عشرات آلاف العاملين في الأردن خسروا وظائفهم.. هكذا غيّبت كورونا الأمان الوظيفي!
جو 24 :
المرصد العُمالي الأردني -
خلال الأشهر الأخيرة الماضية، خسر سوق العمل المحلي عشرات الآلاف من فرص العمل التي كانت قائمة، نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد وما رافقه من إغلاق القطاعات الاقتصادية، مما دفع الحكومة إلى إصدار أوامر الدفاع لتيسير شؤون الدولة ومن هذه الأوامر جاء أمري الدفاع 6 و9 وما تبعهما من بلاغات لتنظيم علاقات العمل بين العاملين وأصحاب العمل.
هذا التقرير يرصد الحالة النفسية والاجتماعية التي أثرت على العاملين والعاملات في قطاعات مختلفة بسبب فقدانهم الأمان الوظيفي تزامنًا مع تفشي فيروس "كورونا المستجد" في المملكة.
تعمل العشرينية آية في إحدى شركات القطاع الخاص، وتتقاضى راتبًا شهريًا مقداره 500 دينار، يُشكل راتبها نصف دخل البيت، ومن دونه "لن نستطيع أنا وزوجي أن نوفر لفتاتينا حياة كريمة" بحسب تعبيرها.
تروي آية أحداث يوم عصيب عاشته "استدعانا رئيس الشركة لاجتماع عاجل دون سابق تنبيه، ظننت وزملائي أنه سيكون اجتماعًا روتينيًا آخر، لكن في اللحظة التي وطئت فيها أقدامنا غرفة الاجتماعات، عرفنا أن شيئا ما ليس على ما يرام".
لم يطل الرئيس حتى أخبر العاملين أن الشركة تتعرض لخسائر فادحة، وبناءً عليه، ولتقليل النفقات حتى تستطيع الشركة الاستمرار بالعمل، ستقوم الإدارة بتقليل عدد العاملين في الشركة، تعتبر آية أن هذه اللحظة تحديدًا كانت فارقة في مسيرتها المهنية ولم تعد حياتها كما كانت عليه من قبل.
لم تكن آية في واقع الأمر ممن سُرحوا، وتكمل حديثها لـ "المرصد العُمّالي" بقولها: "تنفست الصعداء عندما علمت أنني سأحتفظ بوظيفتي، لكن راحتي تلك كانت لحظية، أشعر دائمًا أنها مسألة وقت قبل أن ألحق بزملائي، وأجد نفسي أنا أيضًا بلا عمل.
تُفكر آية باستمرار عن مصيرها في حالة فقدانها للوظيفة "عندما يحدث هذا ماذا عساي أفعل؟" حتى هذه اللحظة، لم يجد زملائها ممن سُرحوا عملًا بديلًا، وتعرض الكثير منهم لأزمات مادية عسيرة، ولا يعلم أحد متى سيجدون وظيفة.
تحاول آية قدر الإمكان العمل باجتهاد، وإثبات أهميتها لإدارة العمل، ليبقى اسمها بعيدًا عن قائمة الذين سيُسرحوا من العمل، لكن خوفها وقلقها دائم لا يغادرها، "لا أتمكن من منع نفسي من البحث أثناء ساعات العمل عن وظائف بديلة. أعجز عن إيجاد أي وظيفة ملائمة لي. أتمنى حقًا لو كان هناك ما يمكن أن أفعله لأوقف كل هذا، لكني عاجزة تمامًا".
من جهته يُبين الأخصائي النفسي هاشم الفاخوري أن العاملين يتعرضون لمعاناة نفسية تعادل، وفي بعض الأحيان تفوق، من تعرضوا للتسريح، إذ يجد الموظفون الخائفون من الطرد أنفسهم في موقف يخيم عليه عدم وضوح الرؤية، فلا هم واثقون من مستقبلهم في الشركة ويعملون في راحة بال، ولا هم تعرضوا للطرد، فيتفرغون للبحث عن أماكن عمل بديلة.
وأوضح أن أجواء سامّة تسود بين العاملين والموظفين مع عدم الاستقرار في أماكن العمل، تتمثّل في حالة الخوف لدى الجميع، فلا أحد يضمن وجوده في عمله، ولا أحد يعرف بشكل يقيني إلى متى سيظل محتفظًا بوظيفته، وكعَرَض جانبي لحالة الخوف، تُضمر الأجواء نوعًا من المنافسة بين زملاء العمل؛ فكل واحد منهم يود أن يثبت لمديره أنه الأجدر بالاحتفاظ بوظيفته.
