قتل 200 مليون في القرن 14.. الموت الأسود يظهر في الصين
جو 24 :
أصدرت السلطات في مدينة بيان نور بمنطقة منغوليا الداخلية الصينية تحذيرا يوم الأحد، وذلك بعد يوم واحد من إبلاغ مستشفى عن حالة يشتبه في أن تكون طاعونا دبليا (Bubonic plague)، لدى راعي ماشية.
والطاعون الدبلي يطلق عليه تاريخيا اسم "الموت الأسود"، وسبّب وباء عالميا ضرب أوروبا وآسيا في القرن 14، وقتل وقتها بين 75 و200 مليون.
وقالت اللجنة الصحية في مدينة بيان نور -في بيان- إن المصاب في حالة مستقرة، وهو في مستشفى بالمدينة.
ومنعت اللجنة صيد وتناول الحيوانات التي قد تكون حاملة للطاعون -لا سيما المرموط- حتى نهاية العام، وحثت السكان على الإبلاغ عن وجود أي قوارض مريضة أو ميتة.
وأفيد عن إصابة مشبوهة بالطاعون لدى فتى يبلغ 15 عاما الاثنين في منغوليا المجاورة، وفق وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية، وذكرت أن الفتى عانى من ارتفاع في الحرارة بعد تناوله مرموطا اصطاده كلب.
الطاعون مرض معد يصيب القوارض وبعض الحيوانات الأخرى والبشر (غيتي)
حجر
وقالت الوكالة إن حالتين مؤكدتين سجلتا الأسبوع الماضي في محافظة خوفد في منغوليا، لدى شقيقين تناولا لحم المرموط. وفُرض الحجر على 146 شخصا خالطوا الشقيقين.
وأصدرت لجنة الصحة في مدينة بيان نور هذا التحذير من المستوى الثالث، وهو ثاني أقل تحذير في نظام يتضمن 4 مستويات.
ويحظر هذا التحذير صيد أو أكل الحيوانات التي قد تحمل الطاعون، ويطلب من الناس الإبلاغ عن أي حالات يشتبه في أنها طاعون أو ارتفاع في درجات الحرارة من دون أسباب واضحة.
والطاعون الدبلي الذي اشتهر في العصور الوسطى "بالموت الأسود" مرض شديد العدوى، وغالبا يكون مميتا، وينتشر عن طريق القوارض في أغلب الأحيان.
وحالات الطاعون مألوفة في الصين، ولكن تفشي هذا المرض أصبح نادرا بشكل متزايد، وسجلت الصين 26 حالة إصابة و11 حالة وفاة خلال الفترة من 2009 إلى 2018.
الطاعون الدبلي الذي ظهر في الصين هو أحد أنواع الطاعون (بكتشر إيليانس-دويتشه فيلله)
ما هو؟
الطاعون مرض معد يصيب القوارض وبعض الحيوانات الأخرى والبشر، وتسببه بكتيريا يرسينيا بيستيس (Yersinia pestis)، التي توجد في العديد من مناطق العالم، وذلك وفقا للمراكز الأميركية للتحكم في الأمراض والوقاية.
وتقول المراكز إن الناس تصاب عادة بالطاعون عندما يلدغهم برغوث مصاب ببكتيريا الطاعون، يمكن أن يصاب الناس أيضا من الاتصال المباشر بالأنسجة أو السوائل المصابة أثناء التعامل مع حيوان مريض أو حيوان مات بسبب الطاعون.
كما يمكن أن يصاب الناس من استنشاق قطرات الجهاز التنفسي بعد الاتصال الوثيق بالقطط والبشر المصابين بالطاعون الرئوي.
أما الطاعون الدبلي الذي ظهر في الصين فهو أحد أنواع الطاعون، وفيه يصاب المريض فجأة بالحمى والصداع والقشعريرة والضعف وتضخم في العقد الليمفاوية وألم.
يسبب التهابا في اللوزتين والطحال والغدة الزعترية، وتشمل أعراضه الحمى وقشعريرة وحساسية في الغدد الليمفاوية.
تاريخيا، كان يطلق على الطاعون الدبلي "الموت الأسود"، في إشارة إلى السواد في الأنسجة الناجم عن الغرغرينا (موت الأنسجة) في أجزاء من الجسم، مثل الأصابع، التي يمكن أن تحدث مع المرض.
وسبب الموت الأسود وباء عالميا ضرب أوروبا وآسيا في القرن 13، وهناك عدة تقديرات للأشخاص الذين قتلهم الموت الأسود، ويعتقد أنه قتل نحو 50 مليون شخص في أوروبا، أي ما يقرب 60% من سكان القارة. أما عالميا فتشير تقديرات إلى أن وفياته تراوحت بين 75 و200 مليون.
