jo24_banner
jo24_banner

هل هنالك حل للقضية الفلسطينية؟

د.حسين البناء
جو 24 :


قد يكون القول بواقعية حل القضية الفلسطينية قائمًا ابتداءً على افتراض أن هنالك حل، وأن ثمة طرف أو أكثر يبحث عن حل أصلًا؛ فالشك يتنامي اليوم حول الفرضية من أساسها، فمجريات الأحداث تشير إلى شبه غياب كامل للموقف العربي الرسمي التائه في صراعات داخلية و مشاريع إقليمية و تهديدات وجودية لم تترك الأولوية التقليدية لملف الصراع مع إسرائيل، لا بل انقلب التوجه إلى أطر جديدة من العلاقة الدافئة مع تل أبيب والقائمة على تبادل المصالح!

في الوقت الذي يسير فيه مشروع تعطيش مصر و سوريا و العراق قدمًا، و تنحسر فيه مياه دجلة و الفرات و النيل، فإن (آثار حراك الربيع العربي والانقلاب عليه و ما تبعه من سلسلة انتكاسات اقتصادية تعمقت مع جائحة كورونا) قد أخرجت الوطن العربي منهكًا و فاقدًا لبوصلة أي اتجاه.

جاءت إدارة ترمب المتصهينة في توقيت بالغ السوء للمنطقة العربية، فالظرف الموضوعي مُجهّز لإملاءات و طروحات تأخذ فقط المصلحة الإسرائيلية و طموحاتها في الحل النهائي، فرأينا (سلسلة القرارات المنفردة بشأن الجولان و القدس و نقل السفارة و مبادرة صفقة القرن و ضم غور الأردن الغربي) وكأن هذه المسائل لا تعني الطرف الآخر المتضرر بشيء!

في الحقيقة، تتنامى يومًا بعد يوم الشكوك العميقة بسعي و رغبة إسرائيل للوصول إلى حل مقبول للأطراف ذات الشأن، الفلسطينيين و الأردنيين و السوريين تحديدًا و خاصًة؛ فعلى الأرجح بأن العقل الصهيوني في تل أبيب يرى بأن المكاسب الممكنة مع المحيط العربي و الإسلامي هي كبيرة حتى في ظل عدم الحل، و أن إسرائيل لديها ما تقدمه للطرف الآخر في دائرة المصالح المشتركة، مما يمهد لتطبيع واسع يتجاوز الفلسطينيين و حقهم في الحل العادل والمقبول.

إسرائيل - و نظرًا لما توصلت له من تقدم تقني و اعتراف دولي و دعم غربي متصهين- هي قادرةٌ على المقايضة، مقايضة الاعتراف و التطبيع بجملة منافع مثل برمجيات التجسس، و تقنيات الاتصال، و خدمات الاستخبارات، و العلاقات العامة والدعاية، و تقنيات المياه، و الأمن السيبراني، و اتفاقيات التعاون العسكري، بمقابل طرف عربي بات بعضه مستعدًا لتجاوز عقبة حل الصراع التقليدي في المنطقة.

حل الدولة الواحدة:
إن طرح فكرة إسرائيل الديمقراطية التي تتسع للجميع ضمن مواطنة عادلة لهو أمرٌ يعني فنيًا نهاية الدولة اليهودية و اختفاء ثقافتها في غصون ثلاثة عقود من الزمن، هذا على افتراض عدم تهجير واسع للفلسطينيين، و على نية غياب مبدأ يهودية الدولة و عدم التمييز ضد الوجود العربي كصنف ثانٍ من المواطنة.
لا يُعتقد بأن إسرائيل مستعدة لهذا السيناريو خاصةً أن لا دافع يضغط باتجاهه في ظل حلول أخرى أكثر قبولًا إسرائيليًا.

حل الدولتين:
لم يعد من الواقعي القول بأن حل الدولتين هو أمر مطروح حاليًا؛ فالظروف على الأرض، و التمدد الاستيطاني، و الجدار العازل، و خطة ضم الغور الغربي، و مقترحات التبادل للأراضي، و تمزيق الأراضي الفلسطينية بالطرق الالتفافية و البؤر الاستيطانية، و تجاوز معظم حدود 1967 التي كان يؤمل قيام الدولة الفلسطينية عليها، كل ذلك ينهي موضوعية الطرح لانعدام عملانيته الكلية.
الدولة الفلسطينية في حال قامت على طرح حل الدولتين ستكون مجرد عنقوديات من الأحياء و المناطق التي لا تليق بأي شكل للدولة كما سوّقها كوشنير بخرائطه.

حل توزيع العبء:
في ظل ظروف المنطقة الكارثية، و تراجع حجم التأثير العربي الإقليمي و الدولي، و أزمات اقتصادية عميقة، و الانفراد الإسرائيلي بالفعل و فرض الأمر الواقع، و دعم أمريكي مطلق، و سلبية أوروبية تقليدية، فإن صورة محدثة تتطور للحل بأبسط سيناريو يأخذ الظرف الإقليمي و الدولي بالاعتبار، و هو قائمٌ على توزيع الحل على دول الجوار، كالتالي:
الأردن يعيد ضم ضفته الغربية أو ما بقي من أراضيها، مصر ترتب إدارة قطاع غزة المجاور لسينائها، سوريا توطّن الفلسطينيين اللاجئين فيها في مقابل إعادة الجولان أو بدونه، لبنان كذلك يستوعب توطين لاجئيه مقابل دعم سياسي و اقتصادي أو بدونه.
هذا الحل هو الأكثر كارثية على العرب و الفلسطينيين؛ فهو صيغة تصفية بأقل ثمن، و هو يُرحّل عبء الحل على العرب بدلًا عن إسرائيل ذاتها.

واقعيًا، يبدو أن إسرائيل ليست مضطرة لأي حل؛ فهي مستقرة، مزدهرة، معترف بها دوليًا، قوية عسكريًا، تملك قدرات لتبادل المصالح عالميًا.
الانتفاضة الفلسطينية قد تكون جزءًا من آليات الدفع للحل، و لكن ثمن ذلك من دم فلسطيني في ظل صمت دولي يجعل الأمر موضع نقاش.

فرضية الحرب في ظل الظرف الحالي ليست قائمة رسميًا، و في حال تطورت الأحداث لتدفع باتجاه حرب تُحرّك الجمود القائم، فإن الخيار العسكري النظامي أو المواجهة بمجموعات غير نظامية- على غرار حزب الله و حماس و الجهاد- هو خيار خطير و يتطلب دعمًا إقليميًا لا يقل عن موقف تركي و إيراني داعم رسميًا.

الشعوب العربية ترى بأن الحل الأمثل هو زوال الكيان الصهيوني بشكلٍ نهائي، و لا يُعلم مدى واقعية و قبولية هذا الطرح.
اليهود الصهاينة يرون الحل الأمثل بقيام إسرائيل الكبرى جغرافيًا أو افتراضيًا، ككيان متعاظم و كاسح للوجود العربي في الشرق الأوسط.
بين هذا الطرح و ذاك، يبقى هنالك حل وحيد مرضيٍ و عملاني، هو عودة كامل الأمور تمامًا لما كانت عليه قبل حزيران 1967 كمدخل حقيقي للحل. حتى هذا الطرح له معارضيه من الطرفين، و كأن الأفق سُدّ بالكامل.

تابعو الأردن 24 على google news