من الوفاء للمتقاعدين العسكريين
نايف المصاروة
جو 24 :
عن الوفاء يقول ابن منظور في معناه اللغوي : هو "الخلق الشريف العالي الرفيع.
وجاء في المعجم الوسيط عن الوفاء: وفى الشيء يفي وفاء، ووفياً : تم .
يقال : وفي ريش الجناح والشيء وفياً : كثر .
وفلان نذره وفاء : أداه وعمل به .
وأوفى بالوعد والعهد : وفي . ووافى : فاجأه . ووفى فلاناً حقه : أوفاه إياه .
والوفي : التام والكثير الوفاء، وجمعها أوفياء.
وقال الجرجاني إن الوفاء هو : " ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء".
وقال الغزالي إن الوفاء هو : " الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد المـوت مـع أولاده وأصدقائه " أو هو : أداء الحق.
وفي المجمل الوفاء : يعني الخلق العظـيم الـدال علـى التمـام والإكمال.
مما لا شك فيه، ان الحياة العسكرية، تختلف تماما عن الحياة المدنية، ففي الحياة العسكرية استيقاظ مبكر من النوم، ثم ترتيب الأسرة، ثم إلى ممارسة الرياضة، وبعدها يكون تناول طعام الإفطار، كل ذلك يكون قبل الساعة السابعة صباحا، ثم يكون الإستعداد إلى طابور الأركان، الذي يكون في الساعة السابعة والنصف، وفي الساعة الثامنة يكون توزيع المهام والإستعداد لبرنامج يوم عمل جديد.
عادة ينتهي العمل الرسمي، في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، ليبدأ بعد ذلك عمل المناوبين، ما لم يكن هناك واجبات تستدعي الإستمرار، كالمناورات او القيام بواجبات أخرى، في أوقات الأزمات والطوارئ.
أما الإجازات الرسمية والإضطرارية، فتبدأ وتنتهي في ساعة محددة، التجاوز عنها يوجب المساءلة.
حياة الجنود، عنوانها الضبط والربط، وشعارها الطاعة،
وعمادها إحترام الوقت والنظام .
ولهذا يواجه العسكري، بعد إحالته على التقاعد، صعوبة في التأقلم مع الحياة المدنية، لأنها مخالفة تماما، لما إعتاده طوال حياته العسكرية.
المتقاعدين العسكريين ، هم الجنود الإحتياط، عند النوازل والملمات، وهم الرديف والسند، للجيش النظامي، وهم أهل الإختصاص والخبرة والدراية،في كثير من المهمات، وهم المدافعون عن الثرى والحدود، سابقا ولاحقا، يسطرون معاني المجد، في كل حين وآن،ينشدون المعالي ليكون لهم شرف النصر او الشهادة.
أنشأت معظم دول العالم، مؤسسات أو هيئات، ينظوي تحت مظلتها كل المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء ، للإهتمام بهم ولرعاية كل شؤونهم، بعد إحالتهم على التقاعد.
في الاردن صدر القانون رقم (26) للمؤسسة الإقتصادية والإجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء لسنة 1977) وتعديلاته.
وقد حددت المادة (2)، من القانون، أن المتقاعدون العسكريون والمحاربون القدماء هم: الضباط وضباط الصف والأفراد الأردنيون، الذين أحيلوا على التقاعد
ممن خدموا في القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية .
كما حددت ان العضو في المؤسسة: هو المتقاعد العسكري والمحارب القديم المشترك في المؤسسة.
وقد بينت المادة (5) مهام وواجبات للمؤسسة والتي منها:-
أ- تنظيم الأعضاء وإعدادهم للأعمال المهنية والحرفية والإدارية من أجل البناء والتعمير.
ب-توجيه القوى البشرية القادرة من الأعضاء وتشغيلها في مشاريع الإعمار المنتجة ومشاريع التطوير الإقتصادي الوطني.
ج-ممارسة أي نشاط إقتصادي سواء كان صناعيا أو تجاريا أو زراعيا أو سياحيا أو صحيا داخل المملكة وخارجها، بما في ذلك تمثيل الشركات المحلية والأجنبية بجميع انواعها وتقوم بممارسة هذه الأعمال على أسس تجارية.
هـ- توفير فرص العمل للأعضاء وأولادهم داخل المملكة وخارجها، بالتنسيق مع الجهات المعنية، على أن تكون
الأولوية في التعيين في المؤسسة للأعضاء وأولادهم وفقا للتعليمات التي يصدرها المجلس الأعلى .
لا اشكك ابدا، أن المؤسسة، تبذل جهودا كبيرة، للقيام بواجباتها تجاه رفاق السلاح،من المتقاعدين العسكريين، ولكن ربما بسبب عدة عوامل، إقتصادية وقانونية وإدارية، يظهر الخلل ويكون التشكي، ومنه ما ظهر عيانا، من خلال بعض الإحتجاجات مؤخرا، أو من خلال ما تنشرته بعض وسائل الإعلام ، والذي كان آخرها تلك المحادثة عبر إحدى المحطات الإذاعية، وكل منا إما له اشقاء او أقرباء او اصدقاء، من المتقاعدين العسكريين، ومطلع على معاناة بعضهم.
