أشهر قليلة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية.. تصاعد الجدل حول التصويت عبر البريد
منحت تداعيات انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) التصويت البريدي الكثير من الاهتمام غير المسبوق لهذه الظاهرة، إذ أصبح معها قضية حزبية مهمة، في وقت أضفى موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المزيد من الإثارة على هذه القضية.
وجدد ترامب اعتراضاته على التصويت عبر البريد، وقال في تغريدة عبر توتير إن حكومات أجنبية وجهات لم يسمها ستسعى للتدخل فيها وتزويرها عبر طباعة ملايين الأصوات ما لم يتم وقف ذلك.
واعتبر أن الأميركيين صوتوا خلال الحربين العالمية الأولى والثانية دون أي مشكلة، ولكنه لفت إلى أن البعض يستخدم جائحة كورونا للغش وجعل الانتخابات فضيحة العصر، وفق تعبيره.
غير أن ادعاءات الرئيس مسيسة، ولا تدعمها أي دلائل أو قرائن.
اختيار وأهداف
ويقصد بالتصويت البريدي أن يتاح للناخب التصويت دون أن يغادر منزله من خلال إكمال بطاقة الاقتراع التي يرسلها للجنة المشرفة على الانتخابات بولايته عن طريق خدمة البريد الفدرالية.
ويهدف توفير هذه الخدمة للتسهيل على الناخبين وممارسة حقهم الدستوري حتى حال تعرضهم لأزمة صحية تمنعهم من مغادرة بيتهم أو المستشفى، أو في حالة كان الطقس سيئا أو مع ظروف تشهد وباء يصبح معه من الخطورة بمكان الذهاب لمراكز الاقتراع والانتظار لساعات في طوابير طويلة.
تختلف الانتخابات الأميركية عن غيرها من الانتخابات حول العالم في نقطتين أساسيتين. أولاهما تتعلق بإجرائها الثلاثاء الأول في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو يوم عمل ولا يعتبر عطلة بأي صورة من الصور.
ثانيا، تقوم كل ولاية من الولايات الخمسين بتنظيم انتخاباتها بطرق مختلفة ولا تخرق أي معايير تفرضها الحكومة الفدرالية. وتسمح لا مركزية إجراء الانتخابات بوجود طرق وأساليب مختلفة من ولاية لأخرى.
جوهر الاعتراض
وتقليديا لا يصوت الفقراء والأقليات بنسب كبيرة كما هو الحال عند تصويت المواطنين البيض. وتصوت هذه الفئات المهمشة بنسب أكبر للديمقراطيين، وهذا هو جوهر اعتراض ترامب والجمهوريين، إذ إن التصويت البريدي سيخدم بالأساس الحزب الديمقراطي من خلال التوسع في أعداد الناخبين من الأقليات والفقراء.
وطبقا لمعمل البيانات الانتخابية بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، فقد بدأت أميركا التصويت الإلكتروني أثناء الحرب الأهلية 1860 عندما سُمح للجنود بالتصويت بالبريد من ساحات القتال.
ومع نهاية القرن 19 توسعت قوانين الانتخابات في مختلف الولايات لتسمح بالتصويت البريدي للمرضى والمسافرين بعيدا عن أماكن إقامتهم، ثم زاد اللجوء للتصويت البريدي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ومارس ملايين الناخبين الأميركيين حقهم في الاقتراع باستخدام البريد خلال الانتخابات الماضية.
نسب وحالات
وتسمح الولايات الخمسين، إضافة للعاصمة واشنطن، حاليا لنسبة متزايدة من سكانها بالتصويت البريدي، وترسل الولايات للناخب بطاقة اقتراع، وفي حالات عدة تطلب الولاية من الناخب دليلا على عدم قدرته على الاقتراع بالطرق التقليدية.
وتختلف طريقة تأمين التصويت البريدي حيث تكتفي بعض الولايات فقط بتوقيع الناخب، في حين تطلب أخرى توثيق بطاقة الاقتراع، وفي حالات ثالثة تطلب الولاية وجود شهود أثناء ملء بطاقة الاقتراع.
ووافقت 46 ولاية حتى الآن على السماح بالتوسع في التصويت عبر البريد بسبب انتشار جائحة فيروس كوفيد-19، ولم يلعب الانتماء الحزبي لحكام الولايات أي دور في قضية السماح باستخدام التصويت البريدي.
ومن بين تلك الولايات 24 ولاية يرأسها حاكم ديمقراطي، في حين يرأس 22 ولاية حاكم جمهوري.
