jo24_banner
jo24_banner

كيري على طريق سابقيه ... «المهمة المستحيلة»

عريب الرنتاوي
جو 24 : لا يبدو أن طريق جون كيري نافذ ... أغلب الظن أن الرجل سيصطدم بالحائط ذاته، الذي أطاح برؤوس وأحلام ورهانات موفدين سبقوه بخوض غمر «المهمة المستحيلة»، وأعني به حاجز الرفض الإسرائيلي لإنهاء احتلال الضفة والقدس والعودة إلى خطوط الرابع من حزيران العام 1967 ... كيري حاول أن يجرب حظه، وربما بنوايا ودافع سليمة، وهو استثمر من وقته وجهده وطاقته، الشيء الكثير، بل ذهب منفرداً إلى رمال الشرق الأوسط، فيما إدارة أوباما فضلت الاحتفاظ بمسافة عن مهمة وزير خارجيتها، تراقبه من دون دعم أو إعادة، فإن نجح رُدّ النجاح إلى إدارة الرئيس أوباما، وإن فشل تحمّل وحده وزر الفشل ومسؤوليته ... لكن الطريق إلى الفشل هذه المرة أيضاً قد يكون مفروشاً بالنوايا السليمة والرغبات الصادقة والمخلصة.
منذ الأشهر الأولى للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس بُذلت جهود متعددة من أجل إنهاء هذا الاحتلال، نظير التوقيع على سلام ثنائي (أردني – إسرائيلي) من قبل و(فلسطيني – إسرائيلي) من بعد، أو سلام متعدد الأطراف (مبادرة السلام العربية) ... جميع تلك المحاولات مُنيت بالفشل، رغم كل ما تضمنته من إغراءات للجانب الإسرائيلي .
الراحل ياسر عرفات، لم يدخر جهداً من أجل إقناع إسرائيل بالقبول بـ«التسوية التاريخية»، تخلى عن الميثاق الوطني، وتعهد وقف الكفاح المسلح، واعترف بإسرائيل، وقاد الحركة الوطنية الفلسطينية من خندق إلى خندق، وظلّ يطارد أوهام المفاوضات وعملية السلام، حتى لحظة استشهاده محاصراً في مكتبه في «مقاطعة» رام الله ... إسرائيل لم تستقبل كل التحولات التي أحدثها الشهيد ياسر عرفات في خطاب الحركة الوطنية الفلسطينية وسقف توقعاتها وأهدافها، إلا ببث السم في طعام الرئيس المحاصر، واغتياله بدم بارد، بعد تدمير «المقاطعة» فوق رأسه، وبضوء أخضر من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.
العرب مجتمعون، قبلوا بمبادرة عرضها ولي عهد السعودية آنذاك (ملكها الآن) في بيروت في العام 2002، وفيها عرض سخي بتطبيع علاقات 22 دولة عربية، ومن فوقها 35 دولة إسلامية، مع إسرائيل، بعد الاعتراف بها وإقامة سلام دائم معها، نظير دولة فلسطينية في الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية ... منذ 11 سنة، وإسرائيل تماطل وتراوغ في التعامل مع هذه المبادرة، هي رحبت بالسلام والتطبيع، بيد أنها رفضت إنهاء الاحتلال.
وما حصل لمبادرة السلام العربية، حصل لخريطة الطريق التي رعاها المجتمع الدولي ممثلاُ بـ«رباعيته»، العالم يجمع على وجوب إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 67 نظير سلة من الشروط والمطالب المكلبة لحقوق الفلسطينيين وحرياتهم وأحلامهم ... إسرائيل ترفض إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان، وتكبل الخريطة بعشرات التحفظات التي ستجعل منها أثراً بعد عين، ووثيقة لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه.
خلاصة القول: كان يتعين على كيري، قبل أن يبدأ جولاته المكوكية في المنطقة (الجولة الحالية تحمل الرقم 6)، وقبل أن يلقي بثقله السياسي والشخصي خلف مسعاه لاستئناف المفاوضات، أن يتأكد من أمرين اثنين قبل أن يضع قدمه على سلم طائرته الخاصة: الأول، أن ثمة في إسرائيل من هو مستعد للجلاء عن المناطق المحتلة العام 67 بما فيها القدس الشرقية ... والثاني، أن ثمة في الولايات المتحدة من هو مستعد لممارسة ضغط على إسرائيل لفعل ذلك ... وبغياب هذين الشرطين (وهما غائبان)، ما كان على كيري أن يتنكب عناء السفر والترحال والتجوال، وأن يراهن على حزم «السلام الاقتصادي» و»إجراءات بناء الثقة»، فكل ذلك جاء بمثابة «تغميس خارج الصحن» كما يقال في المثل الدارج.
وسواء أجاء جواب عباس والقيادة الفلسطينية إيجابياً على أفكار كيري أم لا، سواء التأمت مائدة المفاوضات أم لم تلتئم، فإن فرقاً جوهرياً لن يحدث ... حل الدولتين بات وراء ظهورنا، وعملية السلام بالغة طريقاً مسدوداً، إن لم يكن الآن، وقبل التئام مائدة المفاوضات، فبعد عدة أشهر حين يصل المتفاوضون إلى لحظة الحقيقة والاستحقاق، وتتكشف حقائق الموقف الإسرائيلي للمرة الألف على التوالي: الاحتلال أولاً ... الاحتلال أخيراً.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news