jo24_banner
jo24_banner

حريّة من الله.. غصب عنّك عبدالله

حريّة من الله.. غصب عنّك عبدالله
جو 24 :

كتب تامر خرمه

لا ندري ما هو نوع المهدئات التي يتناولها صنّاع القرار في هذا البلد، والتي أغرقتهم في حالة غريبة من الاسترخاء العميق والطمأنينة العمياء.. فالسلطة مازالت إلى اليوم تراهن على هدوء الشارع، متوهّمة أن الأمور لن تصل لدرجة الإطاحة بها ما لم تخرج مسيرة مليونيّة، وبقي عدد المشاركين بالفعاليّات الاحتجاجيّة يقتصر على العشرات أو المئات.

هل هي مسألة عدد ؟! وهل بدأت الاحتجاجات في مصر أو تونس بمسيرات مليونيّة ؟ وهل كان أوّل الغيث في سوريّة البوليسيّة مليون متظاهر ؟!! أم أن مبادرة العشرات صنعت التغيير وفرضت حتميّته على أرض الواقع في مختلف المجتمعات وعند كلّ مفاصل التاريخ ؟

الحريّة ليست مجرّد شعار أو مجموعة أصوات ائتلفت وفق نسق صوتيّ محدّد لاختلاق الكلمة، بل هي تلك الفكرة التي لا يمكن تقييدها على الإطلاق، فلم يسبق لسجن نازيّ او فاشيّ عذّب الأجساد أن تمكّن من أسر الحريّة، ولم تنجح أعتى الأنظمة البوليسيّة في منع الفكرة من الوصول إلى الناس واجتثاث التغيير من الركود المزيّف للواقع، الذي لا يعترف بأيّ شكل من أشكال السكون.

وكما أن الحركة هي الشكل الوحيد لوجود المادّة، فالحريّة هي قدر الإنسان والشكل الوحيد الممكن لوجوده.. فالأنظمة تستطيع في بعض الأحيان ان تزحف على حقوق الشعب، ولكن لا يمكن لها مصادرة حريّة الإنسان إلى الأبد، ومن يعجز عن تصديق هذه الحقيقة فما عليه إلا أن يسأل التاريخ، أو يتحدّى منطق الانثروبولوجيا إن استطاع إلى ذلك سبيلا !!

والحريّة لا تقبل التجزئة أو الاختزال، كما أنّها لا تفنى ولا تُستجدى، ولا يمكن استثناء حريّة الصحافة من معادلة الحريّة ووجود الإنسان.. امّا من يتنمّر اليوم ويتشدّق بأنّه صنع تابوت المطبوعات، فقد غرّر به العبث حتّى غاب عن ذهنه أنّ ذكراه فقط هي ما سيُسجّى في هذا التابوت، بعد أن تتجاوزه الأيّام كما تجاوزت كثيرين من قبله.

وصمة العار دمغت كثيرا من عشّاق السلطة الذين لا يذكرهم التاريخ إلا بهذه الوصمة، فغياب الجسد لا يغيّر الصورة التي ترتسم عن الذات في أذهان الآخرين، ومازال رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة ورئيس الوزراء د. عبدالله النسور في السلطة حتّى اللحظة، ولا ندري إن كان باستطاعة أحدهما أن يعمل على تجنّب وصمة العار التي ستلازمه بعد تنحيته عن السلطة وحتى بعد غيابه عن وجه الأرض.

النظام الأردني بات مخدّرا بالكامل بعد أن أفرط في تناول جرعات الوهم، ويراقب انشغال العالم بما يعصف بالمنطقة من أحداث، معتقداً أنّه بمنأى عن حتميّة التغيير. أمّا سرّ هذا الارتياح والاسترخاء فمردّه حرص واشنطن على "أمن" الأردن- أو بالأحرى أمن حدود "اسرائيل"- وتغليبها لهذه المسألة على حقوق الإنسان، ولكن هل حقّاً يعتقد هذا النظام أن الشعوب تنتظر موقف واشنطن أو تأخذ به بعين الاعتبار قبل أن تخرج إلى الشوارع لانتزاع حريّتها ؟!!

الشعوب انحازت لخيار الشارع في مختلف دول المنطقة من أجل حريّتها.. اليوم أنت تجلس في مقاعد المتفرّجين، ولكن مسرح الأحداث لن يستثني أيّا من أنظمة الفساد والاستبداد من المحيط إلى الخليج.. فهل يوجد من هو قادر على التعلّم من تجارب غيره وإنقاذ ذاته قبل فوات الأوان ؟!

غريب أمر السلطة التي تصرّ على فرض وصايتها على الإعلام، خاصّة في ظلّ صراعات القوى داخل البنية المافيويّة لهذه السلطة. والدوّار الرابع الذي ينفّذ الأوامر ويحاول فرض الإعلام الرسمي، كإعلام واحد لا بديل عنه، يتناسى ما قد تؤول إليه الأمور عندما تهيمن دائرة المخابرات مثلا على كافّة وسائل الإعلام، الذي سيتحوّل عندما تستفرد به إلى أداة صفراء لصراعات جانبيّة وتصفويّة، أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها غير نبيلة، وقد يُستخدم هذا الإعلام في يوم ما ضدّ أحد الذين حوّلوا السلطة الرابعة إلى مجرّد أداة، سواء بيد المخابرات أو القصر أو أيّة جهة أخرى.

حماية الفاسدين شكّلت الهدف الأساسي لقرار السلطة الذي استهدف حريّة الإعلام، في محاولة يائسة لحجب الحقيقة وتقييد الفكرة. ويكشف هذا القرار نمط التفكير البدائي الذي يستند إليه المطبخ السياسي الأردني، متوهّماً أن الوطن مجرّد شركة خاصّة، يمكن إدارتها إلى الأبد وفقاً للأهواء والمصالح الشخصيّة الضيّقة، ويظنّ أنّ حقوق الإنسان وحريّته من المسائل التي يمكن المساومة عليها أو وهبها كمكرمة حينا وانتزاعها أحيانا أخرى.. مقاربة لا يمكن أن تكون سوى نكتة سمجة، فالحريّة من الله.. غصب عنّك عبدالله.

تابعو الأردن 24 على google news