نتائج التوجيهي: اختلالات غير مسبوقة.. واسترضاء على حساب الجودة!
جو 24 :
كتب – خالد الخواجا - من يصدق هذه الارقام التي خرجت بها التربية من نتائج "التوجيهي" اليوم، والتي مكنت 78 طالبا من الحصول على علامة ال100%؟!
كنا نتوقع ان تكون النتائج قريبة على الأقل من نتائج العام الماضي، والتي حصل فيها طالب وحيد على نتيجة ال100%، ورغم هذا أثيرت الملاحظات وعلامات الاستفهام من قبل خبراء ووزراء تربية سابقين، أشاروا إلى أن عدد الطلبة الذين حصلوا على معدلات 90% فما فوق كانت ثلاث أضعاف ما شهدته السنوات الماضية.
نتائج العام الحالي فاقت كل سنوات التوجيهي السابقة منذ بدايته في المملكة، وشابها تناقضات واختلالات بين التميز والفروقات الفردية للطلبة من جانب، وبين المسارات والفروع التي كانت النتائج فيها لاتصدق.
"الاول على المملكة" اختفى هذا العام، وكاد ان يختفي العام الماضي الا ان هذا الطالب اليتيم الذي حصل على علامة 100% قد انقذ اللقب من التلاشي في آخر لحظاته، بينما نتائج العام الحالي انهت مسمى الاول على المملكة تماما.
العام الماضي، والعام الحالي أيضا، لاحظت اخفاء متعمدا لعدد الطلاب من دفتر وقائع البيان الصحفي الذي توزعه الوزارة على الزملاء الصحفيين، ومثال ذلك عدد من حصلوا على 95% فما فوق وعدد من نال 90 % فما فوق، ومن ثم 85 % فما فوق، وهكذا. وهذا يدل على تعمد يهدف إلى إبراز من حصلوا على معدل 100% فقط .
من له مصلحة في ذلك؟
النتائج تشير الى اختلالات غير مسبوقة، فكيف يحصل 71 طالبا من الفرع العلمي على علامة 100% ونسبة نجاح الطلبة في هذا الفرع 75% من اصل عدد طلابه البالغ قرابة ال 40 الف طالب، بينما نلاحظ تضاربا هائلا وكبيرا ولايصدق في الفرع الأدبي، حيث حصد سبعة طلاب فقط على علامة ال100% ونسبة النجاح بلغت 46% من مجموع الطلاب البالغ عددهم 53 الف طالب.
الامر لم يقف عند هذا، بل وصل الاختلال للمسارات التعليمية، فهل يعقل ان لا تتجاوز نتائج النجاح في التعليم المهني نسبة 39% للذكور بينما نشاهد المسار الاكاديمي والذي يواجه بطالة وركود يصل الى ارقام ونتائج خيالية؟
امتحان التوجيهي وخلال خبرتي الصحفية في متابعته منذ 12 عاما تعرض للاعتداء على هيبته الى ان جاءت حكومة عبدالله النسور ووزير تربيتها الدكتور محمد ذنيبات ليتم ضبط الامتحان، ووقف علامات الرحمة، وغيرها من الاختلالات التي كانت تجتاح الامتحان آنذاك، من اجل معرفة قدرة الطالب ونتيجته الحقيقية، ليتبين ان نسبة النجاح لم تتجاوز ال 26% حينها، بالرغم من الجدل حول هذه الاجراءات ومدى تأثيرها على مطالب الناس، الا ان مخرجات التعليم المدرسي قد تحسنت، وانعكس ذلك في الجامعات.
وبعد ذهاب الذنيبات جاء وزير التربية الدكتور عمر الرزاز ليضع تعليمات واسس جديدة ساهمت في ارضاء الشعب الاردني ورفعت اعدادد الناجحين على حساب جودة التعليم وهيبة امتحان "التوجيهي" وقوته.
الرزاز وضع اسس اعترض عليها العديد من التربويين ومنها على سبيل المثال وضع علامة النجاح 40% لمواد اساسية وهذا لايوجد في العالم ولا في اي دولة، ما ساهم في ارتفاع عدد الناجحين من خلال هذا البند، بينما واقع الحال هم راسبون كون علامة النجاح في كل دول العالم يجب ان تتجاوز ال50% .
لم يقف الامر عند ذلك، بل حول مواد رئيسية واساسية في تخصصات العلمي والادبي وحتى المهني لتكون اختيارية بينما الصحيح أنه لا يجوز الا ان تكون اساسية لتقوية التخصص العلمي والادبي والمهني.
كما ذهب الرزاز الى ابعد من ذلك ليرفع شعار لا رسوب لطلبة الثانوية العامة ويضع تسهيلات وتهاون اكثر بكثير من ذلك، حيث وصل الأمر إلى اجراء امتحان تكميلي لاي طالب وباي عدد من المواد، وبعد انتهاء امتحان التوجيهي مباشرة، وهذا ما قلل هيبة الامتحان وقوته وسمح للطلاب باعادة الامتحان مرة اخرى من خلال هذا الاختبار، علما انه عبارة عن دورة امتحانية اخرى.
