jo24_banner
jo24_banner

حرب الدولة الاردنية على الفساد ... هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وحماية المشاريع الوطنية والخطط التنموية ...

أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
 
 أكدت منظمة الشفافية الدولية في دراسة لها أن الحرب على الرشوة والفساد لا تحقق نجاحا في معظم دول العالم، بل وربما منيت بانتكاسات ملحوظة في أكثر من بلد. وجاء في دراسة المنظمة التي نشرتها اليوم الخميس(23 كانون ثاني/يناير 2020) وتعتبر مؤشرا عالميا للفساد، أن بلدا مثل ألمانيا لم يستطع تحسين مستوى مكافحة الفساد، إذ حققت وفقا للمؤشر 80 من إجمالي 100 نقطة عام 2019. وبهذه النتيجة ظلت عند نفس مستوى عام 2018، مما جعلها تشغل المركز التاسع بين دول العالم، وبفارق واضح بعد الدنمارك ونيوزلندا، وهذان البلدان يحتلان قمة المؤشر.
وتسجل الدراسة الفساد الذي يتم رصده في الاقتصاد والسياسة والإدارة في القطاع العام في 180 دولة، معتمدة في ذلك على تحليل بيانات 12 مؤسسة مستقلة متخصصة في تحليل إدارة الحكم والمناخ الاقتصادي في هذه الدول. وأكد معدو الدراسة أن مكافحة الفساد تراجعت حتى في أربع من الدول السبع الصناعية الكبرى، وهي كندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، في حين لم تتحسن في ألمانيا واليابان، ولكنها تحسنت في إيطاليا فقط.
عربيا ... فقد تراجعت مكافحة الفساد والادوات التي تقوم عليها الاجهزة الرقابية المتخصصة في مكافحة الفساد ، حيث بينت الدراسة الاممية الى وضع دول عربية في ذيل ترتيب دول العالم من حيث قيمة المؤشر، فيما تقف دول خليجية في مقدمة الدول العربية، إلا أنها تشهد هي الأخرى تراجعا طفيفا في هذا المجال الحيوي من حياة المجتمع. كما تلعب الحروب الأهلية والطائفية دورا في انتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري.
على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي لم يتحقق تحسن ملحوظ في مجال مكافحة الفساد ورغم تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر في مركزي 21 و 62 على التوالي، غير أن الدولتين لم تشهدا جهودا ملحوظة في مكافحته. ولا يغير من ذلك تصدرهما قائمة الدول العربية في مؤشر الشفافية الدولية. وحصلت الإمارات على 71 نقطة في مؤشر الفساد ما يجعلها تصنف بين الدول العشرين الأولى على مستوى العالم وتتصدر الدول العربية. أما قطر فقد حصلت على 62 نقطة من مجموع 100 على مؤشر الفساد.
اردنيا ... الدراسة الاممية التي اشرنا اليها اظهرت تراجعا طفيفا في الاردن في مجال مكافحة الفساد، حيث احتلت المركز 60 على سلم الترتيب العالمي في مكافحة الفساد، ومن خلال متابعة ما يصدر عن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد والتي أحالت المئات من قضايا الفساد المرفوعة ضد مسؤولين بالدولة وغيرهم ولكن تأخر المساءلة والمحاسبة الإدارية والقضائية للمسؤولين المورطين في الفساد جعل البعض يظن أن الحرب على الفساد مجرد شعارات وهمية.
لقد أعطى جلالة الملك عبدالله الثاني أكبر مساندة عرفتها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في معركتها على الفساد كونها تشكل الجهة الأساسية المكلفة بالتحقيق في قضايا الفساد وإعادة أملاك الدولة المنهوبة، بعدما ضرب الفساد بجذوره في أعماق الجهاز الإداري للدولة عبر عقود طويلة مضت، تم خلالها التراخي في مواجهته، مما جعل استئصاله مهمة صعبة على مختلف الأصعدة ، فعندما نتحدث عن جهود الدولة في مكافحة الفساد والتوجيهات الملكية وتدعيم ترسانة القوانين في هذا المجال بما يتماشى مع المعايير الدولية ومصادقة الحكومة على مجموعة من القوانين أبرزها الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين والتصريح على المكاسب والمصالح والإثراء غير المشروع ، فان ذلك يبعث روح الطمأنينة والتفاؤل لدى المواطن الاردني ... وهنا يمكن طرح السؤال التالي: إلى أي مدى أصبح هذا الجهاز الرقابي الصديق الأول للمواطن الاردني في حماية مصالحه وملاذ شكواه؟.
الحرب على الفساد في بلادنا أحد اشرس معارك الشأن الداخلي التي يخوضها الاردن حاليا بالتوازي مع معركتى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وهى المعركة الأخطر داخل البناء المؤسسي في إطار جهودها للإصلاح الاقتصادي والتنمية والتطوير والتحديث، والتي لا تعرف سوى حماية المال العام، وحماية المواطنين من الفاسدين ومصاصي الدماء والمتاجرين بقوت الشعب، وبنجاح الجهود الوطنية في مكافحة الفساد وجرائمه، أصبح لدى الاردن تجربة رائدة وخبرة يمكن نقلها لمختلف الدول في أساليب محاصرة الفساد وتتبعه.
تابع المواطن الاردني ما قامت به هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من حرب ضروس على جيوب ودهاليز جرائم الفساد والتي اظهرت وجود شبهات فساد ذات أثر مالي كبير على خزينة الدولة الاردنية حيث ظهرت العديد من قضايا الفساد على السطح في الأردن مؤخرا وكان لها أثر كبير على مصداقية الأردن وكيفية التعامل معها ، وتفاوتت تلك القضايا ما بين إساءة استعمال السلطة، وهدر المال العام، وواسطة ومحسوبية، والإخلال بالواجبات الوظيفية، واحتيال واستثمار الوظيفة والتزوير. وحسب التصنيف العالمي لمؤشرات الفساد؛ الذي يتم وضعه من قِبَل منظمة الشفافية العالمية (Transparency International) احتل الأردن عام 2016 المركز 57 بعلامة 48.
إن الدعم والمساندة من لدن جلالة الملك عبد الله الثاني وتوجيه الحكومة لتقديم المساندة لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد في جهود الاخيرة في الحرب على الفساد، والضرب بيد من حديد على الفاسدين لتحقيق الردع لمن يفكر فى السعى فسادا، عزز حرص الاردن في مواجهة أخطر الآفات وهى الفساد وتجفيف منابعة بما يمثل الحفاظ على مقدرات البلاد والتقليل من هدر المال العام قدر الامكان... إيمانا من الجميع مواطنين ورسميين بأن الفساد يقف عقبة دون تحقيق أهداف أجندة التنمية الوطنية الاردنية لما يحدثه من استنزاف مواردها وهدر لجهود تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة... وهنا لا بد من الاشارة الى تحقيق نتائج أفضل لو أخذت كافة السلطات في الدولة الاردنية بتوصيات هيئة مكافحة الفساد ومختلف الهيئات الرقابية، وعلى رأسها ديوان المحاسبة الجهاز الرقابي التابع للدولة الذي طالما كشفت تقاريره عن وجود الكثير من التجاوزات بأجهزة الدولة ومؤسساتها...
وغير بعيد عن ذلك ... وفي رأينا فان نجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تكمن فيما يلي:
1.التركيز على عدالة تطبيق قانون الخدمة المدنية الذي يساهم بشكل كبير في إصلاح نظم التعيين والتقييم والترقية لموظفي الدولة، بجانب زيادة الاعتمادات المالية المخصصة لتدريب العاملين في القطاع الحكومي، وربط بعض الحوافز للعاملين بمدى الالتزام بمدونات السلوك، وإصدار قانون منع تضارب المصالح للموظفين الحكوميين ومكننة إقرارات الذمة المالية، فضلا عن نجاح الاستراتيجية في تحقيق العدالة الضريبية، والحد من التهرب الضريبي والجمركي، وزيادة تمويل المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.

