مقتل أتاتيانا جيفرسون: لماذا يفضل جارها ألا يطلب مساعدة الشرطة مجددا؟
لم يكن جيمس سميث يريد أن تكون له أي صلة بالشرطة، لكنه اضطر إلى طلبها عندما رأى باب منزل جارته الخارجي مفتوحا على مصراعيه. وأراد الاطمئنان عليها، فقد كان الوقت متأخرا.
وعقب ذلك مباشرة سمع سميث صوت طلق ناري، وشاهد بعدها جثة امرأة في الـ28 من عمرها، محمولة على نقالة، وكانت ابنة جارته.
لا يزال جيمس سميث يشعر بالغضب، والإيذاء، والتعب. ودائما ما يعيده موت أي أسود على أيدي الشرطة إلى تلك اللحظة في شهر أكتوبر/تشرين الأول حينما قتلت أتاتيانا جيفرسون.
"عليّ أن أتعايش مع هذا الشعور بالذنب، وكأنه هم يخيم فوق رأسي ما حييت"، هكذا يقول جيمس لأنه يشعر أنه كان السبب وراء قدوم الشرطة إلى المكان في تلك الليلة".
"كان ذلك في يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، وكانت الساعة 02:30 بعد منتصف الليل، عندما أيقظني أبناء أختي وقالوا لي إن باب منزل جارتنا مفتوح على مصراعيه، وأنوار البيت مضاءة".
كانت صاحبة البيت، يولاندا كار، تعاني من مشكلات في القلب، ونقلت غير مرة إلى قسم العناية المركزة بالمستشفى، ولذلك أحس سميث بالقلق وخشي أن يكون قد حدث لها شيء.
وخرج إلى الشارع، ولاحظ أن ماكينة تشذيب العشب، وبعض آلات البستنة الأخرى، كانت موصولة بالكهرباء، وهذا شيء غريب أثار فضوله.
ولذلك طلب الشرطة للاطمئنان على سلامتها، وتوقع أن يأتي ضابط الشرطة، ويطرق الباب ويتأكد من أن الأسرة بخير.
ولم يكن يعرف أن جارته كانت في المستشفى في تلك الليلة، وأن ابنتها وحفيدها كانا ساهرين يلهوان بألعاب الفيديو.
وكان جيمس يقف في الجانب الآخر عندما وصلت الشرطة.
وكان أحد ضباط الشرطة، وهو آرون دين، يشهر مسدسه وهو يقترب من الباب الخارجي. ثم سار في ممر جانبي ملاصق للبيت حتى وصل إلى الحديقة. وبعد لحظات سمع إطلاق نار.
ويقول سميث: "عندما انطلقت الرصاصة، سمعت روحها وكأنها تقول، لا تدعهم يفلتون".
"وهكذا ظللت في الخارج طوال الليل حتى أخرجوها".
وامتلأ الشارع بأفراد الشرطة، ولم يخبره أي شخص بما حدث. حتى خرجوا بعد ست ساعات، وهم ينقلون جثة عرف أنها ابنة يولاندا كار، أتاتيانا جيفرسون، وقد قتلت.
كانت الأسرتان في مرحلة تعارف. وكانت يولاندا كار قد اشترت البيت قبل أربع سنوات، وكانت فخورة به.
وكان يفصل بين منزلها ومنزل سميث طريق ومساحة كبيرة من العشب الأخضر.
وسميث من قدامى الجيران في المنطقة. فقد ربى أولاده وأحفاده هناك، ولا يزال خمسة من أفراد أسرته يعيشون في الشارع نفسه حتى الآن.
ويقول إن الحفاظ على فناء المنطقة مستويا كان طقسا التزم به السكان، وتكيفت أسرة أتاتيانا مع ذلك بسرعة. وهو يصف يولاندا كار بأنها كانت سيدة متفانية في العمل. "كان لديها مشكلات في حياتها، تغلبت عليها، وكان بيتها بالنسبة إليها الجائزة التي حصلت عليها".
كانت أتاتيانا تمكث في البيت عندما تكون أمها مريضة. وكانت تدخر مالا حتى تستطيع دراسة الطب، بينما ترعى أمها وابنها ذا الثماني سنوات.