اعود لأقول بالرغم من ان المادة( 8) من القانون،حددت تكوينة المجلس الأعلى للمؤسسة، والذي يتكون من رئيس الوزراء، رئيسا للمجلس، وعضوية كل من - وزير الدفاع.
- رئيس هيئة الاركان المشتركة - مدير الامن العام.
- مدير المخابرات العامة - مدير الدفاع المدني.
- المدير العام - وثلاثة اشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص في الشؤون المالية والاقتصادية يختارهم رئيس الوزراء لمدة سنتين قابلة للتجديد.
لست خبيرا في القانون، ولكن من خلال الاطلاع تبين لي ان القانون بحاجة إلى تعديل عاجل.
اولا- لمراعاة المتغيرات، ولمواكبة التطورات، وخاصة بعد قرار دمج الاجهزة الامنية، الامن العام وقوات الدرك والدفاع المدني، التي أصبحت تحت إدارة مدير الامن العام.
وثانيا لأن هولاء الذوات الذين ذكرهم القانون، لديهم ما يشغلهم، وأعتقد جازما بأن لديهم الكثير من الواجبات، وليس لديهم متسعا من الوقت، للمشاركة في اجتماعات المجلس، ولو كان هناك من ينوب عنهم.
وهنا اسال.. بما ان للمؤسسة مجلس أعلى، كما في المادة (8)، ومجلس تنفيذي كما في المادة(9)،وفي المجلسين ذوات وصناع قرار، اذا لماذا يشتكي المتقاعدون العسكريون، ولماذا يحتجون؟
ولماذا لم يبادر هولاء الذوات، ويضعون النقاط على الحروف، ويضعون الخطط الكفيلة بعيش كريم لكل متقاعد عسكري؟
ولماذا في كل مرة يتدخل الملك لتصحيح المسار؟
تلك الاحتجاجات والشكاوى، كانت محط إهتمام، ومتابعة شخصية من جلالة الملك ، وقد التقى بممثلين عن المتقاعدين، وإستمع لهم، ووجه عدة مرات بتحسين أحوالهم، وإيلائهم المزيد من الرعاية والإهتمام.
هنا اقول، إن من الوفاء للمتقاعدين العسكريين، هو التوجيه الملكي المتكرر، لرعايتهم والاهتمام والعناية بهم وبإسرهم،وتحسين كافة أحوالهم المعيشية.
وإن من الوفاء ايضا، تكرار الزيارات الملكية المباشرة والميدانية، لمنازل بعض المتقاعدين .
تلك الزيارات واللقاءات، وما نتج عنها، هي الدافع والسبب الرئيسي لإطلاق المبادرة الملكية، تحت مسمى "رفاق السلاح" ، وهي عدة برامج ومحاور، وضعت وخطط لها بعناية، وتحظى بدعم مباشر من جلالة الملك، وبمتابعة خاصة من سمو ولي العهد، وتشتمل على محاور خمسة رئيسية، للرعاية الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية، ولتضمن لاحقا الحياة الكريمة لكل المتقاعدين، تلك المحاور هي :-
المحور الأول.. توسيع واحداث مرونة في صندوق الإسكان العسكري، وتسريع معاملات الاستفادة من قروضه، وقد تم رصد مبلغ 438 مليون دينار، ليستفيد منها 27 الف متقاعد عسكري خلال هذا العام 2021.
المحور الثاني.. شمول المتقاعدين العسكريين بخدمات صندوق الإئتمان العسكري، من خلال إنشاء نافذة تمويلية لهم بنسب مرابحة مدعومة.
المحور الثالث.. إطلاق سلسلة من العروض التجارية، للعسكريين العاملين منهم والمتقاعدين، يشمل خصومات نقدية، والدفع بالتقسيط أو الدفع الإلكتروني من خلال تطبيق ذكي.
المحور الرابع.. إنشاء مسارات خاصة للمتقاعدين العسكريين، في الدوائر الحكومية ابتداءً من مكاتب الأحوال المدنية، وإدارة الترخيص واقسامها ، والمطار ودائرة الاراضي والمساحة، والخدمات الطبية، لتشمل دوائر أوسع في المستقبل، ويفترض ان يحتذي بها في القطاع الخاص.
المحور الخامس.. إلحاق الأفراد وضباط الصف بدورات تدريبية وتوجيهية تهدف إلى تهيئتهم وتمكينهم بعد التقاعد.
جميل ان نحتفي بيوم المتقاعدين العسكريين، الذي يصادف في الخامس عشر، من شهر شباط من كل عام، كيوم مميز، للوفاء لهم، ولإستذكار تضحياتهم، وقد كان احتفاء هذا العام مميزا، من كل الجوانب وعلى كل المستويات، وما حمله برنامج "رفاق السلاح"، وما اشتمل عليه من محاور مهمة، حملت البشائر لكل بيت من بيوت المتقاعدين.