يستغل أصحاب الشركات والمدراء عدم الاستقرار الذي تظن بعض الشركات أنه يُحفز الموظفين على العمل وزيادة الإنتاجية، "تصطنع بعض الإدارات تلك الأجواء اصطناعًا، وتخلق أجواء غير آمنة بشكل مقصود"، بينما هم في الحقيقة يعملون على تبديد أجواء الصداقة التي نشأت بين زملاء العمل، وإحلال المنافسة العدائية محلها، وفق الفاخوري.
وكانت الدراسة المسحيّة التي أجراها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية حول آثار أزمة فيروس "كورونا المستجد" على الأوضاع الاقتصادية للأسر الأردنية خلال الأشهر الثلاث الأولى للجائحة، قد بيّنت أن 8.7 من المشاركين في الدراسة تعرضوا للفصل الدائم من أعمالهم.
ورأى 67.3 بالمئة من المستجيبين أن فرص الحصول على عمل قليلة جدًا في حالة الوضع الاقتصادي الراهن، بينما توّقع 61.7 بالمئة منهم أن فرص الحصول على عمل ستتراجع بعد عام من الآن.
ويقول الخبير الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش "أن فيروس "كورونا المستجد" أنتج وضعًا خطيرًا على سوق العمل الأردني برزت نتائجه في التعطل عن العمل، أو نقص بالرواتب، أو تسريح من الوظيفة، أو انهيار شركات، أو تراجع قدرتها على الاستمرار في نفس الأعداد من الموظفين، بالإضافة إلى تضرر عاملي المياومة الذين يشكلون ما يقارب 50% من العمال”.
ويبين أن التسريحات وتقليصات العمالة كانت حوادث نادرة الوقوع في الماضي، ولا تؤثر غالبا سوى في العُمّال البسطاء، أما اليوم، فقد صار غياب الأمان الوظيفي ببساطة هو المعتاد.
ويتابع عايش، أن هذا الوضع سيزيد معدلات البطالة، التي تعد أحد الأوجه الخطيرة التي ترتبت نتيجة أزمة كورونا، مما يعني انخفاضا في الضمان الاجتماعي من إيرادات المنتسبين فيه، مما سيؤثر على الأمان الاجتماعي لكل الأردنيين، ومن جانب آخر زيادة معدلات الفقر، خصوصًا أن كثيرًا من المواطنين يعانون من الفقر أو في طريقهم للدخول فيه بموجب كورونا.
وفي تقرير الربع الثاني من عام 2020 الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة تشير الأرقام إلى ارتفاع معدلات البطالة في المملكة إلى 23 بالمئة، وهي مرشحة للزيادة في ظل دخول الأردن حالة انكماش اقتصادي (نمو سالب) يتوقع أن تصل الى ما يقارب 5 بالمئة خلال العام الجاري 2020.
وتناولت الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة مستويات الفقر في الأردن، التي تُشير إلى أن قيمة خـط الفقـر المطلـق تبلغ 1200 دينار للفرد سـنوياً، كما بلغ خط الفقر للأسرة المعيارية (4.8 فرد) بلغ 400.8 دينار شهرياً أي حوالي 4809 دنانير سنويًا.
وبحسب شكاوى وصلت إلى وزارة العمل منتصف أيلول الماضي والبالغ عددها 52 ألف شكوى ما بين خصم أجور وإنهاء خدمات يتبين أن العلاقات بين العمّال وأصحاب العمل، لم تكن على ما يُرام.
تبيّن أرقام الوزارة أن عدد العمّال الذين تم إنهاء خدماتهم بلغ (8287) عامل وعاملة، خلال فترة ما بين منتصف آذار إلى منتصف أيلول الماضي، منهم (3121) عامل وعاملة انتهت خدماتهم بشكل قانوني، في حين اُعيد (5043) عامل وعاملة إلى وظائفهم بعد ثبوت عدم قانونية إنهاء خدماتهم، ولا تزال بعض الشكاوى قيد التحقيق والمتابعة، وبعضها الآخر تحوّل للقضاء.
(المرصد العمالي - هدى أبو هاشم)