ويسيطر الجمهوريون على الحركة المعارضة للتصويت البريدي، ويترأس حكام من الحزب الولايات الأربع التي لم تتوسع في التصويت البريدي.
وأكد كين باكستون وزير العدل بولاية تكساس أن "الخوف من الإصابة بفيروس كوفيد-19 لا يمثل سببا كافيا لاعتباره عائقا صحيا أمام الاقتراع الشخصي كما تنص قوانين الولاية" وتعهد بمحاكمة هؤلاء الناخبين ممن سيصوتون بالبريد دون ورود مبرر لذلك".
ويقدر خبراء الانتخابات إمكانية أن يصوت 70% من الأميركيين عن طريق البريد بانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الرئاسية، ويمثل ذلك قفزة كبيرة من نسبة 40% شهدتها انتخابات 2016 أو ما مقداره 57.2 مليون ناخب. ويمثل ذلك بدوره ارتفاعا كبيرا من نسبة المصوتين بالبريد بانتخابات عام 2004 والتي لم تتخط النسبة فيها 20% أو 24.9 مليون ناخب.
وأشار استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث نهاية أبريل/نيسان الماضي إلى موافقة 70% من المستطلعين على ضرورة السماح بالتصويت البريدي لمن يرغب في ذلك، وتنخفض النسبة بين الجمهوريين لتصل إلى 49% فقط.
أهداف ترامب
ولم يخف ترامب الدافع الحقيقي وراء هجومه على التوسع في التصويت البريدي، إذ قال "التوسع في التصويت البريدي سيكون سيئا للحزب الجمهوري" وذلك على الرغم من عدم دقة هذا الادعاء.
وكشفت دراسة لجامعة ستانفورد عدم وجود فروق بين الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين بين من يصوت بالبريد مقارنة بالمصوتين بطرق الاقتراع التقليدي.
ويخشى الجمهوريون أن يقوم أشخاص بملء بطاقات الاقتراع نيابة عن الناخبين أنفسهم، ويعبرون عن مخاوفهم من استغلال الديمقراطيين لهذه الثغرات لتغيير نتيجة الانتخابات.
من ناحية أخرى، يؤمن الديمقراطيون أن التصويت بالبريد يمنح فرصة أكبر لفئات سكانية مهمشة وفقيرة ومن لا يستطيعون التصويت بأنفسهم لأسباب تتعلق بساعات العمل.
مواقف وسجلاّت
ويعتقد رودني ديفيس النائب الجمهوري من ولاية إلينوي أن "التصويت البريدي يمكن أن يسمح لغير المتمتعين بالجنسية أن يصوتوا حيث لا حاجة لإظهار بطاقة هوية للتأكد من هوية وشرعية الناخب" كما جاء في مقالة نشرها موقع شبكة فوكس الإخبارية.
كما عبر وزير العدل وليام بار من حدوث تزوير من قبل دول أجنبية يمكنها أن تنسخ بطاقات الاقتراع "وتعيد إرسالها بعد ملئها وتساهم بهذه الطريقة في التحكم بنتائج الانتخابات".
ورغم اتهامات ترامب وأركان إدارته لفكرة التوسع في التصويت واستغلال مبرر أن التصويت البريدي سيسمح بالتزوير والتلاعب في نتائج الانتخابات، رد خبراء معهد ماساشوستس للتكنولوجيا على هذه الادعاءات وأثبتوا عكس ذلك.
وكشفت دراسة فُحصت خلالها سجلات 250 مليون بطاقة اقتراع -خلال العشرين عاما الأخيرة- وجود حالات تزوير في 143 حالة فقط صدرت فيها أحكام قضائية، أي ما نسبته 0.00006% وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة المخالفات بالاقتراع الشخصي.
وتبحث بعض لجان الكونغرس مشروعات قرارات تسمح بالتوسع الكامل في التصويت البريدي، يمكن معه أن يصوت كل الأميركيين بريديا، لكن الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ تضع الكثير من العقبات أمام هذه المقترحات.
من جانبه عبر الجمهوري تم ريدج حاكم ولاية بنسلفانيا ووزير الأمن الداخلي السابق عن إحباطه مما ذكره ترامب. وذكر في حديث مع الراديو القومي "هذا شيء محبط جدا لأعضاء مجلس الشيوخ الذين يدعمون التوسع في التصويت عبر البريد حين يرون الرئيس يقول بصورة مباشرة: لا تستخدم البريد في التصويت".
ويحارب الجمهوريون التوسع في التصويت بالبريد أمام العديد من المحاكم الأميركية، في محاولة لوقف التوسع الذي يرونه كابوسا قد يكلفهم البيت الأبيض.