jo24_banner
jo24_banner

أوروبا وشطرا حزب اللـه الواحد

عريب الرنتاوي
جو 24 : في صلب التوصيف الأوروبي لحزب الله كمنظمة إرهابية، تقع حادثة بورغاس (بلغاريا) وما أشيع عن محاولة الحزب استهداف إسرائيليين في قبرص ... أما في صلب ردود الأفعال على قرار وزراء خارجية الدول الأعضاء الثماني والعشرين فقد تركّز الحديث عن دور حزب الله في سوريا، بخاصة بعد إعلان أمين عام الحزب، رسمياً عن قتاله إلى جانب قوات النظام السوري في “القصير” وما بعدها ... فأين هي الحقيقة وسط هذا التناقض بين مسببات القرار الأوروبي وأهدافه ... بين مقدماته والنتائج المتوخاة منه؟
في المضمون العملي، لا يساوي القرار الأوروبي الحبر الذي كتب فيه، ليس لأن كوادر حزب الله ومقاتليه لا يمتلكون أرصدة في البنوك الأوروبية أو أنهم دائمو التجوال بين عواصمه ومدنه فحسب ... بل لأن القرار خص “الجناح العسكري” للحزب من دون جناحه السياسي ... أدرج الأول في القائمة السوداء، وأبقى على الصلة والتواصل مع الثاني، وبما يفيد استقرار لبنان وسلامته، وكان لافتاً ذكر اسم الحزب بالذات، في سياق الحديث عن استمرار التشاور والتنسيق الأوروبيين مع مختلف القوى والأطراف اللبنانية
حزب الله، كأي فصيل مقاوم، يصعب أن ترسم خطاً بين سياسييه ومقاتليه ... “كل سياسي مقاتل، وكل مقاتل سياسي”، شعار أطلقته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قبل أزيد من أربعين عاما، يلخص “واقع حال” حزب الله اليوم ... كل سياسي “مجاهد” وكل “مجاهد” سياسي، فكيف ستعمل ماكينة الاتحاد الأوروبي على فرز الجناحين، السياسي والعسكري لحزب الله الواحد الأحد؟
في توقيت القرار الأوروبي، يصعب تجاوز تطورات ثلاثة، شكلت مجتمعةً، الأساس للإجماع الأوروبي على “تجريم” الجناح العسكري للحزب ... أول هذه التطورات، دور الحزب الحاسم في معارك القصير وحمص، والذي أسهم بإحداث نقلة نوعية في توازنات القوى على الأرض ... ثانيها، الفيتو السعودي، المدعوم من بعض الجهات العربية والإقليمية والدولية، على مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية، كما تشير إلى ذلك مصادر لبنانية عديدة مواكبة لمحاولات تشكيل حكومة لبنانية جديدة ... وثالثها، رغبة الاتحاد الأوروبي بـ”تعويض” إسرائيل، ومن “كيس” حزب الله، عن قرار الاتحاد الأخير بخصوص المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
القرار الأوروبي مضرٌ معنوياً بحزب الله، سيما أنه يندرج في سياق أوسع وأبعد مدى، هدفه “شيطنة” الحزب و”مذهبته” تمهيداً لاحتوائه وتلقيم أظافره وتقليع أنيابه الصاروخية الحادة ... بيد أن القرار لن يترك أثراً عملياً على نشاط الحزب وفاعليته، لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى اللبناني المحلي ... فالحزب بمقوماته وتمثيله، عصيٌ على الإلغاء والتجاوز والتهميش، وسيظل لاعباً يحسب له ألف حساب، بعد القرار كما كان قبله.
وأبعد من ذلك نقول إن أوروبا ربما تكون قد عاقبت نفسها بدل أن تعاقب الحزب ... فكثير من الدول الأوروبية، تجد نفسها مضطرة للتواصل مع الحزب واستمرار التنسيق معه ميدانياً، بفعل مقتضيات القرار الدولي 1701، وبعض دول أوروبا كإيطاليا وفرنسا والنمسا، لها قوات منتشرة على أرض الجنوب اللبناني في إطار “اليونيفيل”، وهي الأحوج للتنسيق مع الحزب، بل ومع جناحه العسكري بخاصة، في كل ما يتصل بمناطق انتشار هذه القوات، وعلاقاتها بمواطني هذه المناطق (الشيعة على نحو خاص)، ومن أجل حفظ أمن هذه القوات وسلامتها في المقام الأول والأخير.
كما أن لأوروبا مصالح في لبنان وعلاقات تاريخية معه، تملي عليها التواصل مع الحزب، نواباً ووزراء وقيادات، وقد سبق لعواصم الاتحاد الأوروبي أن استضافت وفوداً لبنانية لإجراء بعض المصالحات و”التسويات”، وما كان لنصاب تلك اللقاءات أن يكتمل من دون وجود ممثلين عن حزب الله وحلفائه في لبنان ... والأرجح أن هذه الحاجة ستزداد، كلما اقترب لبنان من استثمار حقول نفطه وغازه على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
لكل هذه الأسباب، فضل الاتحاد الأوروبي ألا يفعل ما فعلته الولايات المتحدة وهولندا والبحرين من قبل، بإدراج الحزب ككل في قوائمه السوداء، وآثر اعتماد “السابقة البريطانية” التي ميّزت بين جناح عسكري منبوذ وآخر سياسي يمكن التعامل معه ... أوروبا لا تريد إطلاق النار على أقدامها ... أوروبا تعرف أنها ستضطر للتعامل مع الحزب، وقد تفعل ذلك قريباً، بل وقريباً جداً.
وبحكم طبيعة القرار، فهو قابل للطعن والاستئناف، وهنا يأتي دور الدولة اللبنانية بأجهزتها الرسمية، مستفيدة من واقعة أن الأحكام النهائية في قضية “بورغاس” لم تصدر بعد، والاتهام القطعي القبرصي، لم يتعزز بقرار قضائي بعد ... وهو قرار قابل للمراجعة والتدقيق كل ستة أشهر، وثمة فرصة لإبقاء الملف مفتوحاً، سيما إذا ما سارت تطورات الأحداث اللبنانية باتجاه حكومة مصالحة وطنية برئاسة الحريري كما يُشاع، أو عودة الأطراف لمائدة الحوار الوطني كما يُسرب، فضلا بالطبع عن تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، وهذا هو الجزء الأهم من “قصة القرار الأوروبي”.
المؤسف في تداعيات القرار وردود الفعل عليه، تلك الأجواء الانتصارية الشامتة، التي ميزت تصريحات بعض أركان 14 آذار، ومن الأجنحة السلفية في تيار المستقبل، التي هللت وكبرت للقرار الأوروبي، كما لو كان فتحاً مبيناً لجحافل أهل السنة والجماعة ... المؤسف أن نبرة التشفي، ميزت ردات فعل بعض سياسيي الخليج وصحفه وإعلاميه ... بعضهم لم يكن سباقاً في معاقبة حزب وشيطنه ومطاردته فحسب، بل وتكشف عن استعدادات مذهلة لمد يد التعاون مع كل شياطين الأرض، طالما أن العدو المشترك، هو إيران وحلفاؤها ومشتقاتها والمتعاطفون معها ... إنه عصر “ملوك الطوائف” في زمن الانحطاط العربي الذي لا نعرف له دركا ولا قرارا.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news