
وليس في الإمكان أن نُثبت ما إذا كان الحجر سيحوّل بشكل مؤقت أعدادا أكثر منا إلى الفئة التي تختار يوم الاثنين، المرغمة على انتظار توجُّه المستقبل نحوها.