الوقفي يكتب: ضريبة ولكن..
جو 24 :
كتب إياد الوقفي - قانون ضريبة الدخل الجدلي، الذي رحلت على وقعه حكومة الدكتور هاني الملقي، وأقرته الحكومة الحالية بشروط أقسى وأصعب من سابقه، بدأت خيوطه تنسج بعناية بضغوط من مؤسسات دولية، تبناها عضوان في مجلس الأعيان، وقت ذاك، تحت عنوان "ضريبة المواطنة". تداعياته مازالت تلقي بظلالها على أصحاب المداخيل المتوسطة، بعد أن تم التلاعب في سقف الإعفاءات المقدم للأسر والأفراد على حد سواء.
تبعات هذا القانون الذي تم إقراره بالاتفاق ما بين الحكومة ومجلس النواب، جاءت تحت ذريعة الإصلاح الضريبي، لتأتي الحكومة مجددا ومن باب التلاعب بالعبارات في محاولة منها ل"تبليع" المواطن وتخديره، وتدفعه إلى الرضوخ طوعا للأمر الواقع، حيث خرج وزير ماليتها بالأمس القريب ووصف الأمر بالإصلاح "العميق"، في إشارة واضحة للاستمرار في تعبئة الرأي العام بأهمية هذا القانون، بوصفه يشكل حلا "مثاليا" من وجهة نظر رسمية أحادية ليس أكثر، وجاء بما لا يقبل اللبس، على حساب شريحة واسعة من الموظفين، الذين يمثلون الطبقة الوسطى، التي بدأت تترنح عمليا بفعل السياسات المالية المتبعة، وعمليات الإزاحة الحكومية بشد هذه الطبقة إلى الأسفل، دون أي حسابات من جانبها لما تمثله هذه الطبقة من صمام أمان وأهمية بالغة في إحداث حالة التوازن الاقتصادي داخل الدولة.
المسؤول الحكومي ذاته يحاول في مقابلاته المتلفزة أن يسوق هذا القانون، ويرتدي ثوب الوطني الحريص على مصالح العامة، ويبحث عن عبارات منتقاة يعتقد أنها ستشق طريقها إلى قلوب وضمائر المتلقين، وتنال الرضا الشعبي، دون إدراك منه أن اللعب على وتر العاطفة لن يجدي نفعا، لا سيما وأن انعكاسات القانون الحالي خلقت فجوة جديدة في علاقة المواطن بحكومته.
وفي تصريح سابق "يطمئن" المسؤول أن الحكومة لن تفرض أو ترفع اية ضرائب خلال العام الحالي، وكأنه يعلن بطريقة غير مباشرة أن هناك المزيد من الإجراءات القادمة لسد "شبق" الحكومة المالي، التي استسهلت طريقها صوب جيوب المواطنين التي نضبت، بفعل سياساتها الجبائية، والتي مازالت ترى فيها انجع وسيلة تغذي بها خزينتها على حساب دافعي الضرائب، دون سعي حثيث منها لابتكار طرائق أخرى تقوي بها عود المركز المالي للمملكة.
المسألة برمتها لا تحتاج إلى معادلة حسابية معقدة أو إلى متخصص ليلمس مدى تدني مستوى الخدمة التي تقدمها بعض المؤسسات للمواطنين، ولعل من بين أبرز وأبسط الشواهد، تردي حال البنية التحتية وسوء في ترتيب الأولويات، فالأصل في الضريبة أن يكون المواطن شريكا في صنع القرار ويتلقى خدمات متميزة بمقدار ما يقتطع من دخله الذي تآكل بفعل عوامل لم تعد تخفى على أحد.
نؤكد مرة أخرى أن الفريق الاقتصادي في الحكومة، مازال غير قادر على إنتاج حالة إبداع يضع فيها حلولا خلاقة لجل مشاكلنا الاقتصادية، فأدراجهم ما زالت تخلوا من أي خطط أو برامج من شأنها الارتقاء بالواقع المالي، بدليل ما نشهده من تفاقم في عجز الموازنة وتراجع في حجم الإيرادات وبعض من ضبط النفقات في جوانب لا تسمن ولا تغني من جوع.
نتفق مع الحكومة في ضرورة العمل على مكافحة التهرب الضريبي والقضاء على كل أشكال الترهل في متابعة المتهربين ضريبيا، لكن نطالب في نفس الوقت بأن يكون عمل الحكومة مؤسسيا، ينسجم مع خطابها الذي يدعو شكلا إلى المحافظة على الطبقة الوسطى ومنع ذوبانها، بعد أن نالها ما نالها، إثر خفض سقف الإعفاءات، إلى جانب ضريبة مبيعات، وجمارك مرتفعة تفوق نسبتها سعر السلعة في بلد المنشأ.