2.تنظيم دورات تدريبية، وهى من أهم الأهداف الرئيسية لاستراتيجية مكافحة الفساد، والمطلوب من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد اطلاق منظومة تدريبية بنظام التعلم عن بعد عبر الإنترنت للتدريب على نشر قيم النزاهة والشفافية بنظام التعلم الإلكتروني لجميع موظفي الجهاز الإداري بالدولة، والتي تهدف إلى رفع الوعي التثقيفي بقيم النزاهة والشفافية لدى العاملين بالدولة، ويمكن أيضا للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني الحصول على هذه الدورة من خلال التدريب في عدة مجالات، وهى مفهوم الفساد وأنواعه...

3.تنسيق العمل بين مختلف الهيئات الرقابية ومؤسسات الدولة في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد وتقليص آجال البت في القضايا المرفوعة سواء من قبل الهيئة أو منظمات المجتمع المدني لتكريس سياسة المحاسبة والمساءلة...

صفوة القول ... نعتقد انه قد حان اوان الوقت لوضع "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" ، بحيث يتم توزيعها ما بين وزارات وجامعات وأجهزة حكومية ومحافظات، والتي يجب ان تتضمن العديد من الإجراءات والقرارات المهمة التى تضبط الأداء المالي، وترسي مبادئ الشفافية والنزاهة لدى العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وتساعد فى الوقاية من الفساد وإشراك المجتمع في محاربته، وتحد من ظاهرة التهرب الضريبي، وتعزز تنفيذ سياسة التدوير الوظيفي بالجهاز الإداري في الوظائف الأكثر عرضة للفساد، وتبني منظومة وطنية متكاملة لتبادل المعلومات بين وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمؤسسات المالية والمصرفية، والارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومي الإداري للدولة، وتحسين الخدمات المقدمة للمجتمع، وسن وتحديث التشريعات الداعمة لمكافحة الفساد، ودعم الجهات المعنية بمكافحته، ورفع مستوى الوعي الجماهيري بخطورة الفساد، وأهمية مكافحته وبناء ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وتعزيز التعاون المحلي والإقليمي والدولي، بجانب مشاركة منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد...


باحث ومخطط استراتيجي
arajoub21@yahoo.com
تابعو الأردن 24 على google news