قبل قتلها، وقع تصادم سيارة في الشارع، بحسب ما يذكر جيمس سميث. وهرولت أتاتيانا إلى الخارج للمساعدة، وظلت مع الناس في السيارة حتى وصلت سيارة الإسعاف. وكانت تلك - كما يقول - هي طبيعتها.
وكانت تريد أن تصبح طبيبة، كما يقول. ويصمت سميث برهة ثم يقول: "لكن هذا لن يحدث الآن".
واعتاد جيمس أن يشذب العشب أمام منزلهم، وكانت أتاتيانا تحضر له ماء للشرب، وتتحدث معه. ويوم وفاتها، كانت هي التي تشذب العشب، وتعلم ابنها.
ويظهر الفيديو الذي صورته الكاميرا التي كانت على صدر الضابط بعد السماح بنشره، الضابط آرون دين وهو يمشي متجها إلى النافذة الخلفية من البيت، حيث ظهرت أتاتيانا للحظة.
وسمع صوت الضابط وهو يصرخ فيها: "ارفعي يديك، أريني يديك". ولم يكد ينهي كلامه حتى أطلق النار عبر النافذة، دون أن يعلن أنه ضابط شرطة.
واستقال دين من عمله قبل أن يطرد. ثم قبض عليه، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول أدين بالقتل، ولكن محاكمته تأخرت بسبب وباء فيروس كورونا.
وقال رئيس الشرطة في فورت وورث، إد كراوس، إنه لم يستطع فهم سبب إطلاق النار على أتاتيانا. وبدا كراوس منفعلا خلال المؤتمر الصحفي عندما كان يتكلم عن موتها وأثره في علاقات الشرطة مع الناس.
ولكن كل هذا لا يبعث الطمأنينة في قلب جيمس. فقد دمر موت أتاتيانا ما كان لديه من إيمان بالشرطة.
ويقول: "ليس لدينا علاقة بالشرطة، لأننا لا نثق فيها. وإذا تمكنا من الاستمرار في البعد عنها، فنحن بخير".
وأصبح جيمس اليوم أكثر ترددا من ذي قبل في طلب الشرطة. وفي الأيام الأخيرة، عندما سمعت أخته صوت إطلاق نار في المنطقة، طلبت منه طلب رقم النجدة، لكنه رفض.
ويقول جيمس: "إنها تجربة سيئة للأسف، وحتى تقدر ما أقول يجب أن تكون ملونا. ولا يقنعني أبدا جلوس أفراد الشرطة على ركبتهم احتراما، ولا احتضانهم للناس، لأننا ما زلنا نفعل ذلك ونصلي، منذ 60 سنة".
ولا يشعر جيمس بأن القضية ضد آرون دين ستفضي إلى شيء. ومما أزعجه أنه لم يأت أحد من الشرطة للتحدث معه منذ إطلاق النار على أتاتيانا. وهو يعتقد أنه لولا تحدثه مع وسائل الإعلام ما كان التحقيق قد بدأ في قتل أتاتيانا.
وهو غاضب جدا بسبب بطء إجراءات المحاكمة.
ويقول: "مع استمرار الوباء لن تبدأ المحاكمة قبل 2021. أما لو كان من يحاكم شخصا أسود أو ملونا، لكان قد أدين وبدأ تنفيذ الحكم".
"ما زلنا نحبس أنفاسنا. عذرا، لكننا لا نستطيع التنفس".
ويوجد حوالي 1000 "شرطي ضالع في (حوادث) إطلاق نار" يقتل فيها شخص ما كل عام في الولايات المتحدة. وهذه الإحصاءات تجمعها منظمات مختلفة، وهي في معظمها من وسائل الإعلام.
وطبقا لإحدى تلك المنظمات، التي تهتم بعنف الشرطة، فإن نسبة السود الذين قتلوا على أيدي الشرطة في 2019 كانت 24 في المئة، بالرغم من أنهم لا يمثلون إلا 13 في المئة من السكان.
وتفيد تقارير أخرى بأن جرائم الشرطة ضد السود تزداد فيها نسبة العنف عن الجرائم ضد الأعراق الأخرى.
وتندر حالات الإدانة في تلك الجرائم. وتقول منظمة متابعة عنف الشرطة إنها سجلت فيما بين عامي 2013 و2019 أكثر من 7500 حالة، قتل فيها ضباط الشرطة شخصا بعد إطلاق النار عليه، ولم يتهم إلا 71 ضابطا بالقتل أو القتل غير المتعمد، وأدين فقط 23 ضابطا بجرائم متصلة بالقتل.