وفيه تقوم البكتيريا بالتكاثر في الدم، وتشمل أعراضه حمى وقشعريرة وصدمة، يسببها النزف، ونزيفا تحت الجلد أو في أعضاء الجسم.
وهو أشد أنواع الطاعون خطورة، ويسبب التهابا رئويا، وينقل المصابون به العدوى للآخرين.
تشغيل الفيديو
لدغة برغوث
ويحدث الطاعون الدبلي عادة نتيجة لدغة برغوث مصاب، وتتكاثر البكتيريا في العقدة الليمفاوية الأقرب إلى مكان دخول البكتيريا لجسم الإنسان. وإذا لم يتم علاج المريض بالمضادات الحيوية المناسبة، يمكن أن تنتشر البكتيريا إلى أجزاء أخرى من الجسم.
تصاب البراغيث بالطاعون عندما تمتص الدم من القوارض مثل السناجب والفئران والثدييات الأخرى المصابة ببكتيريا يرسينيا بيستيس، ثم تنقل البراغيث بكتيريا الطاعون إلى الإنسان والثدييات الأخرى لاحقا.
وتعيش بكتيريا الطاعون فترة وجيزة (بضعة أيام) في دم القوارض ومدة أطول في البراغيث.
ويصاب الشخص عادة بالطاعون الدبلي بعد يومين إلى 6 أيام من الإصابة، وعند تعرض الشخص لبكتيريا يرسينيا بيستيس في الهواء سيمرض خلال فترة بين 1 و3 أيام.
وإذا ترك الطاعون الدبلي دون علاج يمكن لبكتيريا الطاعون أن تغزو مجرى الدم، وعندما تتكاثر بكتيريا الطاعون في مجرى الدم تنتشر بسرعة في جميع أنحاء الجسم، وتتسبب في حالة شديدة وقاتلة في كثير من الأحيان تسمى الطاعون الإنتاني.
ويمكن أن يتطور الطاعون الدبلي غير المعالج أيضا إلى عدوى في الرئتين، مما يسبب الطاعون الرئوي. إذا لم يتم إعطاء مرضى الطاعون العلاج وهو المضادات الحيوية يمكن أن تتقدم جميع أشكال الطاعون بسرعة حتى الموت.
عالميا يتم الإبلاغ عما بين ألف وألفي حالة كل عام من الطاعون، ولكن الرقم الحقيقي من المحتمل أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
ويتم علاج الطاعون بالمضادات الحيوية بنجاح، وبمجرد تشخيص المريض بالطاعون المشتبه فيه يجب إدخاله المستشفى وعزله طبيا.
أوبئة متعددة
ووفقا للدكتور عبد الرؤوف علي المناعمة، المحاضر بالجامعة الإسلامية في غزة؛ فقد سجل التاريخ العلمي انتشارا شهيرا للطاعون، عُرف باسم طاعون جوستينيان (باسم الإمبراطور البيزنطي جوستين) سنة 451 بعد الميلاد، واستمر حدوث أوبئة متقطعة لمدة 200 سنة، وقتلت نحو 25 مليون إنسان، وامتد الوباء إلى معظم دول حوض المتوسط.
أما في عام 1334، فقد بدأ انتشار ما عرف بالموت الأسود أو الطاعون العظيم في الصين، ومنها إلى القسطنطينية وسائر أوروبا، حيث حصد نحو 60% من مجموع سكان أوروبا، وبعض المؤرخين اعتبر حدوث هذا الوباء سببا من أسباب النهضة في القرن 14، حيث سبب الطاعون نقصا كبيرا في الأيدي العاملة، الأمر الذي أجبر الناجين على الحداثة والنهضة.
أما في عصرنا الحديث، فكانت نقطة انطلاق الطاعون من الصين في ستينيات القرن 19، وبعدها إلى هونغ كونغ أواخر القرن، وحتى بداية القرن العشرين، وانتشر عبر الجرذان في السفن البخارية، وهذه المرة حصدت الجائحة نحو 10 ملايين شخص.
ويضيف الدكتور أن طاعون عمواس الشهير في التاريخ الإسلامي سُمي بطاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، وذلك لأن الطاعون بدأ منها قبل أن ينتشر في بلاد الشام.
ومن أبرز من قضوا فيه من الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان وسهيل بن عمرو، وغيرهم من أشراف الصحابة، وقدّر بعض المؤرخين أن هذا الطاعون حصد أرواح نحو 25 ألف إنسان.
المصدر : الجزيرة + رويترز + الفرنسية + منظمة المجتمع العلمي العربي + مواقع إلكترونية