التسول: انتهاك لحقوق الطفل وطريق مختصر لعالم الجريمة والانحراف
كتبت- باسمة الزيود
تتلاطمه مركبات المارة، في عينه الف سؤال عن غنىً مفقود، وحنان مبتور، يتوق في عباراته لما تجود به أنفس الناس. طفل بعمر الورد يحمل هموما ثقلت على الجبل، يتسول على ابواب الشركات وقرب الاشارات الضوئية، والمستشفيات، وحتى في المقابر.
اطفال ورثوا التسول والتذلل في عمر لا يتجاوز في كثير من الأحيان عشر سنوات، وألفوا العيش على جوانب الطرقات وافتراش صلابة الأرصفة، لا يعرفون للمدرسة طريقا بوجود أشخاص احترفوا تشغيلهم وأنشؤا عصابات تراكم الأموال قبل أن تتوسع، في أعقاب تفريخها لمجرمين، احترفوا السرقة والتجارة بالممنوعات وغيرها من الآفات الأخرى الأشد خطرا على الطفل والمجتمع.
وفي المشهد أيضا، أطفال يهيمون في الشوارع سعيا منهم لتأمين قوت يومهم، وتوفير متطلبات أسرهم بطرق مختلفة، حتى لو وضع قانون يعاقبهم على ذلك، فظروفهم قد تكون أقوى واقسى من العقوبات التي تترتب عليهم.
وفي ذلك، اعتبر استاذ علم الاجتماع الدكتور مجد الدين خمش أن ظاهرة التسول للأطفال كظاهرة قديمة ومستمرة، من أكثر الظواهر خطرا على المجتمعات، كما أن امتداد هذه الظاهرة إلى الأطفال من سن الولادة إلى ما دون سن التمييز، حولها إلى جزء عادي معاش من المشهد اليومي، يلحظها المرء ولا يعطيها اهتماما.
وتكمن خطورة هذه الظاهرة ، وفق خمش، في أن هؤلاء الأطفال يعيشون أغلب أوقاتهم بعيدا عن الرقابة الأسرية، وعن التوجيه والإرشاد الذي تقدمه الأسرة والمدرسة، وهذا ما يدفع الغالبية منهم إلى تعلم ثقافة الشارع القائمة على تمجيد السلوك العدواني، وغيرها من السلوكيات غير المقبولة اجتماعيا، والتي تكون بالنسبة لهؤلاء أعمال بطولية يتفاخرون بها فيما بينهم، مثل السرقة، وتعاطي المخدرات، وشرب الكحول، والتدخين.
ويخلق انتشار هذه الظاهرة، في رأي خمش، جيلا يعيش على هامش المجتمع، ويقوم بأعمال مخالفة للقانون تطال المجتمع بأسره، ويدفع المجتمع في وقت لاحق ثمنا باهظا لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن ذلك.
ويعد تسول الأطفال دليلا على وجود خلل اجتماعي وحكومي، حسب خمش الذي يوضح إن التسول انتهاك لحقوق الطفل، وطريق مختصر لعالم الجريمة والانحراف، و"استمرارها يصيب الأجيال بالمرض والوهن، فحياة الإنسان منذ طفولته وحتى مماته، تمر بمجموعة من المراحل النمائية المتعاقبة، والطفولة التي هي مرحلة مبكرة من حياة الإنسان، هي من أكثر المراحل خطورة".
ولمعالجة الآثار المترتبة عليها بين أنه يجب على الحكومة العمل على تحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال المتسولين والعاملين من خلال توفير فرص عمل لأولياء الأمور القادرين على العمل، أو تقديم المساعدات المادية الطارئة وضمان رواتب شهرية للعاجزين.
وأضاف خمش أنه يجب على الجهات القانونية العمل على دراسة هذه الحالة ووضع الحلول المناسبة لها، وكذلك نشر الثقافة وتوجيه إرشادات داخل أوساط المجتمع بهدف تغيير المفاهيم والاتجاهات الاجتماعية السائدة والمتعلقة بالطفل المتسول، والعمل من خلال التركيز على حقوق الطفل واحترام كرامته وحقه في العيش ضمن أسرة طبيعية توفر له الحاجات الأساسية .
