بكينا العراق في عيونك يا أحمد...
م. مدحت الخطيب
جو 24 :
إنّ من العقائد المقرّرة في الإسلام، وجميع الديانات السماوية ، أنّ الخلق والموت والحياة بيد الله تعالى، ولا يملكها أحدٌ من الناس، فلا أحد يستطيع أن يجلب شيئاً من ذلك أو يدفعه عند وقوعه...
وصدق الفاروق حين قال كفى بالموت واعظًا يا عمر...
كيف لا وهو للقلوب مقرحًا، وللأحبَّاء مفتتًا، وللعيون مُبكيًا، وللنُّفوس محزنًا، وللجَماعات مُفرِّقًا، وللذَّات هادِمًا، وللأُمنيات قاطعًا...
له هَيْبَةٌ تخضع لها الرؤوس، وتنحني لها الظُّهور، وله رهبةٌ تخشع لها النُّفوس، وتَرجُف من أجلها القُلوب....
يَمضِي في طَريقه ولا يتوقَّف ولا يَتلفِت...
لا يستجيب لصَرخة مَلهُوف، ولا لحسْرة مُفارق، ولا لرغبة راغبٍ، ولا لخوف خائفٍ، ولا للوعة أمٍّ، أو شَفقة أبٍ، أو حَنين طفل او بكاء أخ أو أخت.
الموت: لا يَخاف الأباطرة ، ولا يَخشى الملوك ولا القَياصِرة يبطشُ بالعظيم كما يبطشُ بالحقير، ويُفنِي الشيخ الكبير كما يُفنِي الولد الصغير، ويُهلِك الكهلَ القويَّ، كما يُهلِك الشابَّ الفتي،
لا يرحم مسكينًا ولا فقيرًا، ولا يترك عَزِيزًا ولا ذَلِيلاً، ولا يدعُ بارًّا تقيًّا، ولا جبَّارًا عصيًّا، لم ينجُ منه أميرٌ أو وزيرٌ، ولم يسلمْ منه غنيٌ أو فقيرٌ كبيرا كان ام صغيرا...
..
هو انقضاء الاجل ولذلك يقول أهل العلم: إنّ الميت والمقتول كل منهما يموت بسبب انقضاء أجله، لا أكثر .
ولكنها الحسرات التي توجع القلوب.
الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء! هكذا وصف الموت الشاعر الكبير محمود درويش فالموت حقاً لا يوجع الموتى لأنهم فارقوا هذه الحياة جسداً ولكن لا تزال أرواحهم تُخلْق في كل الأماكن التي حولنا تشبه طيور الحب التي تُغرد أجمل الألحان ...
وعليه؛ فإنّ أجل الإنسان هو الذي علمه الله تعالى وقضاه، وموت الإنسان يكون بانقضاء هذا الأجل، وليس هناك فرق بين الأجل المسمّى والأجل المقضيّ ودليل ذلك قول سيدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ، فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) رواه البخاري...
جعلت كلام اهل العلم هذا مدخلا لمقالي حول ملابسات وفاة اللاعب العراقي احمد راضي وهذا الحزن الإعلامي والشعبي الكبير والذي خيم علينا أبناء العرب...
سكن عمان واحب ما فيها ومن فيها ،فاكرموه وصاهروه فأقام بين اظهرهم عدة سنين بكل حب واحترام ، وهذا ديدن اهل العراق العظيم...
فعمان كانت وما زالت وستبقى بعون الله الرئة التي تتنفس منها بغداد والعرب ...
رحل أحمد راضي وهذا قدر الله لا اعترض عليه...
فلكل نفس كتاب، ولكن ومن خلال متابعتي للمشهد العربي و العراقي في الداخل والخارج ، وجدت أنهم يبكون العراق بعيون ابو هيا...
نعم بموتك يا احمد كشفت عن الجرح العراقي من جديد الذي لم ولن يندمل...
بكيناك تعبيرا عن الحال التي وصلت اليه العراق، أمُّ العلم والعلماء والطب والأطباء....
فهل يصدق العقل ان هذا عراق الرشيد...كيف لقلبي ان يصدق هذا وقد تتلمذت على أيادي علماء العراق ..نحن نتحدث عن العراق يا سادة ام الحضارات والخيرات ...
كيف لوزارة ان تعجز عن توفير الرعاية الطبية لأبنائها ..وأبناء العراق ينتشرون في كل العالم يضمدون الجراح، فبأيديهم خطت أبجديات الطب منذ القدم.....
من خلال ما نُشر وصُور عن حالة الأسطورة احمد راضي والحديث عن نَقلِه الأردن ..
أستغرب ان لا يلتفت أحد من الأطباء المعالجين الى بروتوكولات التعامل مع المريض و ان لهذا الفايروس اللعين مضاعفات على الكلى ،والقلب والتنفس ..
ايعقل ان ينصب جل اهتمامهم وان تتفتح قريحتهم وهم يتحدثون على توفير خافض للحرارة للمرضى وهو يباع على البسطات حتى في الصومال !!!
استحلفكم بالله يعقل هذا.!!!
لم يكن احمد لاعبا لكي يبقى في قلوب الملايين إلى الان رغم اعتزاله اللعب منذ سنوات...ولكنه سر الله ..هو الذي أودع هذا الحب... وكما قال سيد البشر محمد عليه أفضل الصلاة والسلام...إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض...
رحم الله أحمد راضي وأعاد العز والفخر للعراق الكبير بأهله وشعبة..ومتعهم بالخير والأمن والاطمئنان..
اللهم ادفع عنا وعنهم. الغلاء والوباء والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن وعن سائر بلاد العرب والعالم و المسلمين ....