"برقش" غابة الأردن الأخيرة: تحت المقصلة
جو 24 : محمد فضيلات-طمحَ الملك حسين لأن يرى بلده خضراء، فأطلق مطلع تسعينيات القرن الماضي شعاره المشهور: «أردن أخضر عام ألفين». مات الملك في 7 شباط /فبراير 1999، ولم يتحقق طموحه، وللآن لم...، ويبدو أن تحقيقه مستحيل في ضوء آخر إحصائيات وزارة الزراعة التي تكشف أن المساحة الخضراء لا تتجاوز 1 في المئة من مساحة المملكة. وبموت الملك مات الشعار، بل انه في حياته لم يتجاوز كونه شعاراً لم توضع آليات عمل وخطط جادة لتحقيقه. وفي العام 2010 تبنى الأردن الرسمي شعاراً مناقضاً مفاده القضاء على آخر مساحة خضراء، عبّر عنه باختيار غابات برقش، وهي آخر غابات الأردن، موقعاً لإقامة كلية عسكرية.
غابات برقش (80 كيلو متراً شمال عمّان) التي يقدر عدد أشجارها بمليوني شجرة، يبلغ عمر أصغرها 300 عام، يهددها قطع 2200 شجرة وفقاً لمخططات مشروع الكلية التي حدد لبنائها 941 دونماً، في أفضل موقع داخل الغابة التي تقدر مساحتها بـ 20 آلف دونم. وقررت الحكومة الأردنية، بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2010 السماح بقطع أشجار معمرة، مخالفة بذلك قانون الزراعة في مادته الـ 28. وخالف قرار الحكومة أيضا قانون الزراعة في مادته (35) فرع (ب) التي تنص على أنه «يحظر قطع أي من الأشجار الحرجية المعمرة أو النادرة والنباتات البرية المهددة بالانقراض أو إتلافها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال».
لا قيمة للأشجار أمام المشروع الحلم الذي لم يعلن عن كلفته والشركاء فيه. فقد قررت الحكومة انه مشروع سيرفد خزينة الدولة بملايين الدنانير، حيث خططت لان يكون مقصداً للطلاب من مختلف دول العالم. ولإقناع السكان المحليين بالمشروع، روّجت له كمشروع تنموي في المنطقة التي قفزت عنها كل مشاريع التنمية منذ تأسيس الدولة.
وقف وليس إلغاء
في العام 2011، عام البدء بالتنفيذ، ومع انطلاق هدير آلات قطع الأشجار، أطلق ناشطون بيئيون حملة لإجهاض المشروع تحت شعار: «الحملة الوطنية لإنقاذ غابات برقش من الإعدام». تحصنت الحملة بالقوانين التي تمنع قطع الأشجار الحرجية المعمرة، كما عرّت المشروع التنموي الذي سيحوّل الغابة إلى منطقة عسكرية مغلقة في وجه السكان المحليين الذين سيُرّحلون، والزوار الذين سيُمنعون من الوصول. لم تأبه الحكومة بادئ الأمر، فآلات قطع الأشجار رابضة تنتظر الأمر للانقضاض، يقابلها ناشطون يخيّمون في المكان مشكّلين جداراً بشرياَ يعيق طريقها كلما تحركت.
رضخت الحكومة بعد مئات الاعتصامات التي نفذتها الحملة أمام دائرة الرئاسة ومجلس النواب ووزارتي الزراعة والبيئة المعنيتين بتطبيق القانون الذي يحمي الغابة. رضخت بعد ان حوّلت الحملةُُ الغابةَ إلى مَحَج أسبوعي للأردنيين الذين اكتشفوا غابتهم الضائعة، ولسان حال العائدين منها يقول لم نكن نعلم بوجودها. أعلنت الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وقف العمل بمشروع الكلية العسكرية في برقش. وقف وليس إلغاء... الى أن تتغير قواعد اللعبة وتغمض أعين الناشطين، وهي أعين لا تزال مفتوحة على وسعها ويتعهد الناشطون بأنها لن تغلق.
قصر وبيت طيني
على قمة الغابة التي تُعرف برأس برقش (875 متراً فوق مستوى سطح البحر) يعيش الثمانيني سالم الزيتون برفقة زوجته في بيت طيني يعود تاريخ بنائه الى العام 1961. على القمة المقابلة يقابل البيت الطيني قصر فاره للعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني. سالم يهبط ويصعد الجبل يومياً سيراً على الأقدام، الملك يصل قصره الذي يزوره في المناسبات مستعيناً بالهليكوبتر. بيت سالم ما قبل الكهرباء وشبكات المياه، يضاء بفانوس الزيت ولا يعرف سوى مذاق مياه الأمطار التي تجمع في بئر خاص. قصر الملك يتحول مساءً إلى كتلة مضاءة، والمياه تفيض في مسابحه. سالم يتغذى على ما يزرعه وعلى ما تجود به دجاجاته ومواشيه. الملك إذا أتى القصر يأتيه ما لذ وطاب. سالم يعيش دون سياج، تجاوره في الغابة حيواناتها المفترسة مثل الذئاب والضباع والثعالب الحمراء والقطط البرية. قصر الملك محاط بمحمية مسيّجة تبلغ مساحتها 6 آلاف دونم تقريبا، تنتشر فيها الغزلان والأيائل السمراء والخرفان الجبلية والطواويس والحجل.