كان الاولى ان يتم وضع شروط للدورة التكميلية وهي اعتماد علامة الدورة التكميلية للمواد وليس اعتماد العلامة الاعلى مما يتسبب في تغيير العلامات ونتائج الثانوية التي يتم الاعلان عنها رسميا خلال المؤتمر الصحفي الرسمي.
لماذا وضع الرزاز دورة تكميلية علما ان امتحان التوجيهي هو الامتحان الذي يقرر كفاء وعلامة الطالب المستحقة؟ كما أن هذه النتائج كلها تتغير بتغير نسب النجاح وترتيب الاوائل واعداد الطلبة الذين حصدوا علامات 90% فما فوق و95% وما فوق وحتى الذين حصدوا علامة ال 100% والبالغ عددهم 78 طالب وطالبة، سيزداد عددهم، ما يكشف ان نتائج التوجيهي التي اعلنها الوزير خلال المؤتمر الصحفي ناقصة وغير صحيحة وسيتم تغييرها بعد صدور نتائج الدورة التكميلية ، فمن يتحمل هذا المتغيرات والنتائج ؟
الرزاز قضى على هيبة التعليم وامتحان "التوجيهي" من خلال هذه التسهيلات والتغييرات التي احدثها وما زال مسيطرا عليها وهو على منصب رئاسة الوزراء ونذكر عندما قدم وزير التربية السابق وليد المعاني استقالته المفاجأة.
الارقام التي نشرتها الوزراة تثير الذهول، وخصوصا صفحة 13 في دفتر نتائج الثانوية العامة والتي تشير الى ان 28 من اوائل المديريات في العاصمة هم جميعهم من مدارس خاصة منهم 22 من قصبة الجامعة اي مديرية تربية عمان الثانية بينما قصبة عمان لم يكن فيها الا طالب واحد حصد 100% .
في قصبة اربد والويتها الاخرى سجلت علامات كاملة 100% لواء واحد ومديرية تربية الرمثا والتي سجلت معدلات 99.8 بينما سجل 24 طالب من اوئل محافظة اربد علامات 100% ومنها مديرية تربية الاغوار الشمالية وعين الباشا والعقبة وسحاب وثلاث طلاب من مادبا والطيبة والوسطية بينما الكورة وبني كنانة حصد ثلاث طلاب من كل منها على معدل 100%.
اين التمايز والفروقات الفردية يا وزير التربية واين العدالة بعد ان كان لامتحان الثانوية هيبته وقوته ايام الثمانينيات والتسعينيات وحتى قبل سنوات حيث كان معدل الطالب الاول عالمملكة في احد سنين الثمانينيات هو 92%.
مع الاسف، رغم أن كل منظري التربية والتعليم العالي يطالبون بشد الهمم نحو التعليم المهني وتشجيعه، إلا أنه بسبب هذه النتائج لا يمكن لهذا المسار ان يتطور على الاطلاق، ونحن نشاهد ان نسبة النجاح الكلي في المسار المهني هي 50% ونسبة نجاح الفرع الصناعي والفندقي هي 30.9% فقط وهذا يكشف عن توجه التربية للتمسك بالمسار الاكاديمي الراكد على حساب المسار المهني.
حتى نتائج اوائل المديريات تثير الملاحظات، في عدد اوائل الفرع الادبي من الاناث والذي بلغ 33 طالبة من اصل 41 طالب وطالبة بينما في الفرع العلمي الاناث سيطرن على نتائج العلمي وحصدن 62 من اوائل المديريات من اصل 98 طالب.
وبحسب جدول العلامات فيما يتعلق باوائل الطلبة الحكوميين حصدت 26 طالبة علامة 100% بينما الذكور حصدوا سبع رتب فقط بينما في المدارس الخاصة حصد الطلبة الذكور 21 رتبة 100% بينما الاناث كانت نسبتهن اقل وعددهن 17 فقط مما يثير التساؤل حول ما يجري في مدارس الذكور الحكومية والى متى سبقى الاوائل والناجحين من الاناث فيها بعكس المدارس الخاصة؟
من يتحمل فشل نتائج امتحان الثانوية العامة ونتائجه المتضاربة في المسارات والفروع والمناطق والمديريات ولماذا اخفت الوزارة اعداد الطلبة الذين حصلوا على معدلات 90 او 95% فما فوق ام ان الارقام مهولة وحجبتها التربية لكي لا تتعرض للانتقادات الشديدة والفضيحة التي شابت الارقام ونسب النجاح بين المسارات الثلاث وهي العلمي والادبي والمهني.
"التوجيهي" فقد هيبته بهذه النتائج المفاجئة والتي تعكس أن وضع اسئلة الامتحانات لم تكن وفق المعايير التي تحدد نسب النجاح الحقيقية ومراعاة الفروقات الفردية والتميز بين الطلبة من جانب وبين المسارات من جانب اخر مما يستتدعي تخصيص لجنة من خارج الوزارة متخصصة بالتقييم التربوي ودراسة النتائج.