«فلسطنة» أولويات حماس
عريب الرنتاوي
جو 24 : نشرت صحيفة السفير اللبنانية قبل يومين، تقريراً مقتضباً للصديق قاسم قصير، تحدث فيه (من موقع العارف) عن اتصالات تجريها حركة حماس وجماعات إسلامية أخرى، بهدف “لملمة شتات الحالة الإسلامية” في لبنان ابتداءً، وربما في المنطقة استتباعاً ... وهي اتصالات وتحركات، أوجبتها التطورات في مصر، وما سبقها من أحداث في لبنان (عبرا والمربع الأمني للأسير).
أما صحف الأمس، فقد أوردت تصريحات للقيادي في حماس، صلاح البردويل، نفى فيها أن تكون القاهرة قد شهدت اجتماعات مؤخراً بين فتح وحماس من أجل استكمال البحث في قضية المصالحة، رادّاً ذلك إلى انشغال مصر بأزمتها الداخلية، وانصراف الرئيس الفلسطيني في تعقب وتتبع الفصول المتلاحقة من مهمة الوزير الأمريكي جون كيري.
استعادة الثقة بين “الحالات والجماعات” الإسلامية من جهة، واستكمال مسار المصالحة الفلسطينية، مساران مهمان، لا شك أن قيادة حرك حماس بعد زلزال الثلاثين من يونيو، توليهما اهتماماً مركزاً ... لكن المؤشرات (التقديرات) تشي بأن الحركة منصرفة لترتيب أوضاعها الإقليمية وتحالفاتها القديمة – الجديدة، وأن هذا المسار يحظى بأولوية في تفكير الحركة واهتماماتها، فيما مسار المصالحة واستعادة الوحدة، فمركون واقعياً لأوقات أخرى وظروف أفضل ... وربما ثمة من يقول من داخل الحركة، بصوت خافت أو مسموع: ليس مسموحاً أن نذهب للمصالحة في ظل اختلال في موازين القوى، وأن استعادة هذا التوازن وتلك الموازين، أمرٌ مقدمٌ على استئناف جهود المصالحة واستعادة الوحدة.
مثل هذا التفكير الذي تشي به مواقف البعض وتصريحاتهم (والأهم سلوك الحركة)، يضع مسألة المصالحة في مأزق كبير، ويجعل منها ملفاً مرجئاً دوماً، ومركوناً على أعلى رف ... فالمصالحة مؤجّلة إن كانت حماس في ذروة صعودها إقليمياً، طالما أن فرصة “أكل الكعكة” كاملة متاحة ... وهي مرجأة حين تكون تحالفات الحركة الإقليمية في أصعب حالات هبوطها خشية “الخروج من المولد بحبات قليلة من الحمص” ... متى ستكون المصالحة ملائمة وراهنة إذا؟ ... ومتى ستقتنع الأطراف الفلسطينية الرئيسة، حماس وفتح كذلك، بأن المصالحة ليست “خياراً صفرياً”، بل هي “لعبة رابح – رابح”؟
ومثل هذا التفكير، يشفُّ عن عقلية قديمة جديدة في العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، تقوم على الاستقواء باللاعبين الكبار في الخارج، من عواصم وقوى إقليمية ودولية، لإحداث التوازن أو التغلب على الأخ والشريك والرفيق في “الداخل” ... لعبة مارستها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما كانت قطب المعارضة الداخلية الرئيس لقيادة منظمة التحرير، حيث حرصت الجبهة على الدوام، على معادلة النفوذ المهيمن لفتح وياسر عرفات على المنظمة، من خلال علاقات متميزة مع جمال عبد الناصر، ومن بعده القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد، ودائماً تحت شعار “البعد القومي” للقضية الفلسطينية.
الآن، ومن موقعها كقطب ثانٍ على الساحة الفلسطينية، تمارس حماس اللعبة ذاتها تقريباً ... وتتنقل في رهاناتها الخارجية بين عواصم عدة، كانت دمشق وطهران والضاحية الجنوبية أبرزها زمن تصدر شعار المقاومة، وأصبحت الدوحة وأنقرة وقاهرة (مرسي) تحتل المكانة ذاتها زمن ربيع العرب وصعود إسلامهم السياسي، أما الذريعة الجديدة هذه المرة، فتتمثل في “البعد الإسلامي” للقضية الفلسطينية.
ماذا عن البعد الوطني المُؤسس للقضية الفلسطينية؟
مثل هذا السؤال، لم يحظ بكثير من عناء التيار القومي الفلسطيني وتفرعاته من قبل، وهو لا يحظى اليوم بالاهتمام المطلوب من “التيار الإسلامي” الفلسطيني وتفرعاته العديدة كذلك ... لذلك يرتفع منسوب التشاؤم في تقدم مسار المصالحة الوطنية على مسارات “ترميم التحالفات الإقليمية”، مع الحلفاء والأصدقاء، القدامى منهم والجدد.