وحينما توجه جيمس سميث إلى التلفزيون للحديث عن قتل جارته عرف أن هذا هو الضابط السابع الذي يشارك في عملية قتل في 2019 في مدينة فورت وورث، التي لا يزيد تعداد سكانها على مليون نسمة.
وإطلاق النار جزء واحد من المشكلة. فهناك تقارير عن وفيات خلال احتجاز الشرطة لبعض الأشخاص.
إذ تقول شرطية تدعى تيفاني بونتون إن عمها مات بهذه الطريقة قبل عامين من قتل جورج فلويد. وقد توفي أيضا كريستوفر لوي في سيارة الشرطة بعد احتجاز ضابطين له. وأظهرت كاميرا الشرطي إلقاء القبض عليه وسحبه إلى السيارة.
وبالرغم من شكواه من الألم خلال عملية القبض عليه، فقد كانت الشرطة تتهكم عليه وهو يجاهد حتى يقف ويسير على قدميه، وكان يقول لهم إنه مريض، وإنه لا يستطيع التنفس، وإنه يموت، دون جدوى.
وبعد 13 دقيقة وجد لوي ميتا بسبب جرعة دواء زائدة في مؤخرة السيارة. وطرد خمسة ضباط شرطة من عملهم في يناير/كانون الثاني 2019 نتيجة لذلك، ثم عاد اثنان منهم إلى عملهم بعد عام.
وعندما سألنا جيمس سميث إن كان يعرف تلك القضية قال: "نحن نتجنب الشرطة بأي وسيلة، حتى نستطيع العيش سالمين".
وبعد جنازة أتاتيانا بأسبوعين، توفي والدها ماركيز جيفرسون بنوبة قلبية. ويعتقد شقيقه أن الكمد هو الذي قضى عليه.
ولم تستطع أمها حضور الجنازة بسبب سوء حالتها الصحية. وعادت إلى البيت في يناير/كانون الثاني، بعد تحسن حالتها، وقرر سميث دعوتها على الغداء. وكان ينتظر حتى يفتح محل الشواء، عندما سمع صوت سيارة إسعاف في الشارع وقد توقفت أمام بيتها، وعرف أنهم يحاولون إسعافها.
وكانت ترتدي قميصا عليه صورة ابنتها، وتنام على وسادة أهداها لها سميث، مزينة بوجه أتاتيانا.
وفي أوائل يونيو/حزيران أصدرت رئيسة بلدية فورت وورث، بيتسي برايس، بيانا يتعلق بمقتل جورج فلويد، وذكرت فيه فلويد بالاسم، لكنها أشارت إلى أتاتيانا بأنها "مأساتنا" في فورت وورث.
وقال سميث إنها لم تذكر اسم أتاتيانا، وكان ذلك بمثابة سكين يطعن أحشاءه.
ومع متابعته لمشاهد الاحتجاجات في أنحاء البلاد، على مقتل فلويد، يتعجب لماذا لم يستجب الناس لقتل أتاتيانا بالطريقة نفسها.
ويقول: "إذا ظللنا هادئين فسوف تنسى أتاتيانا، وأنا لا أريدها أن تنسى".
وفي 19 يونيو/حزيران سيدشن أعضاء أسرة تاتيانا المتبقون، إخوتها وأخواتها، مؤسسة لتكريمها، مولتها التبرعات التي تلقوها عقب وفاتها.
وسوف تركز المؤسسة، التي سميت مشروع أتاتيانا، على التعليم وتحسين العلاقات بين الشرطة والناس. وسوف يكون مقرها في البيت الذي أطلقت فيه النار عليها.
وعلى موقع فيسبوك ينشر جيمس سميث بفخر صورة أحد الجدران في بيته، وقد علقت عليه صور لأولاده، وأولاد أخته، في ملابس التخرج.
وهو يمثل هو ويولاندا كار قصتي نجاح أمريكيتين. ولكن جيمس ليس متأكدا من إمكانية بقائه سعيدا في تلك المنطقة.
"عندما أنظر من شباك غرفة الطعام أرى بيت أتاتيانا. وعندما أغسل الصحون أرى بيتها. وحينما أستلقي على ظهري أرى البيت".
ودائما ما تعود صورة ما حدث في تلك الليلة إلى ذاكرته.
بي بي سي