كيف اكتسب فيروس كورونا القدرة على الانتقال من الحيوانات إلى البشر؟
ما زالت جائحة كورونا محل لغز إلى الآن. فكيف لفيروس لم يسبق له أن أصاب الإنسان أن يظهر فجأة في جنسنا البشري مجهزا بكل ما يحتاجه لكي ينتقل عبر العالم بهذه السرعة في غضون أشهر؟
حاول العلماء إجراء عدد من التحاليل الجينية لفهم طبيعة الفيروس، والتي أظهرت نتائج متضاربة أحيانا.
إذ أرجعت بعض هذه التحليلات أصل الفيروس إلى الخفافيش المحلية في منطقة ووهان في الصين، في حين سلط آخرون الضوء على أوجه التشابه بين الفيروس وحيوانات البنغول (آكل النمل الحرشفي)، التي جُلبت أيضا إلى تلك المنطقة كتجارة في الحياة البرية.
إعادة التركيب
حديثا، أجرى فريق بحثي من جامعة ديوك ومختبر لوس ألاموس الوطني وجامعة تكساس في إل باسو وجامعة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، تحليلا مفصلا لمجموعة كبيرة من جينات الفيروسات.
استنتج العلماء في بحثهم الذي نشر في دورية "ساينس أدفانسز" يوم 29 مايو/أيار الماضي أن فيروس "سارس كوف-2" الذي أصاب الإنسان قد جمّع أجزاء متعددة معظمها من الخفافيش وبمساهمة رئيسية من آكلات النمل الحرشفي.
كما أشار العلماء إلى أن تبادلا جينيا في جزء حاسم من جينات الفيروس التاجي قد منحه هذه الفرصة للانتقال من الحيوان إلى البشر. إذ إن هذه القفزة جاءت نتيجة لقدرة الفيروس -المكتسبة- على الارتباط بخلايا مضيفه، وذلك إثر تعديل مادة الفيروس الوراثية.
الارتباط بخلايا البشر
يبدو الأمر كما لو أن الفيروس قد أعاد تشغيل أبواب الخلية البشرية المستضيفة، وذلك من خلال "مفتاحه" الخاص المتمثل في بروتينات الفيروس الشوكية الموجودة على سطحه. إذ تستخدم فيروسات "سارس كوف-2" هذا البروتين للارتباط بالخلايا وإصابتها.
يوضح فينغ جاو -أستاذ الطب في جامعة ديوك والمشارك في هذه الدراسة- هذه الآلية فيما نقله موقع "ساينس دايلي" قائلا "يشبه الأمر إلى حد كبير فيروس سارس (SARS) الأصلي الذي انتقل من الخفافيش إلى قط الزباد، أو فيروس ميرس (MERS) المنتقل من الخفافيش إلى الإبل، وبعدها إلى البشر. إذ إن أسلاف هذا الفيروس التاجي قد شهدت تغيرات في مادتها الوراثية مكنتها من إصابة البشر في نهاية المطاف".
وقد وجد الباحثون أن الفيروسات التاجية التي تصيب حيوان آكل النمل الحرشفي تختلف تماما عن فيروسات "سارس كوف-2″، المسبب لجائحة كورونا الحديثة.
بيد أنها أبقت على جزء من البروتين الشوكي اللازم لارتباط الفيروس مع مستقبلات غشاء الخلية البشرية، والذي يمثل مفتاح اللغز لحدوث العدوى البشرية.
تتيح مواقع الارتباط تلك تثبيت البروتينات الشوكية للفيروس على خلايا الجهاز التنفسي للإنسان وخلايا الأمعاء الطلائية وخلايا البطانة الغشائية وخلايا الكلى.
تبادل المعلومات الوراثية
على الرغم من أن سلف الفيروسات التاجية التي تصيب الخفافيش شبيهة الصلة بفيروس "سارس كوف-2" الذي يصيب البشر، فإنه لا يمكنها إصابة الخلايا البشرية من تلقاء نفسها لأنها ترتبط بخلية الخفاش في موقع مغاير تماما لما في البشر.
ويبدو أن فيروس "سارس كوف-2" جاء هجينا من كل من فيروسات الخفافيش وآكلات النمل الحرشفي، وهو ما أكسبه الشفرة اللازمة لفتح أبواب الخلية البشرية.
حول آلية انتقاله إلى البشر، تضيف شياوجون لي المشاركة في الدراسة قائلة "هناك بعض المناطق شديدة التشابه في تسلسل الأحماض الأمينية موجودة في أنواع الفيروسات التاجية المتباينة التي تصيب البشر والخفافيش وآكلات النمل الحرشفي، مما يعني أن هذه الفيروسات تنتقي مضيفها بشكل مماثل، وهو ما سهل من انتقال فيروس "سارس كوف-2″ من هذه الحيوانات إلى الإنسان".
كما أشارت إيلينا جورجي المشاركة في الدراسة إلى أن الفيروس كان له "تاريخ غني من التعديلات الوراثية التي حدثت إثر مبادلة الجينات بين كل من الفيروسات التاجية التي تصيب الخفافيش وتلك التي تصيب آكلات النمل الحرشفي. وذلك قبل أن تكتسب قدرتها على الانتقال إلى البشر".
ومن ثم يرى الباحثون أن "تتبع المسار الجيني للفيروس سوف يساعد على منع أي جائحة مستقبلية قد تسببها الفيروسات، ولربما تساعد أيضا في إيجاد بعض اللقاحات".