لا نختلف مع البردويل عندما قال بأولوية المفاوضات على المصالحة في تفكير القيادة الفلسطينية ... لكننا في المقابل، لا نرى المصالحة أولوية أولى في تفكير حماس، حركة وحكومة ... وفي ظني أن أحداث مصر، وما شهدته من سقوط لحكم الإخوان والاستراتيجيات التي بنيت على استدامته، لن يسرّع بالضرورة مسار المصالحة، بل ربما يضعها في آخر قائمة “المهام المؤجّلة” بانتظار انبلاج صورة أوضح للتطورات في الإقليم من حولنا ... فأية مقامرة بالذهاب إلى المصالحة وما قد يستتبعها من إجراءات وخطوات (الانتخابات مثلاً)، قد تكون نتائجه سيئة لحماس، بل وقد نجد أنفسنا أمام “سيناريو 30 من يونيو معدلاً” في قطاع غزة، ولقد أظهرت وقائع عديدة في القطاع المحاصر، أن حركة حماس، تعاني قبل الثلاثين من يونيو، من أزمة علاقة مع أهل القطاع، بدءاً بمهرجان انطلاقة فتح، الذي كان بمثابة (30 يونيو غزاوي مبكر)، وانتهاء بمهرجانات استقبال الشاب محمد عسّاف، الذي أجبر حكومة حماس على تغيير موقفها ومقاربتها من الرجل وجمهوره العريض.
خلاصة القول، أن من المهم لحماس أن تسعى في ترميم ما تشاء من علاقات وتحالفات مع دول وعواصم وجماعات وجمعيات، في شتى أرجاء الأرض ... لكن الأهم لها، وللقضية الفلسطينية أولاً، هو أن تضع موضوع المصالحة في صدارة أهدافها ... وأن تعيد الاعتبار لـ “المكون الوطني” في خطابها وأهدافها وأولوياتها، بدل أن تغرق عميقاً في أجندة “التمكين” ومقررات التنظيم الدولي واجتماعات إسطنبول الأخيرة.
وإذا كان المطلوب اليوم، إخوانياً، هو تمصير جماعة الإخوان بعد فشل مشروع “أخونة” مصر، وفقاً لعبد الحليم قنديل، فإنه من باب أولى أن ندعو حماس لمزيد من “الفلسطنة” بعد أن منيت مشاريع “الأخونة” و”الأسلمة” بضربات شديدة، وبدا أنها تجر المنطقة إلى سلسلة من الانقسامات والتداعيات لا نعرف كيف ستنتهي ومتى.
(الدستور)
أما صحف الأمس، فقد أوردت تصريحات للقيادي في حماس، صلاح البردويل، نفى فيها أن تكون القاهرة قد شهدت اجتماعات مؤخراً بين فتح وحماس من أجل استكمال البحث في قضية المصالحة، رادّاً ذلك إلى انشغال مصر بأزمتها الداخلية، وانصراف الرئيس الفلسطيني في تعقب وتتبع الفصول المتلاحقة من مهمة الوزير الأمريكي جون كيري.
استعادة الثقة بين “الحالات والجماعات” الإسلامية من جهة، واستكمال مسار المصالحة الفلسطينية، مساران مهمان، لا شك أن قيادة حرك حماس بعد زلزال الثلاثين من يونيو، توليهما اهتماماً مركزاً ... لكن المؤشرات (التقديرات) تشي بأن الحركة منصرفة لترتيب أوضاعها الإقليمية وتحالفاتها القديمة – الجديدة، وأن هذا المسار يحظى بأولوية في تفكير الحركة واهتماماتها، فيما مسار المصالحة واستعادة الوحدة، فمركون واقعياً لأوقات أخرى وظروف أفضل ... وربما ثمة من يقول من داخل الحركة، بصوت خافت أو مسموع: ليس مسموحاً أن نذهب للمصالحة في ظل اختلال في موازين القوى، وأن استعادة هذا التوازن وتلك الموازين، أمرٌ مقدمٌ على استئناف جهود المصالحة واستعادة الوحدة.