يعارض سالم بناء الكلية العسكرية التي تقضي مخططاتها باجتثاثه من المكان. الملك يؤيد بناء الكلية العسكرية التي لن تطال قصره. بيت سالم المقيم وقصر الملك الزائر يشتركان بأنهما محاطان بأشجار السنديان والبلوط والزعرور والبطم، وينتشر حولهما ما يزيد على 100 نوع من النباتات بينها 13 نوعاً طبياً و13 نادراً و 4 أنواع مُهددة بالانقراض.
سرقة مغارة
تحت الجبال الشاهقة الارتفاع والمطرزة بالأشجار التي تغطيها بنسبة 90 في المئة، اكتُشفت في العام 1995 مغارة أطلق عليها «مغارة الظهر» وقدّر عمرها بـ 4 ملايين عام.
ليست مغارة عادية، إذ تبلغ مساحتها حوالي 4 آلاف متر مربع، وتقع على انخفاض يتراوح بين 20 الى 30 متراً عن سطح الارض، وتتألف من عدد كبير من التجاويف والمَمرات الصخرية الضيقة المُرتبطة بعضها بالبعض الآخر، في شبكة مُعقدة تعتبر الكهف الطبيعي الوَحيد المَعروف في الأردن.
يوم اكتشافها، كانت تنتشر فيها الصواعد والنوازل التي قارب طول بعضها المترين، والتي بقيت في مأمن من أيدي اللصوص، يحميها الممر الصخري الضيق الذي لا يزيد عرضه على نصف المتر. ماذا حدث؟ في العام 2003، حفرت السلطات جزءاً من الممر ليصبح اوسع ويصبح عبوره ممكناً، حفرته ولم تضع عليه حارساً أو باباً محكم الإقفال، فدخل اللصوص الذين عاثوا في المغارة سرقة. اليوم زائر المغارة يقال له: كان هنا نوازل وهذه بقايا صواعد. وعندما يصل الى النهاية المكتشفه وتمنعه الوديان السحيقة من المواصلة يقال له، قد يكون هناك نوازل وصواعد، ينتظر الكشف عنها مزيداً من الاهتمام الرسمي بأعمال التنقيب داخل المغارة.
يقول المدافعون عن برقش: هي لا تحتاج إلى تنمية الإسفلت والاسمنت الطارئة، وبالتأكيد ليس الى كلية حربية والى حظر التجول فيها. هي بحاجة الى وضعها على خارطة السياحة الأردنية.
(السفير العربي)
غابات برقش (80 كيلو متراً شمال عمّان) التي يقدر عدد أشجارها بمليوني شجرة، يبلغ عمر أصغرها 300 عام، يهددها قطع 2200 شجرة وفقاً لمخططات مشروع الكلية التي حدد لبنائها 941 دونماً، في أفضل موقع داخل الغابة التي تقدر مساحتها بـ 20 آلف دونم. وقررت الحكومة الأردنية، بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2010 السماح بقطع أشجار معمرة، مخالفة بذلك قانون الزراعة في مادته الـ 28. وخالف قرار الحكومة أيضا قانون الزراعة في مادته (35) فرع (ب) التي تنص على أنه «يحظر قطع أي من الأشجار الحرجية المعمرة أو النادرة والنباتات البرية المهددة بالانقراض أو إتلافها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال».
لا قيمة للأشجار أمام المشروع الحلم الذي لم يعلن عن كلفته والشركاء فيه. فقد قررت الحكومة انه مشروع سيرفد خزينة الدولة بملايين الدنانير، حيث خططت لان يكون مقصداً للطلاب من مختلف دول العالم. ولإقناع السكان المحليين بالمشروع، روّجت له كمشروع تنموي في المنطقة التي قفزت عنها كل مشاريع التنمية منذ تأسيس الدولة.
وقف وليس إلغاء
في العام 2011، عام البدء بالتنفيذ، ومع انطلاق هدير آلات قطع الأشجار، أطلق ناشطون بيئيون حملة لإجهاض المشروع تحت شعار: «الحملة الوطنية لإنقاذ غابات برقش من الإعدام». تحصنت الحملة بالقوانين التي تمنع قطع الأشجار الحرجية المعمرة، كما عرّت المشروع التنموي الذي سيحوّل الغابة إلى منطقة عسكرية مغلقة في وجه السكان المحليين الذين سيُرّحلون، والزوار الذين سيُمنعون من الوصول. لم تأبه الحكومة بادئ الأمر، فآلات قطع الأشجار رابضة تنتظر الأمر للانقضاض، يقابلها ناشطون يخيّمون في المكان مشكّلين جداراً بشرياَ يعيق طريقها كلما تحركت.
