القلب.. كيف تحول من مضخة للدم إلى رمز للحب؟
جو 24 :
على مر السنين، انتقل القلب من كونه مركزا للحياة في جسم الإنسان إلى الموطن الرمزي للروح، لقد تعلّم العالم ذلك الأمر من المصريين القدماء الذين اعتقدوا بأهمية قلب الإنسان، وأخرجوه من المومياء ليُحفظ في جرة من المرمر، بحيث يمكن وزنه في الآخرة مقابل ريشة لتحديد مصير الروح.
ومثلما ذهب إليه المصريون القدماء، اعتبر الفلاسفة اليونانيون والرومان القلبَ ذا أهمية قصوى، وافترض أرسطو في اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد أنّ القلب هو مصدر الحياة ومركز الجهاز العصبي، ويرى أنه يؤثر بشكل كبير على شعور الإنسان وتفاعله مع العالم المحيط.
تقول باولا فيندلين مؤرخة العلوم والطب في جامعة ستانفورد (Stanford University) إن الأمر لا يتعلق فقط بعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، ولكن يتعلق أيضا بالمعتقدات الثقافية، وتوضح فيندلين أن فلاسفة مثل أرسطو وجالينوس قبلوا التسلسل الهرمي للجسد، حيث ترتبط الأعضاء التناسلية والكبد والجهاز الهضمي بالجسد، بينما الدماغ هو مقر العقل والمنطق، والقلب هو الذي يسدّ الفجوة الموجودة بينهما، وموقع القلب يثبت تلك الفكرة لأنه يقع بين الكبد والدماغ.
تشريح الروح
اكتسب اعتبار دور القلب مقرا للروح أهميةً دينية في أوروبا خلال العصور الوسطى، حيث اعتقد الناس أن الخير والقداسة تظهر على الجسد، وخاصة على القلب. عند وفاة أشخاص مقدسين كانت إحدى الخطوات الأولى -إلى جانب تجميع تقارير المعجزات المنسوبة إليهم- هي تشريح أجسادهم للعثور على علامات القداسة.
في عام 1308 عندما ماتت الراهبة الإيطالية كلير أوف مونتيفالكو تم تشريح جسدها، وتقول الأسطورة إنهم وجدوا رموزا دينية صغيرة داخل قلبها، وهو الدليل الذي أثبت قداستها، وبحلول القرن الـ16 أصبحت العلامات الجسدية للقداسة أقل تطرفا من فكرة الرموز الدينية الواضحة.
وخلال عصر النهضة اتخذ العلماء الأوروبيون خطوات كبيرة في فهم القلب، ويرجع الفضل جزئيا في ذلك إلى علم التشريح، فقد أنتج ليوناردو دا فينشي رسوما تشريحية مفصلة، وخلق نموذجا زجاجيا للقلب لفهم وظيفته بشكل أفضل، وبدأت نتائجه تنحرف عما عرفه أرسطو وجالينوس.
وفي عام 1628 نشر الطبيب الإنجليزي الشهير ويليام هارفي تقريرا يصف فيه كيف تعمل الدورة الدموية، بعد ذلك سيطر نموذج هارفي على المناقشات الطبية، وأصبح القلب مركزا عاطفيا يتلاشى في عالم العلم.
كيف تحول القلب إلى الرمز الحالي؟
كان لدى الرومان القدماء اعتقاد غريب بشأن القلب، وهو أن هناك وريدا يمتد من الإصبع الرابع باليد اليسرى مباشرة إلى القلب، ورغم أن هذه الفكرة استندت إلى معرفة غير صحيحة بالتشريح البشري فإنها استمرت، وفي القرون الوسطى أثناء احتفال الزواج في الكنيسة، طُلب من العريس أن يضع خاتما حول الإصبع الرابع، ومن هنا جاء تقليد خاتم الزواج.
خلال القرنين الـ12 والـ13 احتفل المنشدون في فرنسا بالحب الكامل، وهو الحب الذي يتطلب أن يهب الرجل قلبه كاملا لامرأة واحدة فقط، مع وعد منه بالإخلاص لها إلى الأبد، وامتد هذا الانفجار الغنائي والشعري الذي بدأ في فرنسا إلى إسبانيا والبرتغال وإيطاليا والمجر وألمانيا والدول الإسكندنافية، وابتكر كل من الرجل والمرأة تنويعاته الخاصة.
في عام 1344 ظهرت أول صورة معروفة لأيقونة القلب بشكلها المعروف حاليا في مخطوطة بعنوان "قصة الإسكندر" (the romance of Alexander) كتبها لامبرت لو تور باللهجة الفرنسية، مع مئات الصفحات المزخرفة بشكل رائع، وتعد تلك المخطوطة أحد أعظم الكتب المصورة في العصور الوسطى.
يظهر المشهد الذي يحتوي على صورة القلب في صفحة مزينة بالطيور والأشجار، وعلى الجانب الأيسر ترفع المرأة قلبا يفترض أنها تلقته من الرجل الذي يواجهها.
وتقبل المراة الهدية، والرجل يلمس صدره دلالة على المكان الذي جاء منه القلب، ومنذ هذه اللحظة كان هناك انفجار في صور القلب، خاصة في فرنسا.
خلال القرن الـ15 انتشرت أيقونة القلب في جميع أنحاء أوروبا بطرق متنوعة، فقد وُجد مرسوما في صفحات المخطوطات وعلى الدبابيس والمعلقات وأوراق اللعب والأمشاط والصناديق الخشبية ومواقع الدفن وعلامات الطباعة، وتم تكييف أيقونة القلب مع العديد من الاستخدامات المختلفة.
أصل الرمز
يقول البروفيسور بيتر ستيوارت رئيس مركز أبحاث الفن الكلاسيكي بجامعة أكسفورد "نرى هذا الشكل على آلاف القطع الموجودة في الفخار اليوناني القديم، لكن رمز القلب كما نراه حاليا يرجع إلى القرون الوسطى وعصر النهضة"، وما نراه هو نسخة مجردة من ورقة شجر نبات اللبلاب على وجه الخصوص، وغالبا ما كانت المزهريات التي رسم عليها القلب مصممة لشرب الخمر أو لحفظه.
يرى ستيوارت أن بروز هذا الشكل الأيقوني للقلب بسبب شكله المبهج، وبسبب الأيقونات الدينية التي رسمت فيها صورة القلب بشكله الحالي، خاصة لوحة كاترين دي سيينا الموجودة حاليا بمتحف الفنون الجميلة بفرنسا.
المصدر : مواقع إلكترونية