مثل هذا التفكير الذي تشي به مواقف البعض وتصريحاتهم (والأهم سلوك الحركة)، يضع مسألة المصالحة في مأزق كبير، ويجعل منها ملفاً مرجئاً دوماً، ومركوناً على أعلى رف ... فالمصالحة مؤجّلة إن كانت حماس في ذروة صعودها إقليمياً، طالما أن فرصة “أكل الكعكة” كاملة متاحة ... وهي مرجأة حين تكون تحالفات الحركة الإقليمية في أصعب حالات هبوطها خشية “الخروج من المولد بحبات قليلة من الحمص” ... متى ستكون المصالحة ملائمة وراهنة إذا؟ ... ومتى ستقتنع الأطراف الفلسطينية الرئيسة، حماس وفتح كذلك، بأن المصالحة ليست “خياراً صفرياً”، بل هي “لعبة رابح – رابح”؟
ومثل هذا التفكير، يشفُّ عن عقلية قديمة جديدة في العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، تقوم على الاستقواء باللاعبين الكبار في الخارج، من عواصم وقوى إقليمية ودولية، لإحداث التوازن أو التغلب على الأخ والشريك والرفيق في “الداخل” ... لعبة مارستها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما كانت قطب المعارضة الداخلية الرئيس لقيادة منظمة التحرير، حيث حرصت الجبهة على الدوام، على معادلة النفوذ المهيمن لفتح وياسر عرفات على المنظمة، من خلال علاقات متميزة مع جمال عبد الناصر، ومن بعده القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد، ودائماً تحت شعار “البعد القومي” للقضية الفلسطينية.
الآن، ومن موقعها كقطب ثانٍ على الساحة الفلسطينية، تمارس حماس اللعبة ذاتها تقريباً ... وتتنقل في رهاناتها الخارجية بين عواصم عدة، كانت دمشق وطهران والضاحية الجنوبية أبرزها زمن تصدر شعار المقاومة، وأصبحت الدوحة وأنقرة وقاهرة (مرسي) تحتل المكانة ذاتها زمن ربيع العرب وصعود إسلامهم السياسي، أما الذريعة الجديدة هذه المرة، فتتمثل في “البعد الإسلامي” للقضية الفلسطينية.
ماذا عن البعد الوطني المُؤسس للقضية الفلسطينية؟
مثل هذا السؤال، لم يحظ بكثير من عناء التيار القومي الفلسطيني وتفرعاته من قبل، وهو لا يحظى اليوم بالاهتمام المطلوب من “التيار الإسلامي” الفلسطيني وتفرعاته العديدة كذلك ... لذلك يرتفع منسوب التشاؤم في تقدم مسار المصالحة الوطنية على مسارات “ترميم التحالفات الإقليمية”، مع الحلفاء والأصدقاء، القدامى منهم والجدد.
لا نختلف مع البردويل عندما قال بأولوية المفاوضات على المصالحة في تفكير القيادة الفلسطينية ... لكننا في المقابل، لا نرى المصالحة أولوية أولى في تفكير حماس، حركة وحكومة ... وفي ظني أن أحداث مصر، وما شهدته من سقوط لحكم الإخوان والاستراتيجيات التي بنيت على استدامته، لن يسرّع بالضرورة مسار المصالحة، بل ربما يضعها في آخر قائمة “المهام المؤجّلة” بانتظار انبلاج صورة أوضح للتطورات في الإقليم من حولنا ... فأية مقامرة بالذهاب إلى المصالحة وما قد يستتبعها من إجراءات وخطوات (الانتخابات مثلاً)، قد تكون نتائجه سيئة لحماس، بل وقد نجد أنفسنا أمام “سيناريو 30 من يونيو معدلاً” في قطاع غزة، ولقد أظهرت وقائع عديدة في القطاع المحاصر، أن حركة حماس، تعاني قبل الثلاثين من يونيو، من أزمة علاقة مع أهل القطاع، بدءاً بمهرجان انطلاقة فتح، الذي كان بمثابة (30 يونيو غزاوي مبكر)، وانتهاء بمهرجانات استقبال الشاب محمد عسّاف، الذي أجبر حكومة حماس على تغيير موقفها ومقاربتها من الرجل وجمهوره العريض.
خلاصة القول، أن من المهم لحماس أن تسعى في ترميم ما تشاء من علاقات وتحالفات مع دول وعواصم وجماعات وجمعيات، في شتى أرجاء الأرض ... لكن الأهم لها، وللقضية الفلسطينية أولاً، هو أن تضع موضوع المصالحة في صدارة أهدافها ... وأن تعيد الاعتبار لـ “المكون الوطني” في خطابها وأهدافها وأولوياتها، بدل أن تغرق عميقاً في أجندة “التمكين” ومقررات التنظيم الدولي واجتماعات إسطنبول الأخيرة.
وإذا كان المطلوب اليوم، إخوانياً، هو تمصير جماعة الإخوان بعد فشل مشروع “أخونة” مصر، وفقاً لعبد الحليم قنديل، فإنه من باب أولى أن ندعو حماس لمزيد من “الفلسطنة” بعد أن منيت مشاريع “الأخونة” و”الأسلمة” بضربات شديدة، وبدا أنها تجر المنطقة إلى سلسلة من الانقسامات والتداعيات لا نعرف كيف ستنتهي ومتى.
(الدستور)