وكم هو جميل ايضا إطلاق الطاقات الفكرية والبحثية والأدبية، وفي كل المجالات للمتقاعدين العسكريين، ولتتويج ذلك النتاج، أن يكون هناك احتفال رسمي خاص وبرعاية ملكية، يشتمل على تكريم ملكي، لكل المبدعين من المتقاعدين العسكريين، وفي كل المجالات.
ومن الوفاء، وبما اننا نسعى للافضل، فإن من الواجب إعادة النظر بكل التشريعات، التي تتعلق بالمتقاعدين العسكريين، لتعديلها وبما يتوافق ويتلائم مع كل المتغيرات والتطورات.
ومن الوفاء للمتقاعدين العسكريين، إعادة النظر بالخطط التنموية والاستثمارية، لتشتمل على كل القطاعات الواعدة، كالقطاع الصحي من حيث بناء مستشفيات، ومراكز طبية ومختبرات طبية خاصة، والاستثمار في قطاع السياحة كالفنادق والنزل والضيافة ، وقطاع النقل والإعلام، وقطاع التدريب الإحترافي المختلف، لتشغيل كل اهل الخبرة والاختصاص من المتقاعدين، كالاطباء والممرضين، وفنيي المختبرات، وكل المهن المساعدة.
وكذلك تلك الخبرات في مجال الفندقة والطهي والإعاشة، وكذلك الخبرات في مجال القيادة لكل انواع المركبات، وما يتعلق بخدمات الصيانة والميكانيك.
وتلك الخبرات في مجال الصحافة والإعلام، من حيث التحرير والتقصي، والتصوير والبث إلاذاعي والتلفزيوني، وفنون الطباعة والمونتاج والإخراج،
وكذلك الخبرات في مجال الفنون بكل مسمياتها.
وهناك قطاعين مهمين واعدين، وهما ضرورة الاستثمار في قطاع الإسكان، ومنه وفيه تشغيل للخبرات والكفاءات في هذا التخصص، ومنه ايضا البيع المباشر للشقق والمنازل، للعاملين والمتقاعدين العسكريين بشكل خاص .
والقطاع الثاني هو القطاع الزراعي، وهو القطاع الذي يوجه جلالة الملك باستمرار، الى الاستثمار فيه، لما له من اهمية في الأمن الغذائي.
فلماذا لا تتوجه المؤسسة الإقتصادية والإجتماعية للمتقاعدين العسكريين، للإستثمار في القطاع الزراعي الواعد، ويتم توسعة الانتاج الحيواني، ليضاف اليه تربية الدواجن والاسماك وانتاج الأعلاف!
وانا اعلم ان هناك استثمارات للمؤسسة في هذا القطاع وخاصة في مجال الانتاج الحيواني، وان هناك خبرات وكفاءات كثيرة وكبيرة، من المتقاعدين العسكريبن.
وإن من الوفاء للمتقاعدين العسكريين، أن تشمل أية زيادات قادمة على الرواتب، ليكون الحد الأعلى منها على رواتب الافراد وضباط الصف ثم الضباط، وبشكل تصاعدي لا تنازلي.
ومن الوفاء للمتقاعدين العسكريين،والعاملين شمولهم وذويهم، بالتامين الصحي في المراكز الطبية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وخاصة في حالات الطوارئ، وتأمين نقلهم الى أقسام الطوارئ، في المستشفيات العسكرية، واعفاءهم من كل البدلات المالية.
وكم هو جميل ان يشمل برنامج رفاق السلاح ومحاوره، على اكبر عدد من المتقاعدين العسكريين، من فئة الإعتلال الطبي، والعاملين المدنيين على المادة"76"،واعادة النظر برواتبهم، فلا يعقل ان من أفنى سنين عمره، وزهرة شبابه، ليبلغ راتبه في حده الاعلى، 450 دينار، وعند التقاعد المبكر يهوي الى ما لا يتجاوز عن 300 دينار أو اقل بكثير.
إن الحديث عن الوفاء للمتقاعدين العسكريين، حديث ذو شجن، لا يقف عند حد، بل يتجاوز كل الحدود والسدود، لكن الاهم، هو ان يكون الوفاء بما يحفظ للمتقاعد العسكري كرامته وعيش كريم، حتى يشعر أن سهره في ليالي البرد الشديد، وايام الحر والهجير، تحت لظى الشمس،على الثغور والحدود، لحفظ امن البلاد، هي محط إهتمام ورعاية من الجميع.
ختاما... اتمنى لوطننا الأردن الأغلى، ولرفاق السلاح من العاملين منهم والمتقاعدين ، كل الخير والسلامة، وكم اتمنى ان يكون الإحتفاء بهم، في يوم الوفاء لهم في العام القادم، وقد تحققت كل الأماني، وتنفذت كل التطلعات والتوجهات، لتكون حقائق على أرض الواقع.