وفي الوقت الذي أشارت فيه بيانات مديرية مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية، إلى أن غالبية المتسولين المضبوطين هم من الاناث البالغات، فإن اجراءات الضبط والمحاكمة للمتسولات برفقة أطفال، غالبا ما تتجه نحو التخفيف بعدم التوقيف والاستبدال بكفالة، لغايات حماية الاطفال المرافقين لهن، والذين غالبا ما يكونون من أبناء المتسولات أو أقربائهن، ما يمنع بالتالي معاقبتهن على ذلك بخاصة اذا كان عمر الطفل 7 سنوات فما دون، فهو في حضانة الأم.
وبدوره، طالب المحامي إسلام العواملة الجهات اتخاذ إجراءات مساندة في حال تسول الاطفال لوحدهم، كملاحقة ذويهم او إيداع الاطفال انفسهم في دار للرعاية بغرض حمايتهم، الذي قد يكون حلا رادعا تدعمه مضاعفة العقوبة على المتسول أو المتسولة لمنع التكرار.
ولعل تشديد العقوبة على مستوى الغرامات تحديدا، وفق المحامي العواملة، شكل محورا أساسيا في سياق مناقشات سبق وأن عقدتها وزارة التنمية الاجتماعية مع كل من مديرية مكافحة التسول وممثلين عن الأمن العام والقضاء ووزارة الداخلية والمركز الوطني لحقوق الانسان.
وقال أن المتسولات اللواتي يلجأن إلى استغلال أطفالهن، لا تعاقبهن القوانين المعمول بها على استغلال الأطفال، لتقتصر العقوبة على التسول بحد ذاته بعد الضبط والتحويل إلى المراكز الأمنية.
"الحاجة باتت ملحة للدفع باتجاه سن قانون جديدة لمكافحة التسول"، حيث أن صلاحيات القضاء استنادا لأحكام قانوني العقوبات والأحداث النافذين تقضي بتطبيق عقوبات متباينة، بحسب العواملة.
أما المنسق العام بين الوزارة وأمانة عمان لبرنامج مكافحة التسول حسين البطيخي، فقال إن "الجهود المشتركة بين الوزارة والأمانة، أسهمت في خفض أعداد المتسولين كثيرا، نتيجة تكثيف حملات الضبط".
إلى ذلك، فإن البطالة والفقر، تقودان إلى تفشي ظاهرة التسول. وفي ذلك، حذرت دراسة أعدها الخبير الدولي مدير مديرية العاملين في المنازل بوزارة العمل حمادة أبو نجمة، إلى أن المؤشرات الرئيسة والمعلومات التي تتولى وزارة العمل جمعها حول هذا الموضوع، "تدل على أن الفقر والبطالة وتدني دخل الأسرة من العوامل الرئيسة لعمل الأطفال".
وأكدت الدراسة على أن "حوالي 70 % من أسر الأطفال العاملين يقعون تحت خط الفقر المدقع، وأن نسبة كبيرة من آبائهم تصل لـ40 % عاطلين عن العمل".
واعتبرت أن مشكلة عمل الأطفال في الأردن "محدودة نسبيا"، من حيث حجمها وطبيعة وظروف عمل الأطفال العاملين، لافتة إلى وجود مؤشرات "مقلقة تدل على أنها قد تتحول إلى ظاهرة، يصعب علاجها فيما لو لم تضع الجهات المعنية البرامج المدروسة لمنع تفاقمها".
وفي سياق حقوقي، قال الناشط الحقوقي المحامي كمال المشرقي ان ظاهرة التسول خطيرة وتهدد المجتمعات إذ تنذر بفجوة كبيرة على مستوى الحقوق الأساسية في المجتمعات، وفي حال تنامت بشكل كبير ستؤدي إلى عرقلة الجهود الوطنية والعالمية المتعلقة بالتنمية والتنمية المستدامة.
وشدد المشرقي على أنه يجب التعامل مع ظاهرة التسول بصورة مهنية ومنهجية، لأن الإخلال في التعامل مع أي طرف سيؤدي إلى علاقة سلبية وبالتالي لابد من من إيجاد الخطط الإستراتيجية للتعامل مع المتسولين وظاهرة التسول.
وقال المشرقي إنه لا بد من إيجاد برامج تحمي الأطفال من الإساءة والاستغلال وتأمين حمايتهم بما يقتضي مفهوم الرعاية والحق في البقاء والنماء للاطفال والمسؤولية المشتركة بين جميع اقطاب المعادلة بما يشمل الدولة والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والاسر أنفسهم، مشيرا إلى أن هذا "يتطلب منا الخروج من إطارالتعامل مع ظاهرة تسول الأطفال من ظاهرة الاحتجاج وضنك والحياة إلى حق الأطفال ورعايتهم وحمايتهم".
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين