"معالي الصحافي " :من بلاط صاحبة الجلالة إلى دهاليز الدوار الرابع
تعيين الصحافي سميح المعايطة وزيراً للدولة لشؤون الإعلام والإتصال متحدثاً رسمياً بإسم الحكومة الجديدة برئاسة فايز الطراونة ، يأتي استمرار لظاهرة قد لا تكون أردنية بإمتياز ولكن يبدو أنها أصبحت نهجاً ثابتاً وهي توزير الصحافيين ، فخلال ثمانية عشرة شهراً ومع التغيير المستمر للحكومات في المملكة تم تعيين أربعة صحافيين في موقع المسؤول الأول عن الإعلام، بدءاً من تعيين الكاتب الصحافي طاهر العدوان وزيراً للإعلام في حكومة معروف البخيت الثانية التي شكلت في فبراير / شباط من عام 2011 مع إنطلاق الربيع العربي ، ليحل بعد أشهر في هذا المنصب الصحافي عبد الله أبو رمان في التعديل الذي أجراه البخيت على حكومته ، وبعد أشهر تذهب الحكومة ومعها أبو رمان ليأتي الكاتب الصحافي راكان المجالي وزيراً للإعلام في حكومة عون الخصاونة لترحل هي الأخرى بعد سبعة أشهر ومعها المجالي .
في العقود الماضية لطالما كان يؤتى بوزير للإعلام من خارج الوسط الصحافي ولكنه قريب منه ، ثم بدأت سياسات جديدة بإستقطاب كوادر إعلامية في موقع المسؤول الأول عن الإعلام .
من بلاط صاحبة الجلالة إلى دهاليز السياسية :
والواقع أن توزير الصحافيين أمر ليس بجديد في تاريخ الحكومات الأردنية وكان يتم على فترات متباعدة ، وكانت ليلى شرف أول صحافية تتولى حقيبة وزارية في ثمانينات القرن الماضي حيث حملت حقيبة الإعلام، وفيما بعد حملها الإعلاميان سمير مطاوع ونصوح المجالي ومؤسس صحيفة الدستور محمود الشريف وأبنه نبيل الشريف لاحقاً ، ومن الصحافيين الذين تم توزيرهم محمود الكايد وطارق مصاروة اللذان حملا حقيبة الثقافة وأيمن الصفدي الذي كان نائباً لرئيس الوزراء ومحمد داودية الذي كان أول من يحمل حقيبة التنمية السياسية عند استحداثها لأول مرة عام 2003.
ظاهرة توزير الصحافيين تحمل ايجابيات أبرزها أنه من المهم أن يكون المسؤول الأول عن الإعلام ابن المهنة ، الخبير بشؤونها وشجونها والصعوبات التي تواجه العاملين فيها ، ولكن للسياسة ومناصبها سطوة، فالموقع الرسمي الذي يتسلمه الصحافي يفرض عليه طقوساً جديدة أقلها تبرير سياسات كان ينتقدها في السابق وهو في بلاط صاحبة الجلالة ، باختصار عندما يتولى الصحافي حقيبة وزارية يتحول من ناطق بإسم الشعب الى ناطق بإسم الحكومة وشتان بين المهمتين .
يقول وزير الدولة لشؤون الإعلام والإتصال المتحدث الرسمي بإسم الحكومة سميح المعايطة "اهل مكة ادرى بشعابها " وهذا المثل ينطبق تماماً على الصحافي الذي يتسلم موقع وزير الإعلام ويضيف أمر إيجابي أن يقود الصحافيون الجانب الإعلامي الرسمي ، إضافة لذلك فالصحافي الوزير له القدرة على التواصل المستمر مع زملائه الصحافيين . ويؤكد أنه بالنسبة للصحافي الذي يتقلد منصب الوزارة فهو يدرك تماماً أنه في هذا الموقع بصورة مؤقتة وأن مرجعه سيكون لمهنته .
وقبل تسلمه لموقعه كمسؤول أول عن الإعلام كان المعايطة رئيساً لهيئة التحرير في صحيفة العرب اليوم وكاتب لمقال يومي فيها ، وقبلها كان رئيساً لتحرير صحيفة الرأي .
ويرى وزير الدولة السابق لشؤون الإعلام والإتصال طاهر العدوان أنه من الطبيعي ان يكون المسؤول الأول عن الإعلام من الوسط الصحافي ، مشيراً إلى أن معظم من حمل حقيبة الإعلام في المملكة هم من ابناء الوسط الإعلامي . شغل العدوان منصب رئيس تحرير صحيفة العرب اليوم قبل تسمله منصبه الوزاري ، وبعد تركه للموقع عاد ككاتب في الصحيفة إلا أنه استقال بعد نقل ملكية الصحيفة .
فيما يقول النائب والكاتب الصحافي جميل النمري أن الوجه الإيجابي لتعيين صحافي في موقع المسؤول الأول عن الإعلام أنه يكون أكثر قرباً من المجتمع الإعلامي ويعرف قضاياه بشكل تفصيلي ، كما أن له القدرة على ابقاء جسور التواصل بين الحكومات والجسم الإعلامي بكل مكوناته . غير أن النمري يرى جانب سلبي في هذا الأمر يتمثل في إستدراج الإعلام الى مواقع غير نقدية إضافة إلى فقدان الأقلام الصحافية .
محاولات للإحتواء:
من الأساليب التي تلجأ إليها الحكومات عادةً لإحتواء الإعلاميين تعينهم في مناصب رسمية بصورة دائمة أو مؤقتة بحيث تتمكن الحكومات من السيطرة على توجهات هؤلاء الإعلاميين ووقف انتقاداتهم للسياسات الحكومية وكسب تأييدهم حتى للسياسات التي تتعارض مع توجهات هؤلاء الإعلاميين لاسيما قادة الرأي منهم .