رضخت الحكومة بعد مئات الاعتصامات التي نفذتها الحملة أمام دائرة الرئاسة ومجلس النواب ووزارتي الزراعة والبيئة المعنيتين بتطبيق القانون الذي يحمي الغابة. رضخت بعد ان حوّلت الحملةُُ الغابةَ إلى مَحَج أسبوعي للأردنيين الذين اكتشفوا غابتهم الضائعة، ولسان حال العائدين منها يقول لم نكن نعلم بوجودها. أعلنت الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وقف العمل بمشروع الكلية العسكرية في برقش. وقف وليس إلغاء... الى أن تتغير قواعد اللعبة وتغمض أعين الناشطين، وهي أعين لا تزال مفتوحة على وسعها ويتعهد الناشطون بأنها لن تغلق.
قصر وبيت طيني
على قمة الغابة التي تُعرف برأس برقش (875 متراً فوق مستوى سطح البحر) يعيش الثمانيني سالم الزيتون برفقة زوجته في بيت طيني يعود تاريخ بنائه الى العام 1961. على القمة المقابلة يقابل البيت الطيني قصر فاره للعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني. سالم يهبط ويصعد الجبل يومياً سيراً على الأقدام، الملك يصل قصره الذي يزوره في المناسبات مستعيناً بالهليكوبتر. بيت سالم ما قبل الكهرباء وشبكات المياه، يضاء بفانوس الزيت ولا يعرف سوى مذاق مياه الأمطار التي تجمع في بئر خاص. قصر الملك يتحول مساءً إلى كتلة مضاءة، والمياه تفيض في مسابحه. سالم يتغذى على ما يزرعه وعلى ما تجود به دجاجاته ومواشيه. الملك إذا أتى القصر يأتيه ما لذ وطاب. سالم يعيش دون سياج، تجاوره في الغابة حيواناتها المفترسة مثل الذئاب والضباع والثعالب الحمراء والقطط البرية. قصر الملك محاط بمحمية مسيّجة تبلغ مساحتها 6 آلاف دونم تقريبا، تنتشر فيها الغزلان والأيائل السمراء والخرفان الجبلية والطواويس والحجل.
يعارض سالم بناء الكلية العسكرية التي تقضي مخططاتها باجتثاثه من المكان. الملك يؤيد بناء الكلية العسكرية التي لن تطال قصره. بيت سالم المقيم وقصر الملك الزائر يشتركان بأنهما محاطان بأشجار السنديان والبلوط والزعرور والبطم، وينتشر حولهما ما يزيد على 100 نوع من النباتات بينها 13 نوعاً طبياً و13 نادراً و 4 أنواع مُهددة بالانقراض.
سرقة مغارة
تحت الجبال الشاهقة الارتفاع والمطرزة بالأشجار التي تغطيها بنسبة 90 في المئة، اكتُشفت في العام 1995 مغارة أطلق عليها «مغارة الظهر» وقدّر عمرها بـ 4 ملايين عام.
ليست مغارة عادية، إذ تبلغ مساحتها حوالي 4 آلاف متر مربع، وتقع على انخفاض يتراوح بين 20 الى 30 متراً عن سطح الارض، وتتألف من عدد كبير من التجاويف والمَمرات الصخرية الضيقة المُرتبطة بعضها بالبعض الآخر، في شبكة مُعقدة تعتبر الكهف الطبيعي الوَحيد المَعروف في الأردن.
يوم اكتشافها، كانت تنتشر فيها الصواعد والنوازل التي قارب طول بعضها المترين، والتي بقيت في مأمن من أيدي اللصوص، يحميها الممر الصخري الضيق الذي لا يزيد عرضه على نصف المتر. ماذا حدث؟ في العام 2003، حفرت السلطات جزءاً من الممر ليصبح اوسع ويصبح عبوره ممكناً، حفرته ولم تضع عليه حارساً أو باباً محكم الإقفال، فدخل اللصوص الذين عاثوا في المغارة سرقة. اليوم زائر المغارة يقال له: كان هنا نوازل وهذه بقايا صواعد. وعندما يصل الى النهاية المكتشفه وتمنعه الوديان السحيقة من المواصلة يقال له، قد يكون هناك نوازل وصواعد، ينتظر الكشف عنها مزيداً من الاهتمام الرسمي بأعمال التنقيب داخل المغارة.
يقول المدافعون عن برقش: هي لا تحتاج إلى تنمية الإسفلت والاسمنت الطارئة، وبالتأكيد ليس الى كلية حربية والى حظر التجول فيها. هي بحاجة الى وضعها على خارطة السياحة الأردنية.
(السفير العربي)