يؤكد العدوان أن من الأسباب التي تلجأ إليها الحكومات لتعيين الكتاب الصحافيين في مواقع وزارية محاولة احتواءهم وكسبهم لتأييد سياساتها ويقول في هذا الصدد هناك عدد من الإعلاميين من يرفع سقفه ويأخذ مواقف غير عقلانية في تصريحاته وكتابته من أجل جذب الإنتباه إليه وهذا ما حصل مع عدد من الإعلاميين الذين تولوا مناصب رسمية وخاصة وزارية ويؤكد النمري ما ذهب إليه العدوان بالقول أن الحكومات تلجأ لإستقطاب الكوادر الإعلامية في المناصب الرسمية خاصة المنصب الوزاري في محاولة لإستيعاب الجسم الإعلامي أو احتوائه وذلك بهدف حماية الحكومة وسياساتها من الإنتقادات ، ويؤكد النمري أنه في التعيين في المناصب الحكومية يتم التركيز على بعض الرموز الإعلامية التي لها صوت نقدي .
كان قبول الكاتب الصحافي ورئيس تحرير صحيفة العرب اليوم السابق طاهر العدوان لمنصب وزير الدولة لشؤون الإعلام والإتصال في حكومة معروف البخيت مفاجئاً للوسط الإعلامي ، فالرجل عرف بمواقفه الإنتقادية للسياسات الحكومية وتماهيه مع الشارع ومطالبه بتحقيق إصلاح سياسي واقتصادي، وقد دافع العدوان عن قبوله لهذا المنصب بالقول انه لم يقبل المشاركة في الحكومة إلا بعد أن تأكد من توجهاتها الإصلاحية ... وبعد خمسة أشهر استقال العدوان من الحكومة وجاءت الإستقالة احتجاجاً منه على نية الحكومة إصدار قوانين مقيدة لحرية الصحافة. يقول العدوان من المهم للإعلامي الذي يتبوأ منصب وزير الإعلام أن يكون أمين على مبادئه التي حملها قبل توليه المنصب . مشيراً إلى أن المآخذ الكبير على بعض الصحافيين الذين حملوا حقيبة الإعلام وقوعهم تحت تأثير الموقف السياسي لرئيس الوزراء والحكومة .
فيما يؤكد المعايطة أن المنصب الوزاري لا يغير من توجهات الصحافي ويشرح ذلك بالقول الموقع الرسمي يغير طريقة التعبير ولكنه لا يغير المواقف ..... الكاتب الصحافي عندما يصبح وزيراً يتوقف عن كتابة المقالات التي تحمل رأيه في مختلف القضايا ولكنه يستمر بالتعبير عن رأيه خلال الإجتماعات الرسمية وهذه المسألة لا يراها الناس .. ويؤكد أن الصحافي الوزير لا يكتب مقالاً ولكنه يشارك في صنع القرار.
تشير نتائج أخر دراسة أجراها مرصد الإعلام الأردني حول الأساليب الناعمة التي تستخدمها الحكومات للسيطرة على الإعلاميين أن التعيين في المناصب الرسمية بصورة دائمة أو مؤقتة احد أشكال الإحتواء الناعم التي تمارسها الحكومات للسيطرة على الصحافيين حيث احتل هذا الشكل الترتيب الثاني بعد الهبات المالية وبنسبة بلغت 36% . كما أشارت نتائج الدراسة ان قادة الرأي هم الاكثر تعرضا لمحاولات الإحتواء الناعم الحكومية حيث افاد ما نسبته 45% من قادة الرأي أنهم تعرضوا لمحاولات الإحتواء الناعم الحكومية .
محاولة للتقييم :
تقييم تجربة الصحافي الوزير والآثار الإيجابية التي تركها على الوسط الإعلامي سواء لجهة المهنية أو الحريات, ليست مهمة سهلة بحسب نائب رئيس التحرير في صحيفة العرب اليوم نبيل غيشان الذي يوضح بالقول الأمر يعتمد على الشخص نفسه ومكوناته ، فنحن نعلم أن بعض من تولوا منصب وزير الإعلام لم يكونوا اعلاميين ولكنهم تركوا آثار إيجابية على المهنة سواء لجهة الحريات أو تطوير المهنية ، والعكس صحيح ذلك أن بعض الصحافيين الذين تولوا المنصب لم يقدموا أي شيىء ايجابي للمهنة بل على العكس تماماً . ويضيف بالقول الأمر نسبي ويعتمد على الشخص ذاته ونحن أمام تجارب كثيرة لصحافيين نجحت الحكومات في نقلهم من جهة النقد للسياسات الحكومية إلى التنظير لهذه السياسات والتبشير بها .
ويتفق الكاتب الصحافي في صحيفة الرأي جهاد المومني مع ما ذهب إليه غيشان بالقول أن التجربة ليست واحدة ، حيث تولى منصب وزير الإعلام صحافيين لم يقدموا أي شيىء إيجابي للوسط الصحافي لأنهم لم يكونوا على معرفة ودراية بإستراتيجيات الإعلام وتطوره السريع وادواته الحديثة وكانوا نمطيين في عملهم كما أنهم لم يكونوا من دعاة الحريات الصحافية وتدخلوا في الشؤون الداخلية للصحف . وعلى النقيض من ذلك يقول المومني كان هناك إعلاميين تولوا منصب وزير الإعلام فقدموا الكثير للمهنة صحيح أنه كانت لهم أخطاء صغيرة ولكنهم حموا الحريات الإعلامية ودافعوا عنها ومارسو مهمتهم الرسمية ضمن الحدود المسموح بها . (مرصد الاعلام الاردني)